مفهوم شعائر الله في القرءان الكريم
ورد في كتب التراث أن معنى تعبير شعائر الله الوارد في النص القرءاني هو كل أوامر الله وما كتبه على البشر، وهناك من قصر شعائر الله على أنها فقط الأعمال التي كتبها الله تعالى على الناس في الحج. ومن البحث عن المعنى الحقيقي لشعائر الله في النص القرءاني تجد أن هذا التعبير يذهب إلى شئ آخر.
وردت عبارة شعائر الله في النص القرءاني في أربعة مواضع، منها النص التالي من سورة الحج (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣﴾) سورة الحج
يبدو من النص السابق بوضوح أن شعائر الله فيها منافع للناس ثم محلها إلى البيت العتيق، فالأمر يتعلق هنا بالحج وهو ما يدل عليه سياق النص الكامل، والتي فيها منافع للناس هى بهيمة الأنعام، وهى أيضاً التي محِلها إلى البيت العتيق، فشعائر الله كما يتبين من النص هى أنواع من بهيمة الأنعام التي بإمكان الناس تربيتها والإنتفاع بها إلى أجل مُسمى وهو على ما يبدو وقت الحج ثم تساق إلى محلها البيت العتيق.
ويؤيد المفهموم السابق لشعائر الله ما ورد أيضاً في النص التالي (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٣٦﴾ لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٧﴾) سورة الحج
فواضح من النص السابق أن شعائر الله هى أنواع من بهيمة الأنعام التي تُعد للذبح في وقت الحج، والبُدن أحد أنواع بهيمة الأنعام، أو هى البدين أي السمين من هذه الأنواع.
أما ما سيرد من مفهموم للنص التالي فقد لا يقبله الكثيرين لإنه يتناول كلمتي الصفا والمروة اللتين ورثنا عن الآباء أنهما اسمين لهضبتين من الحجر، فدعونا نرى معنى الكلمتين على ضوء أن شعائر الله كما جاءت في سورة الحج هي أنواع من بهيمة الأنعام، فيقول النص (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿١٥٩﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٠﴾) سورة البقرة
وعلى ما يبدو هنا فإن الصفا والمروة هما أيضاً من شعائر الله التي تبين سابقاً أنهما أنواع من بهيمة الأنعام، فهل والصفا والمروة هما إسمان لنوعين من بهيمة الأنعام، كما سبق أيضاً أن البُدن من شعائر الله!
النص يقول أن الصفا والمروة من شعائر الله، فهل الحجر شعيرة من شعائر الله، وإن كان المراد هو السير بين الهضبتين كما يسمى في كتب التراث "بالسعي"، لكان النص أتى على هذا الشكل (إن السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله).
فمسألة السعي بين هضبتي الحجر، لا تُفهم من هذا النص القرءاني، ولكن على ضوء ما تبين من سورة الحج عن المعنى المراد بشعائر الله بأنها أنواع من بهيمة الأنعام، فتتضح هنا الصورة أن الصفا والمروة هما من هذه الأنواع من الشعائر التي سُتذبح عند البيت العتيق.
وأما عن قول الله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) فيبدو أن المراد هنا معناه أن يمر الحاج أو المُعتمر بهذين النوعين من شعائر الله (الصفا والمروة) ويوزعهما لإطعام المستحقين، ويؤيد ذلك عبارة (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا) التي تأتي في النص القرءاني مرتبطة بإطعام المساكين كما في النص التالي (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) سورة البقرة
وهذا أيضاً دليل على عدم صدق ما يُسمى بالسعي بين الصفا والمروة، فكيف نفهم هنا عبارة ومن يتطوع خيراً ! أن يقوم الحاج أو المعتمر بالسعي ثمانية أشواط بدلاً من سبعة ! فالأمر هنا كما يتضح من النص يتعلق بإطعام المساكين وهذا من التطوع خيراً.
وعودة إلى عبارة شعائر الله فقد جاءت في هذا الموضع الرابع والأخير في نص سورة المائدة التالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴿١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾) سورة المائدة
وهنا يتحدث النص عن بعض مما أمر الله المؤمنين أن ينتهوا عنه، ومن ذلك عدم استحلال شعائر الله وهى ما يُربي ويُنتفع به من بهيمة الأنعام حتى يأتي وقت الحج لذبحها، وذلك بإصطيادها أو السطو عليها، وعدم إستحلال الصيد أو القتال في الشهر الحرام، وعدم إصطياد أو السطو على الهدي وهو من بهيمة الأنعام التي يتم إهدائها لآمين البيت الحرام، أو استحلال القلائد التي على مايبدو أنها أيضاً من الرزق الذي يُقدم عند البيت الحرام فقد يكون ثمراً أو من هذا القبيل، ثم عدم الإعتداء على من يؤم البيت الحرام من الناس.
الخلاصة
يتبين بوضوح من نص سورة الحج الصريح الوارد في أول المقال أن شعائر الله التي يتحدث النص عن تعظيمها هى أنواع من بهيمة الأنعام التي يتم تربيتها والإنتفاع بها حتى أجل مسمى وهو شهور الحج، ثم يتم ذبحها شكراً لله تعالى عند البيت العتيق وإطعام الناس منها.
وقد ورد تعبير شعائر الله في ثلاث مواضع آخرى في القرءان الكريم، وكلها لا يوجد بها تعارض مع هذا المفهوم. وقد تبين أيضاً أن من أنواع هذه الشعائر البُدن والصفا والمروة، حيث أنه لا يوجد مبرر صريح في النص القرءاني لفهم الصفا والمروة على أنهما هضبتين من الحجر، بل أتي ورودهما في نص يتحدث عن التطوع الخير وهذا على صلة بإطعام المساكين.
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، والحمد لله رب العالمين، وأغفر اللهم لأخي علي الذي كان وراء هذا الموضوع.
التعليقات على الموضوع (18)