المجاز عجز واعتباط في التعبير
المجاز في اللغة الاعتباطية هو تجاوز الحقيقة لتَعَذُّرِها إلى معنى يفترضه المتكلم، وهذا التَّعذر هو نتيجة عجز المتكلم ومحدودية قدرته في تصوير الحدث بلفظ يدل عليه حقيقة؛ والله منزه عن العجز، وهو على كل شيء قدير، وأسلوب خطاب الله في استخدام اللسان العربي يختلف تماماً عن أسلوب الناس، والفرق بينهما مثل الفرق بين الخالق والمخلوق، وكل فعل يأخذ صفة فاعله ضرورة من حيث التمام والكمال، وكلام الله وحديثه حقّ وصِدْق.
انظر قوله تعالى: (ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثًا) النساء87، وقوله: (إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسَۡٔلُ عَنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَحِيمِ) البقرة 119.
فالمجاز ابتداء هو خلاف الحقيقة ووقوع في الخطأ أو الوهم، ولا يمكن للخطأ أن يكون بلاغة قط، والمجاز أسلوب في الخطاب يعتمده الناس في تواصلهم مع بعضهم للتعبير عن مقاصدهم، ويعتمدون في فهم المقصد على المتلقي للخطاب، ويدعمون مقصدهم بالإشارة والكناية والإيماء والاصطلاح على شيء بينهم، ولا يمكن فهم الخطاب المجازي بمعزل عن المتكلم، لذلك نجدهم يقولون:لابُدَّ للمجاز من قرينة تدل عليه لأن الأصل في الكلام الحقيقة.ويقولون: المعنى في قلب الشاعر أو المتكلم!، وذلك لنفي الدلالة الحقيقية عن الكلام، التي هي محل تسليم من الجميع، وتُفهم بمعزل عن المتكلم بخلاف المجاز لابُدَّ له من فهم مقصد المتكلم.
قال المعرّي: لا تُقيّد عليَّ لفظي فإني ........مثل غيري تَكَلُّمي بالمجاز!
وقال أيضاً: نقول على المجاز وقد علمنا.....بأنَّ الأمر ليس كما نقول!
واللسان العربي المبين لسان علمي ذو نشأة طبيعية فيزيائية، وقد نزل التنزيل الحكيم بلسان عربي مبين، بمعنى أنه استخدم أصوات اللسان العربي حسب دلالاتها الفيزيائية، وركّب الكلمات منها بتوافق وانسجام في ترتيب الأصوات لتدل على الحقيقة بمعزل عن المتكلم، وذلك من خلال فهم دلالة الأصوات للوصول إلى المفهوم الفيزيائي للكلمة، ومن ثم الانتقال بصحبته إلى الدلالة الثقافية التي تظهر من خلال استخدام المفهوم وفق سياق الجملة أو النص، وإسقاطه على محله من الواقع، وبذلك تظهر تعدد صور الاستخدام الثقافي المعرفي للمفهوم الواحد على وجه الحقيقة، بينما اللغة استخدمت ذات الأصوات العربية (الأبجدية) ولكن بصورة اعتباطية، ومن هذا الوجه تشابه اللسان العربي باللغة العربية وزاد الأمر سوءاً عندما أخضعوا اللسان العربي المبين لقواعد اللغة العربية، وصار اللسان الأعجمي الاعتباطي حَكماً ومعياراً للسان العربي المبين، فضلّوا وأضلوا الأمة من بعدهم، ولم تقم لهم قائمة، واستمروا في لغوهم يغوصون في الاعتباطية ويجترونها نثراً، وشعراً، ونظماً، وأدباً، ويظنون أنهم يُحسنون صنعاً.
فالمجاز، وقاعدة اختلاف الألفاظ وتعددها لمعنى واحد، التي اشتهرت خطأ باسم الترادف، كانتا بمثابة فيروس أصاب اللسان العربي المبين ونخر فيه، ومنعه من الحركة العلمية، وخاصة أن أهل الاعتباط انطلقوا من أن أصوات اللسان العربي لا معنى لها، وهي اعتباطية في نشأتها، ولك أن تتصور الكارثة التي أصابت اللسان العربي نتيجة هذا الرأي الاعتباطي بقواعده اللغوية (التطابق في المعنى رغم اختلاف المبنى) والمجاز، ما أدى إلى ظهور لغة عربية مقابل اللسان العربي المبين، ونتج عن لغو الأمة التخلف والانحطاط؛ لأنهم جعلوا الشعر الجاهلي، والنثر والتراث الذي قام على اللغة العربية الاعتباطية مصادر تحكم اللسان العربي المبين، أي الاعتباطي يحكم العلمي (اللغة تحكم القرآن)، وفعل المخلوق يحكم فعل الخالق!، فالأمر على درجة من الخطورة والأهمية، وهي مسألة مصيرية، نهضة أو الغوص في وحل التخلف والانحطاط.
