مفهوم القرون
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما نتداول كلمة قرن للاستدلال على على كم او عدد لسنين (مائة سنة)، لكن هذا المعنى في القرءان مختلف فلم يأتي للاستدلال على عدد..
إن للكلمة معنى ثابت واحد ككل كلمات القرءان ولكن يختلف الاستدلال بموجب السياق. وموضوع الحديث فالكلمة تعني من ناحية خلق البشر والاقوام المتشابهة في الخلق.
فالبشر يموتون ويخلق الله غيرهم ويسمى ذلك (قَرناً) أو ( قروناً)، وهي مفردات لنفس الكلمة، جمع وجمع الجمع وهنا نتحدث عن قرن متعلق بخلق متشابه وهم البشر. واحيانًا يكون الموضوع يخص صفات اولئك القوم، كأن يكونوا فاسقين أو كافرين أو مشركين..الخ فهم متشابهين في تلك الصفات. واحيانًا آخرى تأتي بصيغة المفرد المشابه فتكون الكلمة قرين أي الذي من نفس الصفات.. ولتوضيح ذلك نضع بعض الايات ليكون المعنى اوضح
(أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارًا وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ ٦) سورة الأنعام
تشير الاية الى ان الله قد اهلك اقوام مثلهم متشابهين في الاصل البشري وحملوا نفس صفات المخاطبين في الكفر وكفروا كما يكفر الذين أُنزل اليهم القرءان فأهلكهم الله بذنوبهم فالهلاك لايكون للسنين بل للاقوام الكافرة، فكلمة قرن لم تأتي بمعنى عدد للسنين بل تشير للاقوام. وتكملة الاية بأنه انشأ من بعدهم خلق اخر مثلهم ايضًا بشر.
(وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثًا وَرِءۡيًا ٧٤) سورة مريم
تلك الاية هي مشابهة لكثير من الايات في الكتاب حيث يتم إستعمال عدة صيغ لتوضيح المعنى.
(وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ ٤) سورة الأعراف. او (وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةً وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ ١١) شورة الأنبياء. فالقوم الاخرين هم قرن اخرين (ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ ٣١) سورة المؤمنون. فكلها تصب في نفس المعنى بصيغ متعددة.
(وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ ٢٥) سورة فصلت
والقرناء هنا هم من يحملون نفس الصفات ويزيدونهم في ما هم عليه. فالفاسق قرينه الفاسق والكافر قرينه الكافر بعضهم يزيد بعضهم خسرانًا وضلالة وفسق.
(وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ٤٥) سورة القصص
الله انشأ اقوام وامم وتطاول عليهم العمر ولا يوجد في الاية ما يشير الى السنين بل تشير الى الامم.
(قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ ٥١ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِينَ ٥٢ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ٥٣ قَالَ هَلۡ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ٥٤ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ ٥٥ قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ ٥٦ وَلَوۡلَا نِعۡمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ ٥٧ أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ ٥٨ إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ٥٩ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٠) سورة الصافات
هذان الشخصان كانا على ضلال وكان الاخر يحاول إقناعه بعدم وجود حساب، وان هي الا موتة واحدة لا بعث من بعدها. إلا ان الاخر قد هداه الله لعلمه. ولا يعلم حقيقة البشر الا الله، وقد رأى في الاخرة ذلك القرين السئ الذي كاد ان يجره معه لولا نعمة الله عليه. وهي موعظة قصها الله لنا لنكون على حذر ولا نتبع الكافرين..
الايات كثيرة جدًا ولا اريد الاطالة فكلها تصب في نفس المعنى.. فالقرن او القرون ليست عدة من السنين وانما هي قرى واقوام متشابهة في الخلق او في الصفات وكل ءاية تحدد الموضوع المشار اليه.
والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (9)