حفظ الله تعالى للقرءان الكريم بعيدا عن التواتر والنقل – جزء 3
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿36﴾﴾ سورة الزمر
مقدمة :
قمت بطرح هذا البحث بسبب عدم إيماني بمسألة التواتر التي يعتمد عليها كثير من المسلمين بل الأغلبية منهم في اتباعهم لدين الله تعالى الإسلام.
وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبعد،
كنت قد طرحت في أجزاء سابقة لهذه الدراسة مسائل مهمة ممهدة للمسألة الرئيسية موضوع البحث هنا، حيث ناقشت مسائل مختلفة مثل قضية العقل والإيمان، وقضية مهمة جدا هي ماهية الذكر، لما فيها من أهمية في فهم ودراسة القضية الأساسية موضوع البحث، وهي كيفية حفظ القرءان الكريم ، ومسألة القراءات المبتدعة والأحرف السبعة، وهدم نظريتها من القرءان الكريم نفسه، الذي ينفيها بفضل الله تعالى.
وكلما توسعت في دراستي كلما وجدت البحث يكبر ويتسع، ولهذا ارتأيت أن أرتكز على بعض الدراسات والبحوث التي قام بها غيري كمراجع لمن أراد الإستزادة والأدلة الوفيرة العقلية والمنطقية، لكي لا أطيل وقت الدراسة أكثر مما أطلت، وسأكتفي بكتابة الأفكار الرئيسية التي عادة لا جدال فيها بين الأكثرية من الكتاب ممن يعقلون،بل والتي أصبح أكثرها من المسلمات عند الأكثرية ممن يقرأون القرءان ويتدبرونه بدون رأي مسبق وبدون تبعية للآباء والأجداد، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
حفظ الذكر وهيمنة القرءان:
ومن هنا لنبدأ، لنأخذ قوله تعالى في الآية التاسعة من سورة الحجر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، والتي لو نظرنا من قبلها ومن بعدها لوجدنا التعميم في كلامه سبحانه عن الرسالات وسنن الأولين في إنكارهم لآيات الله تعالى، وبالتالي، الذكر الذي يتحدث عنه تعالى هو الذكر "العام الشامل" الذي يذكر عباده كلهم في أي وقت وزمان به سبحانه.
ولو نظرنا من حولنا وتفكرنا قليلا لوجدنا أن الله تعالى حفظ آياته الكونية التي تذكرنا به، بل هو يحفظها حتى اللحظة، بل هي تزيد كما وعدنا الله تعالى حين قال ﴿وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴿20﴾ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴿21﴾﴾ سورة الذاريات
وقال تعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿53﴾﴾ سورة فصلت
ولا يمكننا الخلاف على أن الله تعالى ما زال حافظا لكل ما يذكرنا به من نعمه وآياته في الأرض من حولنا أيضا، فبكل بساطة هو يقول لنا أن نسيح في الأرض "الآن" لننظر عاقبة الأولين ..
وسنرى أنه حافظ على رسالاته التي تذكرنا به من إنجيل وتوراة وقرءان من كتب كريمة ، وأرى أن دليل حفظه لكل ما سبق بين واضح جلي لا يمكننا الخلاف عليه لأنه حتى "اللحظة" ، فهناك كثير من البشر ممن يذكرونه سبحانه في كل وقت وحين ، وبهذا أنا أرى أن الله تعالى تكفل بحفظ الذكر وحفظه حتى يكون حجة علينا يوم الحساب ، أما بالنسبة لمسألة تحريف الرسالات السابقة من عدم تحريفها، فليست محل النقاش هنا، فالله تعالى تكفل بحفظ الذكر حتى لو قام البعض "بتبديل الكلم عن مواضعه" في بعض رسالاته، وهذا أبدا لم ولن ينفي حفظه تعالى للذكر الذي يذكرنا به سبحانه وآخره هو رسالته الى البشر جميعا القرءان الكريم، فالمسألة أعم وأشمل من القرءان ذاته، فالقرءان جاء مهيمنا على ما سبقه، ولنا عودة لهذه النقطة لاحقا، وليس "نافيا" له، أي بكل بساطة يمكنني قراءة التوراة الحالية ، وبعرضها على ما هو مهيمن عليها يتبين لي أين تم التبديل وأين لم يتم ، ومن خلال هذا الكتاب المهيمن على كل ما سبقه يمكنني قراءه أي كتاب وفهم مدى خروجه عن الدستور العام الذي أنزله تعالى في القرءان الكريم.