إن التنزيل الحكيم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي هو صورة صوتية لحركة الكون، ومنضبط بذات القواعد والقوانين، مثل الثابت والمتغير، والثنائية والتطور، والنمو والحركة، واختلاف العناصر والأحداث في الكون أدّى إلى اختلاف دلالة الألفاظ التي تصور الحدث في اللسان، وظهرت قاعدة (اختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى ضرورة) وبما أن أحداث الكون وظواهره حقيقية، وليست وهماً، انعكس ذلك على اللسان العربي، فكانت ألفاظه تمثل الحقيقة لا وجود للوهم (المجاز) فيه، وما المجاز إلا نوع من الوهم خلاف الحقيقة، لذا؛ انتفى عن اللسان العربي(التنزيل الحكيم) وجود المجاز، والمجاز صفة للغة الناس، وذلك ناتج عن قصورهم وعجزهم لتصوير الحقيقة بألفاظهم.
والقول بالمجاز يتعلق بالقول بتطابق المعنى رغم اختلاف المبنى، واعتباطية نشأة اللسان، ونفي الدلالة عن أصوات الأحرف ضرورة، ومن ينفي التطابق فقط، ويُثبت المجاز، ويقول باعتباطية نشأة اللسان، وعدم وجود دلالة للأصوات يقع بتناقض عجيب، فهذه الأمور الأربعة متعلقة ببعضها كسلسلة، لأن اختلاف المعنى تأتّى من اختلاف المبنى الذي هو أصوات الأحرف وترتيبها، وهذا يدل على وجود دلالة للأصوات أعطت كل مبنى معنى، ولولا ذلك لما تأثر المعنى من تغير المبنى، ومثل ذلك كمثل العناصر الكيميائية،فأي تغير في عناصرها يؤدي إلى تغير النتيجة ضرورة، فمن يُثبت شيئاً من الأمور الأربعة أثبت الكل ضرورة لازمة، والعكس صواباً.
يقول الأستاذ محمد عنبر:
(إن ما ينفي الترادف (اختلاف المبنى واتفاق المعنى) ويمنع من وقوعه؛ دليل واحد قاطع؛ هو، أنه لو كانت حروف أبجدية اللغات مترادفة، ويُغني كلُّ حرف منها عن الآخر غنىً وافياً كافياً لكان كل حرف ككل حرف، و لزال البيان من أساسه، وما كانت الكلمات مؤَلفة من حروف، فإن الكلمات لا تترادف قطعاً، أي لا تُغني أي كلمة منها عن أي كلمة أخرى غنىً شافياً وافياً كافياً، لأن ذلك ينتهي بها إلى أن أي كلمة كأي كلمة تماماً).
والأدلة التي يسوقونها من القرآن لإثبات المجاز هي خطأ في الفهم والاستدلال، وما ينبغي أن يكون في اللسان العربي المبين مجاز، لأن حصول ذلك هو وجود الوهم والظن والخيال في التنزيل الحكيم، وذلك ينقض صفة الإحكام والحقيقة، وينفي عنه النظام، ويفتح باب الاعتباطية، ويترك تشكيل المعنى لكل قارئ حسب تصوره وتخيله دون ضابط، ولا يكون فهم أحد حجة على آخر، وبالتالي يتفرغ التنزيل الحكيم من مفاهيمه، ويصير نصّاً لغوياً اعتباطياً، وتصح المقولة التي يستشهد بها أهل الاعتباط (القرآن حمّال أوجه) وينتفي عنه صفة الحكمة، والإبانة، والعربية.
انظر إلى أهم الأدلة التي ساقها أهل الاعتباط للاستدلال على وجود المجاز في التنزيل الحكيم:
1- (وَسَۡٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلۡعِيرَ ٱلَّتِيٓ أَقۡبَلۡنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ) يوسف (82)
فقالوا : أي أهل القرية وليس الجدران، وهذا مجاز في الاستخدام.
