العدل فعل للإنسان وليس لله
مفهوم العدل يُساء فهمه كثيراًً من معظم الناس ويستخدمه بعضهم في ذم الإله أو الإلحاد ظنا منهم أن العدل هو فعل لله متعلق بالناس أو اسم من أسمائه، والصواب أن كلمة (عادل) لم ترد في القرءان مضافة لله قط، وأسماء الله توقيفية، بمعنى أننا لا نسمي الله إلا بما سمَّى به نفسه فهو أعلم بنفسه وما يليق به ومالا يليق، وكذلك صفة العدل لم تتعلق بالقرءان إلا بفعل الله الكوني ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿115﴾﴾ سورة الأنعام
وكلمات الله هي عين الموجودات، ولم يصف الله فعله المتعلق بالناس بالعدل قط ، وإنما نفى عن نفسه فعل الظلم للعبيد يوم القيامة، لأن كلمة (العبيد) لا تستخدم كجمع لكلمة (عبد) إلا في حالة نفي الحرية والاختيار، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة بخلاف كلمة (عباد ) فهي تدل على الحرية والاختيار، والعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه حسب جهده وما قدم أو حسب احتياجه، بينما نفي الظلم هو أمر فوق العدل ويأخذ بعين الاعتبار المعوقات والقدرات والنوايا وهذا لا يكون إلا لله الخالق المدبر فهو العالم بخفايا النفوس وما غاب من الأمور.
لذلك صفة العدل ليست مدحاً لله لقصورها عن معنى العظمة والجلال والحكمة والرحمة لذلك أتى النص بنفي الظلم عن الله يوم القيامة ولم يذكر العدل ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿182﴾﴾ سورة آل عمران.
وأمر الله الناس بالحكم بالعدل بينهم بما يرون ويظهر لهم ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿90﴾﴾ سورة النحل، فالعدل صفة لفعل الإنسان وليس لفعل الله ولا لتشريعه؛ لأن تشريع الله اجتماعي وحدودي وليس فردياً ولاعينياً، وتحقيق العدل في المجتمع وبين الناس في علاقاتهم أمر مناط بالإنسان ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴿58﴾﴾ سورة النساء.
لذا؛ لا قيمة علميا ولادينيا لشبهة الملحد الذي يقول: لماذا وُلد هذا الطفل أعمى والآخر مشلول وما شابه ذلك ؟ هذه الأفعال هي من خطا الإنسان بشكل من الأشكال سواء علم بخطئه أو لم يعلم، مثلاً الزواج من الأقارب عامل أساسي في حدوث مثل هذه الأمور، أو تناول بعض المواد الغذائية أو الأدوية أثناء الحمل، أو تعرض لصدمات نفسية في أشهر الحمل الأولى أثناء تكوين جسم الإنسان ونفسه.....الخ، خلق الله كامل ومتقن، وعندما يتدخل الإنسان قصداً أو خطأً بسير سنن الله ويخرجها عن سيرها تكون النتائج وخيمة ومهولة والإنسان يتحمل نتيجة خطئه ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿165﴾﴾ سورة آل عمران، ﴿وَمَاأَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴿30﴾﴾ سورة الشورى.
وقد يقول أحدهم: لماذا لايتدخل الله في فعل الإنسان المخرب الظالم ويوقفه عند حده؟
والجواب هو إن فلسفة الحياة الدنيا قائمة على الحرية ومقام الخلافة للإنسان، وهو المسؤول عمَّا يجري فيها من إيمان أو كفر، وعليه تحمل مسؤوليته وتغيير الشر بالخير، والفساد بالإصلاح، والظلم بالعدل، والحرص على عمارة البلاد وفق سنن النهضة والخير والرشاد للمجتمع، والتغيير اجتماعي وليس فردياً، والفرد يتأثر بالمجتمع ويخضع له، وقد يصير ضحية لتخلف المجتمع كما هو مشاهد.
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَوَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُالْغَفُورُ ﴿2﴾﴾ سورة الملك
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِيَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَيُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴿11﴾﴾ سورة الرعد
ويعوض الله على الناس يوم القيامة ماخسروا ودفعوا ثمن أخطاء غيرهم حتى يرضوا وأكثر ويذهب من نفوسهم الحقد والغل، ولايوجد مقارنة ما بين المحدود، والغير محدود، فمن خسر درهماً لن يحزن عليه حين يعوض بدل منه مليون درهماً !!! ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿43﴾﴾ سورة الأعراف
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴿47﴾﴾ سورة الحجر
﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُوَ اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴿15﴾﴾ سورة الشورى
التعليقات على الموضوع