والآن، وبعد كل هذا الإسهاب الذي كنت مجبرا عليه حتى أرسم صورة كاملة للقاريء العزيز، وحتى نصل إلى موضوع البحث، وهو كيف وصلنا القرءان الكريم؟
القرءان الكريم كما قلنا سابقا هو الذكر وهو في نفس الوفت فيه ذكر، ومن هنا نفهم أن الله تعالى حين قال ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾﴾ سورة الحجر، أنه تعالى "تعهد" بحفظ القرءان الكريم لأنه سماه الذكر فخصصه عن غيره من الكتب السابقة عليه، بل رفعه فوقها حين قال تعالى أنه مهيمن عليها، وهذا مما لا يختلف عليه اثنان، ومن هذا المنظور، سيكون القرءان في مرحلة هو جزء من الذكر العام، وسيكون "تخصيصا" هو الذكر الذي لا بد أن يحفظ "كما أنزل" بسبب كونه "مهيمن" على ما سبقه، فكونه مهيمن على ما سبقه، يدعوا إلى كونه غير محرف أبدا، ولكي لا يمسه تحريف أبدا، لا بد من "تدخل إلهي" لحفظه.
فكيف سيقوم تعالى بحفظه ؟ وهل الله تعالى سيترك "لنا" مسالة حفظه؟ ومن نحن حتى يثق الله تعالى بنا في نقله وحفظه؟ فكم من امم سبقتنا قامت بتبديل رسالات الله تعالى وكتبه وتحريفها؟ فلم سيتوقف الأمر عندنا نحن؟ ألا نرى ما نحن فيه من خلافات واختلافات؟ بل جل ما دعاني للبحث في هذه المسالة هو كثرة الخرافات التي انتشرت من حولنا عن القراءات والأحرف والروايات عن "نسخ" للقرءان الكريم ، والتي لا هدف لها إلا أن تشكك في مصداقيته وهيمنته وإثارة الشبهات حول مصداقيته، كما قال تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴿26﴾﴾ سورة فصلت... وهنا لا بد من نقاش مسألة الروايات والقراءات وتفنيدها ...
إنهيار القراءات:
لننظر كيف الله تعالى يفند ما يدّعون عن القراءات والروايات في كتابه العزيز، فالقرءان نزل لسانا عربيا غير ذي عوج، ولم يقل الله تعالى "ألسنة" ، بل حدده بكونه "لسانا واحدا لا غير" ، ومن يعرف في الألسنة العربية سيفهم بكل سهولة أن ما قاله تعالى هو أكبر دليل نفي للقراءات والأحرف التي تستند إلى الألسنة العربية المختلفه .
ولنتدبر هذه المسألة من البداية :
والله تعالى لا يرسل رسولا إلا بلسان "قومه" وليس بألسنة مختلفة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿4﴾﴾ سورة ابراهيم
والله تعالى يقطع الطريق على من يدعون عليه بأن القرءان الكريم نزل بألسنة مختلفة فيثبت أن هذا القرءان نزل بلسان واحد عربي ومبين أيضا، يحمل في طيه البيان ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴿103﴾﴾ سورة النحل
ولكي لا يترك مجالا للشك ابدا لا من قريب ولا من بعيد فقد زاد الله تعالى من تحديد هذا اللسان، بعد إذ قال عن كون اللسان عربيا ثم لسان قوم الرسول ثم هنا ينهي التحديد بلسان الرسول نفسه عليه السلام ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴿97﴾﴾ سورة مريم
أليس الله بقاهر فوق عباده؟
بلى
هو لم يترك لنا مجالا "للتلاعب" أبدا، فنحن حين نصف عنوانا في وقتنا الحاضر نبدأ بالبلد فالمدينة فالشارع فالبيت فالإسم ... فسبحان الله تعالى عما يصفون، هو بدأ بقوله لسانا عربيا، ثم حدد البلد بكونه لسان قوم عربي نسبة للقوم في مكة تحديدا، ثم زاد تحديده بكونه مبينا كتحد لكل من تتسول له نفسه أن يأتي بتأويل له، ثم أنهى تحديده بكونه لسان النبي عليه السلام ...