والصواب أن كلمة (قرية) لا تطلق على المكان مجرداً، وإنما لابد من وجود السكان فيها، فهي تدل على موقع جغرافي اجتماعي، وكذلك كلمة (عير) فهي غير كلمة (بعير)، ويُقصد بها القافلة، وأقبلنا فيها، غير أقبلنا عليها، انظر إلى قوله تعالى:
- (وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا) الإسراء (16)
- (وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۢ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَا) القصص (58)
- (وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ) الأنبياء (74)
ودلالة (القرية) غير دلالة (أهل القرية) انظر إلى قوله تعالى:
- (إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰٓ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ رِجۡزًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ) العنكبوت (34)
- (إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ) العنكبوت (31)
فإهلاك القرية يشمل الناس والمكان، بينما إهلاك أهل القرية خاص بسكانها دون المكان.
2- (وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا) الإسراء (72)
قالوا: إن صفة العمى في الدنيا مجازية، ويقصد بها الضلال والضياع والانحراف عن منهج القرآن.
والصواب أن كلمة العمى تدل على نفي وجود النور وإحلال السواد الذي يغطي الأمور محله، ويكون ذلك في الواقع بصور متعددة: ابتداءً من عمى النظر العيني إلى عمى البصيرة، انظر قوله تعالى:
- (وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡ) النمل (81)
- (وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمًّا وَعُمۡيَانًا) الفرقان (73)
- (فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ) الحج (46)
3- (يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡ) الفتح (10)
قالوا: إنَّ كلمة اليد هي جارحة وتطلق على الله مجازاً، ويقصد بها القدرة.
والصواب أن دلالة كلمة يد تدل على القوة الممتدة التي تطول الشيء، والسيطرة والإمكانيات والأدوات، ويكون ذلك في الإنسان ومن مثله متحققاً في جارحة لامتلاكه لها، بينما الله ليس كمثله شيء، فنثبت المفهوم الحقيقي لدلالة كلمة اليد فقط دون تخيل لجارحة لأنها أداة المخلوق،انظر قوله تعالى:
- (إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ) البقرة (237)
- (وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِ) الفرقان (48)
- (قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِيَدَيَّ) ص (75)
- (وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات (47)
والنص القرآني استخدم التمثيل والتشبيه نحو قوله تعالى: (مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢا) الجمعة (5)، (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَث) الأعراف (176)، (أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ) الأعراف (179) وهذه الكاف معروفة بأنها كاف التشبيه، ولا تفيد التطابق بين الاثنين بخلاف ما لو أزلناها وقلنا: زيد حمار أو كلب، فهذا يدل على أن زيداً نفسه حمار، والواقع خلاف ذلك، فزيد ليس حماراً،مما يعني أن هذه المقولة باطلة من حيث الواقع، ولا يصح استخدامها، لذا؛ لم يأت هذا الاستخدام في التنزيل الحكيم قط، وإنما أتى أسلوب التشبيه المحدد بصفة (كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢا)، ولو انتفى التحديد لانتفى التشبيه لاحتماله أكثر من صورة، فهل هو كالحمار بصبره أو ببلادته؟ فأسلوب التشبيه المحدد هو للصفات وليس للذوات، وبالتالي هو مفهوم حقيقي وليس مجازاً، ولا يصح الإتيان بغير خطاب التنزيل الحكيم شاهداً أو برهاناً، لأن كلام الناس كائناً من كانوا لا يخلون من العجمة في خطابهم لزوماً.
4- (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرۡيَةً كَانَتۡ ءَامِنَةً مُّطۡمَئِنَّةً يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُون) النحل112 قالوا:هذه استعارة لأنَّ حقيقة الذوق إنَّما تكون في المطاعم والمشارب لا في الملابس.
أولاً: ما هو البرهان على أن حقيقة كلمة (ذوق) متعلقة بالطعام والشراب؟ طبعاً لا يوجد برهان.
ثانياً: ما هو البرهان على أن حقيقة كلمة (لباس) هي الثياب؟ طبعاً لا يوجد برهان.
ثالثاً: لماذا لا يكون عكس كلامهم هو الحقيقة بمعنى استخدام كلمة (ذوق) على الطعام أو الشراب هو المجاز وشاع ذلك فيما بعد، وتقلصت الحقيقة؟ وجوابهم هو هكذا وصلنا سماعياً.
رابعاً: ما البرهان على أن القرءان استخدم الكلمات حسب استخدامهم لها أو بما تعارفوا عليه وشاع بينهم؟ وجوابهم هو إن النص القرءاني نزل بزمن معين وبلغتهم، ويستدلون بقوله تعالى (وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) إبراهيم 4، وبالتالي ينبغي التقيد بفهم السلف لضبط معاني الكلمات والآيات.
