مفهوم .... عذاب القبر
يقول تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ وفي الموروث يقال إن للموت عذاب وشدّه وألم .. فهل الأمر على هذا النحو فعلاً؟
الجذر اللغوي لكلمة سكرة هو (س ك ر) ويجمعها إطار من المعنى واحد وهو سد منافذ الإدراك والوعي..
يقول تعالى: 1- ﴿قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ..... لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾...
فقوم لوط أعمتهم شهواتهم الشاذه ... يعني بإنغلاقهم على شهواتهم الشاذه فهم عمون ومعميون ومتقوقعون ومسجونون بشهواتهم فلا يستطيعون أن يروا الحقائق والطهر ولا يستطيعون أن يدركوا نور الحقيقة.
2- ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ﴾ يعني أغُلقت منافذ إدراكنا فنحن مسحورون.
3- ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ يعني هول الموقف العصيب وتغيير نواميس الكون وتطاير الجبال وسقوط السماء يـُغلق أدراكات البشر ساعتئذ فيكونون سكارى العقل ..وليس سكارى نتيجة الخمر مثلاً.
4- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ يعني لا تقربوا الصلاة وأنتم مشغولون بشواغل الحياة سكارى فيها وقد أغلقت عقولكم بها .. بل فرّغ نفسك للتبتل وتخفف من أعباء الحياة .. وهذا يعني إن السكر هنا ليس له علاقة بالخمر !!!!
واخيراً آيتنا العظيمة:
5- ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ سكرة الموت هي غيبوبته، فعند الموت هناك إنتقال من عالم الدنيا لعالم الآخرة، وهناك غيبوبة يفقد فيها الإنسان وعيه، أمّا بالنسبة للألم فلا شكَّ أنه يوجد ألم، وهذا يعود لخروج الحياة من الجسد ..
سؤال: ماهو الدليل القرأني على عدم وجود عذاب القبر؟
الجواب: عذاب القبر الحسّي لا وجود له في كتاب الله تعالى.
والسؤال السليم هو: أين الدليل على وجود عذاب القبر في القرآن الكريم؟
هم يستشهدون بقوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
ولم ينظروا إلى أنَّ الله تعالى يقول : ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾
ولم يقل: (النار تعرض عليهم)، فالنار لم تُوجد بعد، وهي في علم الله تعالى كائنٌ عاقل، يُعرَضُ عليها المجرمون وهم يقومون بجرائمهم في حياتهم الدنيا.
يقول تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ إن ساحة الآيه العظيمة آنفا هي في الدنيا زمانياً ومكانياً وليس ساحتها بعد موت الانسان أو عند البرزخ أو لإثبات عذاب القبر كما يذهب إليها الموروث الخاطئ. . كما أن ساحتها ايضاً ليس في الاخرة كما يقول البعض ..
وهاكم الدليل: الذي لم ينتبه له أحد هو أن الفجرة الكفرة هم الذين يعرضون على النار وليس النار هي التي تعرض على الفجرة!! بمعنى ان النار يسمح لها في الدنيا أن ترى الذين سيدخلونها وهم مازالوا في الدنيا أحياء فيعرض أولئك الفجرة الكفرة على النار. صباح ومساء وهم مازالو أحياء في الدنيا وعلى قيد الحياة ويأكلون ويشربون ثم يقال للنار تفضلي هؤلاء حصتك وهؤلاء اصحابكِ الذين سيدخلونك... فتكاد تمييز من الغيض وتتحرق شوقاً لهم ولموعد دخولهم فيها.
تنويه: حتى مصطلح الكلمتين (غدواً) و (عشياً) هذا ساحته الدنيا فالصباح والمساء صفة للزمن في الدنيا عالم المادة وعالم الاشياء وعالم الخلق أما في البرزخ لا يوجد صباح ولا يوجد مساء ولا يوجد غدواً ولا عشياً، فالزمن مطلق سرمدي ومفتوح الى ما لانهايه ... ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾
لنقرأ الآيات التي قبل آيتنا العظيمة...لنعيش جو الآيه ثم نثبت بعد ذلك أن مؤمن آل فرعون كان مازال في هذه الحياة الدنيا وهو حي يرزق حين قال تلك الاقوال وكل تلك الامور وكل تلك الحوادث ...
بل حتى فرعون ذاته لم يكن قد غرق بعد أصلاً وهذا يعني ان فرعون كانت تطّلع عليه النار ويُعرض على النار وهو مازال حيا يمشي على قدميه!!
لنقرأ الآيه كامله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿36﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿37﴾ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿38﴾ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39﴾ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿40﴾ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿41﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿42﴾ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴿43﴾ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44﴾ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿46﴾﴾
ونلاحظ في الآيات العظيمات السابقة التالي:
1- فرعون وهامان أحياء يرزقون ... بدليل ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾ فالذي يقول هو من الاحياء وليس الأموات!
2- مؤمن آل فرعون .. هو الاخر حي يرزق بدليل ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾
3- عبارة ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ تثبت العذاب في الدنيا وهو يغرق وهو يرى ضياء السلطة والجاه أمام ناظريه وهو مازال في الدنيا
4- عبارة ﴿أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ في الايه: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ هي التي تثبت العذاب بعد الحساب في جهنم .. لأنها تأتي بعد ان عُرضوا على جهنم في الدنيا ثم بعد ذلك تقوم الساعة ثم بعد ذلك أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
وبهذا نثبت ان الآية ليس لها علاقة بعذاب القبر لا من قريب ولا من بعيد.
تنويه: الخلائق عندما يستيقضون ليوم الحساب لايعرفون كم لبثوا اصلاً، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً﴾
ولو كانوا قد تعرضوا لعذاب القبر لتذكروا عذاباتهِ ولذكروها وأخبروا عنها مثلاً..!
وهذا يعني أنهم لم يمروا بما يسمى عذاب القبر أو ما شابه، هكذا يستقيم المفهوم العام للآية ...وبهذه الطريقة لا نخرج من الصياغه اللغويه للآيه العظيمة.
فرقد المعمار
التعليقات على الموضوع (21)