فَمَن بعد كل هذه الآيات البينات يستطيع القول عن شيء بدعة سموه قراءات وأحرف وروايات ؟؟؟
ما لكم كيف تحكمون؟
كيف وصل القرءان الكريم لنا؟
أخيراً، سنبدأ في البحث في القرءان الكريم عن آيات تقول لنا كيف تم حفظ القرءان الكريم حتى يومنا هذا، وكيف سيصلنا منذ أنزله الله تعالى ونزله على عبده محمد عليه السلام:
أولاً، الله تعالى قال عن لسان عبده أحمد﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿19﴾﴾ سورة الأنعام
فمن الآية نرى أن الرسول عليه السلام يُشهِد الله تعالى بينه وبين جميع من سيخاصمونه يوم القيامة عند ربه بأنه أوحي إليه "هذا القرءان" لينذرنا به فقط، وليس بغيره مما يدعون.
لم يقل عليه السلام أنه أوحي إليه شيء آخر، ولو أنه أوحي إليه "أي شيء" آخر لما فرط الله تعالى بذكره هنا، فما أوحي إلى الرسول هو القرءان فقط لا أكثر، ومن يدعي عليه غير ذلك ففي هذه الآية، وفي الآيات عن موت الرسول عليه السلام وموت الآخرين ، وأنهم عند الله يوم القيامة يختصمون، لهي خير تذكير لمن تسول له نفسه بالإدعاء بوحي آخر.
المهم، أن الرسول عليه السلام يُشهِد الله بأنه أوحي اليه هذا القرءان لينذرنا به ومن بلغ، وهنا ، علينا الوقوف والتفكير، وكيف نفهم قوله تعالى " ومن بلغ"؟
الكلام هنا عمن بلغهم القرءان الكريم أثناء حياة الرسول عليه السلام ومن بعد موته، وهنا أعتذر، ولا بد لي من مداخلة صغيرة لمن يدعي على الله شططا بتقوله أن القرءان هو الرسول بعد موت الرسول أحمد عليه السلام، فلو كان الرسول هو القرءان لكان حجة على الله تعالى بأن "رسوله القرءان" لم يستطع تبليغ نفسه لمن بعد أحمد عليه السلام، فأحمد مات، وبقي القرءان، ولو كان القرءان بعد أحمد رسولا، لكان الجميع لهم العذر في عدم إيمانهم وتقصيرهم بسبب "عجز" – الرسول الجديد – عن تبليغ نفسه ، وحاجته لمن حوله من البشر لتبليغه لمن حولهم ..
عودة إلى "ومن بلغ" ، وهنا علينا العودة إلى آية حفظ الله تعالى للذكر، لا بد لنا من العودة إليها، ففيها من الحكم ما هو كثير، فالله تعالى تعهد بحفظ الذكر كما شرحت آنفا، ومن الذكر القرءان الكريم، لأنه سماه بالذات "الذكر" كما قلنا أعلاه، فالقرءان هو الذكر كما هو "من الذكر"، وهذا من البديهيات لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، لأن القرءان الكريم هو "آخر رسالات الله تعالى على الأرض ، وهو بسبب ذلك كان المهيمن على كل ما سبقه من الرسالات التي هم في شك منها مريب، هو المرجعية، وهو الحكم بين الكتب والرسالات، وهو الوحي الوحيد، من تعهد الله تعالى بحفظه، ومن هنا، وبناءا على هذا، فالقانون الأول والأساسي لحفظ القرءان الكريم هو الله تعالى، وهذا موجه لمن آمن ووقر في قلبه، فالله تعالى قال ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾﴾ سورة الحجر، ولم يقل سبحانه أنه سيحفظه بالتواتر وغيره، بل بإعجازه هو نفسه سبحانه، ولم يقل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون تواترا" أو غير ذلك من النظريات، وهنا أنا متأكد من سيل من الأسئلة التي ستنهال علي، ولكن لا بأس، سأحاول أولا ترتيب الأفكار، لكي أجيب على الأسئلة.