الملاحظ من أجوبتهم أن الموضوع كله هكذا سمعنا، وهكذا تعارفنا عليه، وهكذا ورثنا عن آبائنا....، إذا ؛ الموضوع ليس علماً ولا دراسة ولا برهان، إنه إتباع للآباء والأكثرية وتقادم الزمن!
أما قولهم الرابع فقد أخطؤوا خطأً فادحاً باستشهادهم بالنص في غير محله، فالنص يتكلم عن لسان حامل الرسالة الذي هو من البشر وواحد من قومه، فمن الحكمة أن يكون يتكلم باللسان ذاته حتى يفهموا عليه ويوضح لهم المطلوب منهم بلسانهم. وهذا لا علاقة له بلسان النص القرءاني وكيف نزل، ونجد جواب ذلك في قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ 193 عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ 195) الشعراء
(وَمِن قَبۡلِهِ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامًا وَرَحۡمَةً وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ) الأحقاف 12
لسان الرسول (حامل الرسالة): بلسان قومه. عربي ولكنه غير مبين.
لسان النص القرءاني: بلسان عربي مبين.
والسؤال هل يمكن أن يكون المقصد واحد؟ والجواب لا يمكن أبداً، لأنه لو حصل ذلك لصار لسان النبي (بمعنى النظام اللساني) هو النظام القرءاني ذاته، وصار كلام النبي له صفة نظام القرءان ذاته أي صار قرءاناً، وبما أن لسان النبي هو لسان قومه فهذا يعني أن لسان قومه أيضاً صار اللسان القرءاني وهو مثل كلامهم تماماً! وإن حصل ذلك انتفى عن النص القرءاني صفة الحق والصدق والعلمية، وصار نصاً تاريخياً ينبغي فهمه حسب المستوى المعرفي والعلمي واللساني للمجتمع الذي نزل عليه. ولم يعد يعني المجتمعات اللاحقة بشيء لانتهاء فاعليته وصلاحيته مع انتهاء المجتمع الأول.
وبناء على خطئهم هذا القاتل قيَّدوا النص القرءاني بقواعد الشعر الجاهلي من ترادف ومجاز وغير ذلك، واتبعهم فيما بعد أهل النحو، بل وصل بهم الجهل إلى أن جعلوا النص القرءاني استثناء وشاذ عن الأسلوب العربي في المسائل التي خالفت بها قواعدهم الاعتباطية، وصَيَّروا النص القرءاني أدنى من لغتهم ونصبوا أنفسهم حكماً عليه، ونفوا عنه أن يكون مصدراً أو مرجعاً للسان العربي بل للغة التي هي من اللغو!
وعود على بدء؛ على ماذا تدل كلمة (ذوق) في اللسان العربي؟
ذ: صوت يدل على حركة دفع ملتصقة.
و: صوت يدل على حركة ضم ممتد مكانياً.
ق: صوت يدل على حركة توقف أو قطع شديد.
وباجتماع الأصوات الثلاثة بهذا الترتيب نصل إلى المفهوم الحقيقي لكلمة ( ذوق) وهو دفع ملتصق منضم مكانياً بامتداد منته بتوقف أو قطع شديد. ولتقريب المفهوم نقول: كلمة (ذوق) تدل على اختبار أو تناول جزء من الشيء والإحساس به والتوقف بعد ذلك عن تناوله.سواء أكان مادياً أم معنوياً. والاستخدام لهذه الكلمة محكومة بمفهومها أينما أتت في الجملة أو اختلف السياق ومعنى المتكلم منها حينما يسقطها على واقع أو حدث، نلاحظ المفهوم الحقيقي للكلمة لسانياً ظاهر ويحكم الدلالة.انظر قوله تعالى. (يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ) ءال عمران 106
(لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلۡحَرِيقِ) ءال عمران 181
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡتُلُواْ ٱلصَّيۡدَ وَأَنتُمۡ حُرُمٞ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٞ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ هَدۡيَۢا بَٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ أَوۡ كَفَّٰرَةٞ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوۡ عَدۡلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمۡرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنۡ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنۡهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ) المائدة 95
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ) الدخان 56
كل معاني كلمة الذوق في النصوص السابقة لاعلاقة لها بالتذوق اللساني من الطعومات وهي تذوق حقيقي سواء بالجسم أم بالنفس. (لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدًا وَلَا شَرَابًا) النبأ 24، وفي هذا النص أتت كلمة الذوق للبرد وهو شعور في الجلد على مستوى واحد مع التذوق اللساني، وكلاهما تناول جزئي لاختبار الشيء والتوقف بعد ذلك، ونفي الذوق عنهم هو نفي الحصول عليه كلياً من باب أولى.
