القيام على أموال اليتامى
بسم الله الرحمن الرحيم .
تتمحور فكرة هذا البحث المتواضع حول أن بداية سورة النساء جاءت تخاطب مجتمع المؤمنين كمجتمع وليس كأفراد للقيام على أموال اليتامى بالقسط. ولقد بينت الأيات لمن لا يعرف كيفية القسط في اليتامى سبل ذلك بتقسيم اليتامى الى ثلاثة أصناف.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلۡأَرۡحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبًا ١ وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ٢ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣ وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةً فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسًا فَكُلُوهُ هَنِيًٓٔا مَّرِيًٓٔا ٤ وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمًا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلًا مَّعۡرُوفًا ٥ وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدًا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا ٦) سورة النساء
1- النساء، قبل الولوج لهذا الصنف وجب التذكير الى أن الجملة الشرطية:
- وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى.
- مرتبط جوابها بكل باقي الاية وأصنافها وليس النساء فقط على وجه الخصوص.
حيث أن الله سيبين للمجتمع المؤمن بعد هذا الخوف المعلن الكيفية المثلى للقيام على أموال اليتامى بأصنافهم الثلاث.
عودة على النساء فانه وجب على المجتمع كمجموعة الزواج منهن وكمجموعة أخرى قائمة على أموالهن تزويجهن. وهذا استنادا الى لفظة -صدقاتهن-
فالذي يتزوج من امرأة بنكاح يؤتيها أجرها ولقد استعمل القرءان لفظة -أجورهن- في كل ءايات القرءان لبيان ما نسميه مهرا. أما لفظة صدقاتهن في هذه الأية إنما دلت على مال المرأة اليتيمة الذي يجب تسليمه اياها عندما تقبل على نكاح من طرف من كان قائما عليه. فان هي طابت له عن شيئ منه فليأكله هنيئا مريئا. وهذا بالطبع لا ينطبق على الزوج حين يؤتي المرأة أجرها عند النكاح (وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةً فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسًا فَكُلُوهُ هَنِيًٓٔا مَّرِيًٓٔا ٤) سورة النساء
وهناك أية أخرى تدعم هذا المقصد حيث يقول الله (وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ١٢٧) سورة النساء
هذه الأية تبين ما قبلها في سورة النساء حيث قال الله -ما يتلى عليكم- أي ما سبق ذكره. فمجتمع المؤمنين لم يكن يسأل عن كل النساء انما عن يتامى النساء حيث أجاب الله مؤنبا إياهم أنهم لا يؤتوهن ما كتب لهن من صدقاتهن وبالاضافة الى ذاك الظلم يرغبون أن ينكحوهن أي لا يريدون الزواج منهن وينصرفون عنه.
حيث أن مفردة يرغب في القرءان لا تدل على الارادة بل على عكسها. ولنا في هذه الأيات أمثلة:
(قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيًّا ٤٦) سورة مريم
أي هل أنت مستغن ومنصرف عن ألهتي يا ابراهيم.
(وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٣٠) سورة البقرة
أي من لا يريد ملة ابراهيم ويستغني عنها وينصرف؟
2- السفهاء، لم يقصد الله في سورة النساء كل سفهاء الدنيا بل السفهاء من اليتامى دائما والذين نحن قائمين على أموالهم أن لا نؤتيهم أموالهم التي جعلنا الله قياما عليها لأنهم لا يحسنون التصرف فيضيعونها ويبقون عالة علينا بل أن يتصرف المجتمع القائم عليها فيها بالمعروف شرط رزقهم وكسوتهم واقناعهم بقول معروف (وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمًا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلًا مَّعۡرُوفًا ٥)
3- صغار اليتامى، وهؤلاء طالب الله القائمين على أموالهم امتحانهم على الدوام حتى اذا بلغوا النكاح والرشد سلمت لهم أموالهم. وهنا لفتة طيبة للفقهاء الذين يحللون الزواج من الصغيرات بحجج واهية أنهن في مناطق ساخنة يبلغن بسرعة وأن المرأة قديما كانت تبلغ وتكبر قبلها الأن. نقول لهم أن الزواج مسؤولية وبناء أول خلية للمجتمع لا يتطلب فقط البلوغ انما الرشد أيضا. (وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدًا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا ٦)
وهنا أعطى الله رخصة للقائم على أموالهم إن كان فقيرا أن يأكل منها لكن بالمعروف، وليس اسرافا وتبذيرا حتى يكبروا. ومن كان غنيا من القائمين على أموال اليتامى أن لا يأكل منها وليستعفف.
ثم وضع شرطًا نهائيًا لكل هذا أن نشهد عليهم أثناء تسليمهم أموالهم والله من فوقنا شهيد حسيب.
أتحسر وأنا أكتب هذا البحث فأقول أين نحن من كل هذا؟ كيف حولنا أية تحثنا على كفالة فئة كبيرة من المجتمع وهي اليتامى بأصنافهم فحصرناها في مفهوم ضيق يبيح لنا تعدد الزوجات خارج اطارهم حتى وذلك لاشباع غرائز حيوانية.
فأي انسانية ورقي أراده الله لنا من خلال هذه الأيات؟ وأي وحشية وحيوانية عليها مجتمعنا البشري؟
الحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (8)