أولاً، وردت كلمة "حافظون" بدلالة الحفظ "الشخصي" المباشر ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿12﴾﴾ سورة يوسف، وهذا من قدرات الله تعالى وليس من فضل لنا في ذلك، لا في كتابته ولا تواتره ولا غير ذلك من الأدلة التي يحتاجها غير المؤمن – الذي سنضع الحجة عليه لاحقا - ليتأكد من صحّة القرءان، والمؤمن عليه دائما تذكر قوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿67﴾﴾ سورة الزمر
أما غير المؤمن من الذين هادوا وغيرهم فعليهم التفكر في قوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴿91﴾ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿92﴾﴾ سورة الأنعام
ومن الآيات للذين آمنو أقول، الأمر بسيط جدا، الله تعالى من آمنتم به، عليكم أن تقدروه حق قدره، فهو القادر الجبار العزيز الحكيم، وليس عليه بعسير حفظ كتابه وإيصاله اليكم، فكما قلت أعلاه، هو من علمكم كيف تحكمون على دقة وصحة كتابه بان قال لكم أنه لو لم يكن من عنده سبحانه لكان فيه إختلافا كثيرا، ومن هنا، الله سبحانه هو من بلغنا القرءان بحلمه وحكمه وعلمه فبلغنا ، ونحن تأكدنا من صحته، ولم نجد فيه اختلافا كثيرا، فآمنا به.
ولكي أشرح لكم مثالا، سأشرح كيف يؤمن الشخص:
حين تدعو مشركا او ملحدا أو نصرانيا أو يهوديا لأن يسلم فلن تقوم بإثبات تواتر القرءان له لكي يؤمن، بل ستعرض عليه ما في القرءان من كلم، ومن خلال تدبره للقرءان تاليا - إن كان يرغب الهداية - فلن يجد فيه إختلافا كما قال رب العزّة، وبهذا هو سيؤمن وسيقتنع بأن هذا هو القرءان من الله تعالى، وليس اقتناعه نابع عن "تأكيد حضرتك الظني على وصول القرءان متواترا!"، فهو بكل بساطة سيقول لك:
هات دليلك إن كنت تعلم؟ ومن أين دليلك أن القرءان لم يحرّف؟
وأنت ستعود الى آيات الله تعالى تبحث عن الدليل، وستجد الآية التي ذكرتها لك آنفا عن أننا لن نجد فيه إختلافا كثيراً، وستقولها له، وهكذا..
مسألة القرءان وصدقه وحفظه هي مسألة إيمان ومنطق وعقل وليست مسألة تواتر ونقل ....
والآن، سوف أناقش من في قلبه شك، ومن هو ليس بمؤمن – تمام الإيمان – بكون الله تعالى هو من حفظ كتابه وأوصله إلينا – بالحجة والبرهان .
القرءان كتاب أنزله الله تعالى:
لمن لا يؤمن بالله تعالى من الأساس، لن نستطيع إقناعه بشتى السبل المنطقية والعقلية، لأن عقله لا يقبل غير ما هو بين يديه "الآن"، ملموس محسوس، ومن هنا نقول له ببساطه، أن من " نسخ " القرءان الكريم هو الرسول عليه السلام بخط يده كما هو الآن بين يدينا من حيث كونه منقطا ومشكلا، نعم، هنا ثورة أخرى من الجميع علينا وعلى الرأي الذي نطرحه، كيف تقول مشكلا ومنقطا؟؟؟؟ وأين أبو أسود الدؤولي؟ فأقول لهم، وهل التاريخ "يؤكد" أن أبو أسود الدؤولي هو من فعل ذلك؟ لمن يريد التاريخ فليرجع إليه، وسيرى كم من الروايات عمن نقط القرءان، وسيعرف أنه لا يعرف بل يهرف بما لا يعرف، لأنه لا رواية مؤكدة عمن نقط وشكل القرءان "تاريخيا" ، فهناك – كما العادة في التاريخ والتأريخ الإسلاميين – خلاف حول من قام بذلك ومتى، كما هي عادة "المحرفين" من "المؤرخين" للسلاطين، بأن يختلفوا على كل شيء ليضلوا من بعدهم ....
