ترتيب نزول سور القرآن الكريم (3)
تصنيف السور المدنية إلى مراحل
سبق وذكرنا أننا توصلنا للتعرف على السور المدنية وترتيبها حسب النزول قبل السور المكية، لأنها كانت أسهل بكثير من السور المكية، بما تتحدث عنه من أحداث ووقائع سهل من التعرف على ترتيبها. وسيلاحظ القراء أن كل مرحلة من مراحل الدعوة المدنية تحوي سوراً قليلة بالنسبة لمراحل الدعوة المكية. كما أن ترتيب السور ضمن المرحلة الواحدة ظاهر وبين، عكس السور المكية. ومع ذلك فترتيب ثلاث سور مدنية ليس جازماً، وهي البينة، الماعون، وبدرجة أقل الطلاق، لأن هذه السور الثلاث لا تتحدث عن أي وقائع أو أحداث.
والقرآن بدأ النزول في مكة بالفاتحة ومن بعدها الفيل وقريش، لأنها سور تُعرف محمد بخالقه ومرسله، وتذكر قريش ببعض نعم الله عليهم لتهيئتهم لقبول دينه. تلى ذلك سور أخرى تؤكد أن هناك بعث وحساب، وهو ما تنكره قريش. ولم يصاحب هذه السور وعيد ولا تهديد، ولا تشريعات، وإنما كانت سور تعريفية تهيئ الناس لتلقي الدعوة عندما تبدأ.
وعندما هاجر رسول الله للمدينة لم تكن السور الأولى التي نزلت عليه، تتحدث عن الخالق أو البعث والنشور، لأن بني إسرائيل يعرفون الله ويؤمنون بيوم القيامة. ولم تنزل السور الأولى في المدينة لتعرف أهلها بالرسول القادم إليهم من مكة، لأن الأخبار تواترت عنه، وعن مبعثه. كما أن هناك بعضٌ من بني إسرائيل والأوس والخزرج قد رأوه وآمنوا به، قبل هجرته، وهم من دعاه للقدوم ليثرب. لذا فالسور المدنية الأولى إما أن تتوجه بخطاب لأهل يثرب، وبالذات بني إسرائيل منهم، لأنهم كبراء البلد وأغنيائها، تدعوهم للدخول في الإسلام. أو أن تناقش الأوضاع والأحداث المصاحبة للهجرة والاستقرار في الموطن الجديد. وبناءً على تتابع الأحداث يمكن التعرف على أي السور نزل أولاً في المدينة.
وقد أمكن تقسيم السور المدنية على ثمان مراحل، مرت بها الدعوة هناك، بناءً على تتابع الأحداث:
المرحلة الأولى: التوطن والاستقرار
وهي تلك الفترة التي تلت وصول رسول الله إلى يثرب، مهاجراً، واستقراره. وهذه المرحلة لا ذكر فيها لقتال المشركين، لأنه لم يفرض على المسلمين بعد.
السور: الممتحنة، الحجرات، المجادلة ، الجمعة
المرحلة الثانية: فرض القتال والإستعداد لحرب قريش
وهي تلك الفترة الواقعة بين فرض قتال المشركين وبين غزوة بدر.
السور: البقرة، النساء، آخر سورة المزمل، المائدة، الماعون، محمد، الصف
المرحلة الثالثة: ما بعد معركة بدر
السور: الأنفال، الحديد، التغابن، الطلاق
المرحلة الرابعة: ما بعد معركة أحد
السور: آل عمران، التحريم، البينة
المرحلة الخامسة: ما بعد معركة الأحزاب وقبل فتح مكة
السور: الأحزاب، النور، المنافقون
المرحلة السادسة: فتح مكة
السور: الفتح، الروم
المرحلة السابعة: قلاقل ما بعد فتح مكة
السور: براءة، الحشر
المرحلة الثامنة: نهاية الدعوة
السور: النصر
الخاتمة
وبتوفيق من الله، تم إيجاد منهجية عملية بسيطة أمكن الاعتماد عليها في تقسيم فترة الدعوة في مكة والمدينة إلى مراحل، تشترك سور كل مرحلة بنفس الملامح والمواضيع، إضافة للمخاطب ونوع الخطاب، والتسلسل المنطقي للأحداث، وكانت فعّالة في التعرف على ترتيب السور حسب النزول في كل مرحلة. وإن كان هذا لا يعني أن العمل كان مثالياً، أو خالياً من الأخطاء والنواقص.
لكن يمكن القول: أن الأخطاء التي وقعنا فيها وإن كثرت، فلأن ما قمنا به يعتبر عمل أولي، نتمنى أن يؤخذ كعمل ناقص يحتاج لتصحيح وإكمال، ويتبعه أعمال أكثر دقة.
وإن كان من المحزن أن ترتيب سور القرآن حسب النزول لم يلق أي اهتمام من المسلمين ومن غيرهم من الباحثين - برغم أهميته القصوى للتعرف على القرآن نفسه وعلى تاريخه وتاريخ الإسلام - فإنه من المفرح أن يتم إثراء هذا الموضوع وإكمال نواقصه واكتشاف أخطائه، لأن هذا سيعين على تحسينه والتخلص من بعض ما ليس مرغوباً في وجوده في هذا العمل الهام للمسلمين لفهم دينهم، ولغير المسلمين للتعرف على الإسلام، تشريعاً وتاريخاً، بل وللتعرف على تاريخ بني إسرائيل وأمم سابقة كل ما نملكه عنهم تاريخ مغلوط.
وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ
التعليقات على الموضوع (15)