الايمان بالله واليوم الاخر
كثيرا ما نقرأ على صفحات الانترنت و الفيس بوك من منشورات وصور ومقارنات تشير الى الغرب هم الناس الصالحون واكثر الذي ينشر هذه الامور هم العرب خصوصا والمسلمين اصطلاحًا. عموما وكل ذلك جاء كردة فعل قوية تجاه الدين الموروث من دون الله واقصد دين الاحاديث والروايات الذي قتل الانسانية والرحمة وظلم الناس بكل اطيافهم وفئاتهم واباح القتل والبغي بغير الحق وظلم المرأة وغيرها من الامور التي نعلمها كلنا ولا تخفى على احد، فأدى ذلك الى مقارنة تلك الافعال مع الغرب، فهم يرون أن هناك حرية للفرد عمومًا وحرية للمرأة وأن هناك نظام ورُقي في التعامل وغيرها. وهذا كله صحيح وهو مصادق لما في الكتاب لان الله مع المتقين وقد بين الله ذلك في كثير من الأيات أنه ينصر الكافر المتقي على المؤمن المعتدي وحتى كلمة مؤمن غير دقيقة، لان الايمان بالله يجب ان يكون مصدقا بالاعمال وليس بالقول فقط ...
إلا ان هناك خلط كبير أدى الى مبالغة في تعظيم شأن الغرب ومكانتهم دون الرجوع الى مفاهيم الكتاب الذي وضح تلك المسألة ونسيان لقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) نلاحظ أن الاية تشير إلى شروط للنجاة في الاخرة وأن الله لا يفضل من كان من الذين هادوا أو النصارى أو من الذين ءامنوا من قوم الرسول محمد أو من الصابئين، وتلك الشروط هو أن يؤمن بالله والايمان بالله معناه ان لا يشرك معه شيئا، فلا ينسب لله ولدًا أو يجعل له شريكًا في ألوهيته وملكه. والشرط الثاني هو أن يعمل صالحًا. والعمل الصالح هو التصديق بما جاء في الكتاب يعني تطبيق ما جاء في الكتاب ..
والايات كثيرة تبين في ان الايمان بيوم الحساب والبعث هو من أهم الشروط للنجاة لان ذلك له ارتباط بالتقوى. فالانسان عندما يعلم انه سوف يُبعث وأن من ورائه ملاقاة لربه وحساب على أقواله واعماله التي عملها في الدنيا ستكون له تقوى وخشية، التى ستنعكس على تطبيق ما جاء من أوامر الله كالعمل الصالح وعدم الفساد فى الأرض. وكل هذا اعتراف وايمان بالله الخالق مالك يوم الدين. والان نسأل سؤال للذين يعظمون الغرب، هل اولئك القوم معترفين بأن الله هو الذي خلقهم وانه سيعيدهم ثم يبعثهم؟ أم انكم تتجاهلون ما يقوله اكثرهم لتجعلوهم ممن رضي الله عنهم في الاخرة؟
وأذكر هنا بأيات بهذا الخصوص (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) وأن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها، فهل الغرب وصلوا ان يعدلوا كل عدل؟ ولنبالغ ونقول انهم وصلوا فهل سيؤخذ منهم في الاخرة؟
ءاية اخرى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) الحقيقة الأيات كثيرة جدًا في أن الايمان باليوم الاخر هو من ما أمر الله به وكل الرسل جاؤا ينذروا قومهم أن يؤمنوا بالله واليوم الاخر وان يعملوا صالحًا ولا يفسدوا في الارض وان يتقوا الله ولا يعتدوا فيكونوا من المتقين. وحكم الله في الدنيا من خلال الايات يبين الله انه مع المتقين وضد المعتدين كان من كان ..كافر مؤمن لا يهم الله مع المتقين (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) مع المتقين .. (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) لا يحب المعتدين..
البيان الاخر الذي بينه الله (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فالقياس والحكم في الدنيا قد بينه الله وهو لا يظلم الناس أعمالها، فمن كان يعمل للدنيا فقط يوفيه سعيه ولا يظلمه وهذا متمثل تقريبًا في الغرب. فهم سعوا للدنيا ولكن ينقصهم أن يكون هناك ايمان بالله واليوم الاخر كما تبين الايات، وأن ربك لا يظلم احدا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)
أيضًا الرزق حسابه في الاخرة ليس كما في الدنيا ففي الاخرة هو خالصًا للذين امنوا بالله واليوم الاخر وعمل صالحًا. أما في الدنيا فالموضوع مختلف كليًا لأن فيه تقدير واختبار وفتنة والأيات كثيرة جدًا في هذا الموضوع (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)
والايات التي تصب في هذا الموضوع كثيرة. الله يريد لنا الاخرة وليس الدنيا فهي دار القرار. والمسلمين اصطلاحًا لم يعملوا للاخرة واشركوا مع الله وظلموا أنفسهم وظلموا أنفس غيرهم ولم يعملوا للدنيا ليفوزوا بالدنيا ..يعني لا دنيا ولا اخرة. كيف سيكون الحساب في الاخرة وهل سيدخل الغرب والشرق والكفرة ووو إلى النار ومن سيدخل الجنة؟
حتى لا يتهمني أحد أنني أصنف الناس وأحكم عليهم بدخول جنة ونار فلابد من التذكير أولا بتلك الاية (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
فهذة الأية عظيمة تبين أن لا أحد يستطيع أن يحكم بين الناس في الاخرة إلا الله علام الغيوب والذى يعلم ما تخفي الانفس. فنحن نعلم ظاهرًا من الحياة الدنيا ولا نرى الحقيقة كاملة سواءًا كانت أحداث أو أنفس حتى الرسل لا يعلمون إن كانت هناك استجابة لما بعثهم الله به للناس (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) فقد بلغوا رسالة الله ولكن لا علم لهم هل استجاب الناس لهم ومن ءامن ومن لم يؤمن .. فسبحان الله والحمد لله الذي يعلم الغيب وما فى الصدور.
إذًا ليس من حق احد ان يحكم بمن سيدخل النار ومن سيدخل الجنة فكل تلك الامور هي حكم خالص لله فهم عباده وهو العليم بهم . إلا اننا لنا كتاب نعلم من خلاله ماذا اراد الله وماذا أمرنا، وعلمنا ما هو الشرك وماهو الايمان بالاخرة ونستطيع ان نقول أن فلان مشرك أو كافر من خلال ما لدينا من علم من الكتاب وإلا مافائدة الكتاب ان لم يعلمنا الفرق بين الكفر والشرك وبين الافساد والصلاح ؟ ولكن ليس بإمكاننا الحكم فى جقول الجنة أو النار. والذي علينا كمؤمنين نريد التقرب لله هو أن نذكره ونعمل صالحا ونؤمن أن من ورائنا يوم الحساب العظيم، ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونصلح قدر الامكان الفساد. وكل على مقدرته وان نردع المفسد من اي فئة كان وان نحكم بالعدل بين اي فئة كانت. فالغرض الأسمى هو إقامة العدل بين الناس أجمعين، اما قضية الحساب فهى مهمة رب العالمين وحده.
خلاصة ما اردت قوله هو أن من لا يؤمن بالاخرة ويعمل صالحًا حسب الكتاب ليس ممن رضي الله عنهم فى الاخرة. فالشروط غير مكتملة فمن لم يؤمن ولم يعمل صالحًا فليس في ميزانه شي ينجيه (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) والحكم لله وحده أولًا واخرًا وله الحمد في الاولى والاخرة.
التعليقات على الموضوع