ألا تجدوا الأمر غريبا إن آمنا بالتاريخ المزيف في قوله تعالى ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿23﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿24﴾﴾ سورة البقرة
فهل كانت قريش أو قوم الرسول أحمد عليه السلام من الفصاحة باللغة العربية وأن الله تعالى تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله، ولم يكونوايعلمون كيف يكتبونه، وهم من ادعوا أنه كان يكتتبه؟
فكيف يدعون أنه أكتتبه وهم لا يعرفون الكتابة ؟
وعلى أي أساس ادعوا أنه اكتتبه إن لم يكن الرسول عليه السلام نفسه يعلم القراءة؟؟؟
الواقع أن الرسول عليه السلام قام بكتابة القرءان الكريم الذي أوحي إليه بخط يده منقطًا ومشكلًا بالرسم الذي قرأه عليه السلام والذي علمه إياه جبريل، لا جدال في ذلك، وكثيرون من كتبوا في إثبات ذلك – على الأقل كتابة الرسول عليه السلام للقرءان بخط يده – ومن هنا، لمن في قلبه شك ، فليقرأ مقالات شتى تثبت كتابة الرسول للقرءان، ليعلم أنه لا شأن لنا ولا للتواتر ولا لغيره من الأسباب الدنيوية من دور في حفظ القرءان الكريم.
بل إن أول كلمة نزلت على الرسول هي "إقرأ"، فكيف من لا يقرأ يطالب بالقراءة؟ ثم ألم نتفكر من أين عليه أن يقرأ؟ ألم نسأل أنفسنا ولو مرة واحدة، من أين سيقرأ الرسول؟
هنا أنا ابتعد عن كل ما سبقني من الرجس وأنظر لآيات الله تعالى بلا أي رأي مسبق، فقط استقي المعلومات من كتاب الله تعالى، وعليه، الله تعالى لن يقول لعبده اقرأ من غير كتاب يقرأ منه، فلا بد من كتاب يقرأ منه الرسول عليه السلام، وهذا الكتاب لا بد أنه هو نفس الكتاب الذي "أنزله" الله تعالى مع جبريل ليعلم الرسول عليه السلام منه، ومنه أتى الرسم الحالي "الفريد" للقرءان الكريم، وهو من أوجه الإعجاز الذي ما زلنا نكتشف آفاقه من حولنا، وهو رسم لا علاقة له بما نكتبه نحن في مقالاتنا وكتبنا، ومن أبسط الأمثلة عليه أوجه كتابة الكلمة الواحدة برسوم مختلفة ...
مسألة الرسم الحالي للقرءان الكريم كتب فيها الكثيرون، فلا يعقل أن تكتب الكلمة "نفسها" مرتين أو أكثر بطرق مختلفة عشوائيا، بل كل من عند ربنا، والعاقبة على من حرف التاريخ وادعى أن شخصا لا علم لنا به ولا سلطان عنده من الله تعالى، هو من قام بتنقيط القرءان الكريم.
والآن، سنصل إلى جواب سؤالنا حول كيف و صلنا القرءان الكريم:
القرءان الكريم تم " نسخه " بيد الرسول عليه السلام، عن رسم "أنزله" الله تعالى من السماء الى الأرض.