وكلمة لباس أصلها لبس:
ل: صوت يدل على حركة لازمة متثاقلة.
ب: صوت يدل على حركة تجمع مستقر.
س: صوت يدل على حركة حرة غير مقيدة.
ومفهوم كلمة (لبس) بهذا الترتيب الصوتي هو حركة لازمة ثقيلة متجمعة باستقرار منتهية بحركة حرة.ولتقريب المفهوم الحقيقي لكلمة (لبس) نقول: هو فعل يلزم الشيء بثقل ويتجمع عليه منته بحركة حرة .والاستخدام لهذه الكلمة محكومة بمفهومها أينما أتت في الجملة أو اختلف السياق ومعنى المتكلم منها حينما يسقطها على واقع أو حدث، نلاحظ المفهوم الحقيقي للكلمة لسانياً ظاهر ويحكم الدلالة.انظر قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡ هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّ) البقرة187
(يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسًا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف 26
(وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرۡيَةً كَانَتۡ ءَامِنَةً مُّطۡمَئِنَّةً يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) النحل 112
(إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤًا وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ) الحج 23
(وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسًا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورًا) الفرقان 47
(وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسًا) النبأ 10
العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة علاقة لباس لبعضهما، بمعنى العلاقة الملتزمة المتجمعة باستقرار الشعور بينهما المتوجة بالحرية في الحركة لكليهما.
فالليل لباس، واللباس من حرير، ولباس الجوع والخوف... أرأيت كيف يأتي مفهوم الكلمة حقيقة ويحكم صور استخدامها أينما أتت.
لننظر النص المعني بالدراسة (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرۡيَةً كَانَتۡ ءَامِنَةً مُّطۡمَئِنَّةً يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ) النحل 112
مجتمع كفر بأنعم الله فعاقبه الله بمعاناة مؤقتة للاختبار لحالة التزام الجوع والخوف في المجتمع وتمكن هذه الحالة باستقرار وتحركها في المجتمع بشكل حر متزايد ومتنامي جزاء كفرهم.
5- (وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ) التكوير 18
كلمة تنفس أصلها نَفَس التي تدل على حركة مستورة انفتحت بحرية، ولها صور كثيرة في الواقع مثل النفس الذي يخرج من الكائنات الحية مثلاً، نلاحظ عملية ستر الهواء في دخوله وفتحه للرئتين وحركته الحرة فيهما، ومن ثم خروجه من الستر إلى الخارج بحرية، فهو نفس أثناء دخوله ونفس أثناء خروجه. وكذلك الصبح وهو بداية إضاءة النهار بشكل واضح، انظر لمجي الضوء من حالة الستر وانفتاحه وتحركه بحرية ليملأ الجو، فالعملية الفيزيائية واحدة، وهي التي نقول عنها مفهوم الكلمة اللساني الثابت، أما صور ظهور هذه العملية في الواقع فمتعددة حسب مقصد المتكلم والحدث الذي يعنيه بكلامه.
الإنسان يتنفس، والصبح يتنفس.
6- (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارًا) نوح 7
الذي يحدد المعني بالكلام دائماً هو محل الخطاب، وينبغي الانتباه على عدم وجود كلمة (يدخلون أصابعهم) في النص، والذي أتى هو كلمة (جعلوا) والفرق كبير بين دلالة الكلمتين، والخطاب يصف حالة جماعية، لذا؛ أتت كلمة (جعلوا أصابعهم).
والإنسان يجعل أصبعه في أذنه حقيقة، والذي يحدد حجم أو طول الإصبع الذي يجعل في الأذن هو واقع فتحة الأذن وليس الفاعل، وفتحات الأذن تختلف سعتها عند معظم الناس، وبالتالي يختلف حجم الإصبع الذي يجعل في الأذن باختلاف حجم فتحة الأذن، والأصبع تكمن وظيفته في نهايته الحرة المتحركة، وبالتالي جعل الأصبع في الأذن حقيقة وليس مجازاً.