وتم حفظه من التحريف بقدرة الله تعالى ، ولو لم يتعهد الله بذلك على نفسه لحرفوه ولو كان عندهم مليون نسخة منه، أما التأكد من صحته فلا تأتي إلا بتدبره لقوله تعالى ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ﴿82﴾﴾ سورة النساء
وهذه مسألة إعجازه، فالله تعالى يتحدى البشر أجمع أن يجدوا فيه إختلافا، أو أن يأتوا بمثله.
ومن هنا يمكننا فهم أقواله تعالى:
﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ﴿5﴾ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿6﴾﴾ سورة الفرقان
وعلينا ملاحظة استخدامه تعالى لكلمة "أنزله" وليس "نزله"، فالإنزال يتم من السماء للأرض.
﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿92﴾﴾ سورة الأنعام
وهنا الله تعالى "يحدد" ما أنزله بقوله "وهذا كتاب أنزلناه" ، ومن المعلوم من القرءان نفسه أن الله تعالى فرقه على مهل، فأنزله على شكل كتب مجتمعة هي الكتاب أي القرءان الكريم، المهم أن نفهم من القرءان الكريم أن الله تعالى نزله على قلب الرسول عليه السلام بعد أن انزله من السماء للأرض.
فالرسول عليه السلام كان يرى رسما أمام عينيه يبصره بقلبه كوحي من الله تعالى، علمه إياه شديد القوى، ولا علاقة لكل من ادعى تدخله في القرءان ورسمه، فالله تعالى لن يترك رسالته المهيمنة بين أيدي بشر قليل منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ، قال تعالى ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿94﴾﴾ سورة يونس.
إنهيار نظريات الجمع والنسخ:
أما مسألة التحريف التاريخي والتراثي لجمع القرءان فهي تخالف قول الله تعالى لرسوله الكريم أحمد، فحين كان الرسول يعجل بلفظ الحرف المرسوم الذي أوحي على قلبه لثقله قال له تعالى : ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿16﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴿17﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴿18﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾﴾ سورة القيامة
وهي آيات بسيطة وا ضحة بينة ، أن لا يعجل بقرائة القرءان حين يوحى إليه أو حين يسترجعه من وحيه على قلبه، لأن الله تعالى "تعهد" بجمعه وقرائته للرسول، فإذا قرأه له جبريل فعلى الرسول ان يتبع قرءانه، أي قرائته، ثم أن الله تعالى سيبينه ، أي سيظهره على الدين أجمع.
ومن هنا، الله تعالى تعهد بأن يجمعه، فكيف سيجمعه؟ إن لم يكن في صحف وكتب؟ منقطًا ومشكلًا؟
ولن يدع الله تعالى كتابه العزيز آخر الرسالات بين أيدي البشر لينقطوه ويشكلوه كما شاءوا
أخوتي
الأمر فيه تحريف كبير للتاريخ، وليس للقرءان، فالتاريخ قال أن التنقيط بدأ بعد عام 80 هجري، والبحوث "الغربية" أثبتت أن هناك كان تنقيطا في عام 28 هجري، وهذا موثق في موقع للأنروا ....
نعم، مفاجأة، أكيد هي مفاجأة، أنا أظن أن الغربيون وغيرهم هم من سيكتشفون نسخا للقرءان الكريم من الأيام الأولى للرسالة، وسيظهرها الله تعالى يوما ما رغما عن "المشركين"، الذين ينفقون ملايينهم لمحو الآثار والدلائل ونشر كتب الضلال والتحريف والتشويه ، فلقد أخفوا الكثير عنا، ودفعوا الملايين من أجل تفاهات، ولم يدفعوا شيئًا من أجل الحق.
هناك من حاول تحريف التاريخ بكل الأشكال، فهم لم يستطيعوا النيل من القرءان الكريم، فاخترعوا "السبع حروف" وغيرها، ولكن الله تعالى مكر بهم جميعا، فجعل في كتابه العزيز آيات لأولي الألباب ليروا أن مكر الذين كفروا باطل، فهو من دلنا كيف نتأكد من صحة القرءان، وهو من قال لنا أن عليه هو جمعه، وهو من علم الإنسان ما لم يعلم، وعلمه بالقلم، وهو سبحانه من قال آيات تدلنا على أن الرسول عليه السلام كتب القرءان بيده، وهو من جعل أول كلمه "إقرأ"، الله من علمنا كل شيء من كتابه ، إن أردنا البصر وليس الرؤية، والأمر ليس أننا أوتيناه "على علم"، بل بفضل الله تعالى سبحانه.