7- (كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ) البقرة 213
البشرى من كلمة بشر التي تدل على جمع مستقر منتشر مكرر. وسمي الكائن الحي من بني آدم بالبشر لأنه جمع مستقر على خلقه منتشر في الأرض مكرر وجوده تكاثراً. وسمي سطح جلد الإنسان بالبَشرة لأنه جمع مستقر منتشر مكرر، ومن ذلك أتت كلمة المباشرة بمعنى التقاء البشرة بالبشرة، ونقول: بشره (دون تشديد الشين) بمعنى القيام بنشر الجمع المستقر بتكرار وهي عملية معروفة مثل بشر الصابون أو الجبن إلى قطع ناعمة. ونقول بشَّره (بتشديد الشين) بمعنى القيام بإخباره شخصياً بخبر يتعلق به بشكل مكرر، وليس مجرد الإعلام بأي خبر.
والبشرى من هذا الوجه عامة يمكن أن تتعلق بالخير مثل قوله تعالى: (يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ) التوبة 21
ويمكن أن تتعلق بالشر مثل قوله تعالى: (بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء 138
وبالتالي لا يوجد مجاز في تعلق البشرى بالشر، لأن البشرى مفهوم عام تتعلق بالخير والشر على وجه الحقيقة.
8- (وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء 24
جنح: الجيم والنون والحاء أصل يدل على جهد أو قوة مستورة مؤرجحة بشدة.
وظهر معناها الثقافي في ميل الشيء بقوة إلى جهة مستورة بشكل مؤرجح غير مستقر، ومنه قولنا: جنحت السفينة إلى الشاطئ، إذا خرجت عن مسارها النظامي أو مكانها بقوة أدت بها إلى الـتأرجح وفقدان توازنها، ونقول للإنسان الذي يمارس عملاً غير سوي ولا صواب: إنه جَنح عن الحق، ومنه الجُنحة، قال تعالى: (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة 158، بمعنى لا حرج عليه ولا يُحسب ذلك ميلاً عن الحق أو الصواب.
وقال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُم مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ) الأنعام 38، وسُمَي عضو الطيران المتحرك للطيور جناحاً لتحقق به القوة والجهد الذي ينستر إلى أسفل ضماً إلى جسم الطائر ويعود إلى وضعه السابق مؤرجحاً بشدة.
إذاً؛ كلمة جَناح لا علاقة لها بالريش أو بغيره، وهي غير اليد ضرورة بدليل ذكر الكلمتين في نص واحد، قال تعالى: (وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ) طه 22، بمعنى لصق اليد بالجنب بقوة بعظام الصدر.
وقال تعالى: (ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِٓ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمًا فَٰسِقِينَ) القصص 32
اسلك يدك في جيبك بمعنى أدخلها إلى آخر نقطة ممكنة في فتحة ثيابك فتخرج بيضاء مُشعَة للناظرين من غير مرض أو عيب، وبعد ذلك اضمم جناحك إليك وهو الجزء الأعلى من اليد الذي يُسمى العضد و لصقه بعظام الصدر الجانبية، وذلك لإرجاع اليد البيضاء إلى طبيعتها، وهذه الآية والتي قبلها - تحول العصا إلى ثعبان- برهانان لك لإثبات نبوتك وصدقك لفرعون.
ونأتي الآن إلى النص المعني بالدراسة ونفي المجاز عنه، وهو: (وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء 24
مفهوم كلمة (جناح) حسب مفهوم جذرها (جنح) هي اسم لقوة الإنسان وشدته المستورة المؤرجة بشدة، يطلب الله من الأبناء أن يخفضوا هذه القوة والشدة ويستروها أمام والديهم ويُظهروا لهم الذل التي تعني توجيه القوة والدفع ملتصقا بثقل في خدمة الوالدين من الرحمة واللين والعناية.
فأين المجاز في كلمة الجناح؟ إنه أتى من حصر مفهوم كلمة (جناح) أنها اسم لعضو الطيران الذي يكسوه الريش وهو معنى هزلي مضحك سطحي لا قيمة علمية له البتة. فالأصل في مفهوم الكلمة هو المفهوم اللساني الذي يأتي من الجذر، وبعد ذلك ملاحظة اختلاف المعنى محكوماً بالمفهوم اللساني من خلال السياق وإسقاطه على محل الخطاب.
(ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) فاطر 1
كلمة (أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ..) تدل على تعدد امتلاك القوى المحركة للملائكة، وذلك مثل تعدد المحركات للطائرة، ولا علاقة للجناح الريشي بذلك قط، فهو معنى سطحي وخيال طفولي .
التعليقات على الموضوع (5)