ثم إن الله تعالى يقول أنه عليه قرءانه، وأن الرسول عليه السلام عليه أن يتبع قرءانه، فجبريل كان يقرأه له لسانا عربيا، بعد إذ كان وحيا، كان يقرأه عليه لسانا عربيا غير ذي عوج ، كما لسان الرسول عليه السلام تماما، لكي يكون سهلا على الرسول عليه السلام حفظه وقرائته، ومن هنا يبدأ التبليغ والكتابة.
ولكي نفهم قولي الأخير، من هنا يبدأ التبليغ والكتابة، علينا فهم شيء مهم جدا، الرسول قرأ القرءان كما قريء عليه، فلفظ كل حرف مشكلا كما لفظ عليه، فكيف كتبه؟
قلت من وقت غير بعيد، وما زلت أكرر "كتبوا فقرأنا، ونكتب فيقرأون"
ومن هنا، القرءان كتب كما قرأه الرسول عليه السلام، ونحن نقرأه الآن كما كتبه، ثم نكتبه كما قرأناه، وإلا، فأنا أسأل من يقول عن أن الكتابة ليست القول سؤال واحد:
لماذا نجد نفس الكلمة مكتوبة بأشكال مختلفة في آيات مختلفة؟
كل شيء قدره الله تعالى، حتى كيف يكتب كتابه، لأجل مسمى، حتى يري من عميت أبصارهم وبصيرتهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، وحتى يعلموا أنه الحق منه سبحانه ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿53﴾﴾ سورة فصلت
فمن يقول أن الكتابة تطورت، هو يؤيد المؤرخ المزور الظان ، فهناك ما يثبت ضده من بحوث الغرب كما ذكرنا أكثر من مرة، فلا يعقل منطقيا أن تكون معجزة الرسالة الأخيرة هي كون القرءان "لسانا عربيا مبينا"، وأن العرب لم يكونوا في ذلك الوقت لا يملكون أسس الكتابة والتنقيط والتشكيل، مع علمهم القوي في الشعر والبلاغة وغيرها من فنون الكلام، ولا ننسى المعلقات التي هي كانت على أوج الحكمة والبلاغة عندهم، ثم هنالك حروف عربية كثيرة "متطابقة" الرسم بلا تنقيط.
فمثلا:
ب ن ت ث
ستكون كلها نفس الحرف بلا نقاط.
وهم يقولون أن العرب قرأوا بلا تنقيط بعلمهم، ومن المساق.
وهنا يقول المتقولون على الإسلام ما يشاؤون، ويؤلفون ما يسمى بالقراءات، أو بعضهم يسمونها - والعياذ بالله – روايات، وكأن القرءان الكريم روي عن فلان وعن علان....
وإن تطرقنا للحركات في اللغة، فالتقول بأن القرءان الكريم شكله فلان هو والله العظيم ظلم كبير، فمن هو فلان هذا؟
هل هو رسول لكي يشكل كلام الله تعالى وينقطه بلا رقيب ولا من يأخذه من اليمين ؟
قال تعالى ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ﴿44﴾ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴿45﴾ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴿46﴾﴾ سورة الحاقة
التاريخ أخوتي مزور والله، وأني ناصح لكم، فهناك قرءان واحد، لا قراءات له، لا ألسنة له، الله تعالى تعهد بحفظه.
وهو وصلنا مكتوبا وهو آيات بينات في صدور أناس آمنوا و صدقوا في إيمانهم بما أوتوا العلم من الكتاب،فقالوا عنه كل من عند ربنا، ولو شاء الله تعالى لبدلنا غير ما نحن عليه وغير ما نحن هو.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة.
مراجع :
المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم
التعليقات على الموضوع (23)