مفهوم من سورة التوبة 5
(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) سورة التوبة 5
للحديث عن مفهوم هذا البيان القرءانى من سورة التوبة والذى تسألت عنه الأخت زينب وربما استفاد منه بعض المتابعين، من الواجب أن نضع فى الإعتبار النقطتين التاليتين:
- لقد أعطى الله تعلى حرية إختيار الكفر أو الإيمان للناس، وليس لأحد أن ينزع منهم هذا الحق.
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظلمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) سورة الكهف 29
- لا يحب الله تعلى المعتدين ولم يأمر أحد بالإعتداء على الأخر سوى فى حالة رد الإعتداء أى الدفاع عن النفس.
(وقتلوا فى سبيل الله الذين يقتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) سورة البقرة 190
وبالنسبة للبيان القرءانى من سورة التوبة محل السؤال، فهو جاء ضمن حادثة حصلت للرسول ومن معه من المؤمنين وأوامر لهم عن كيفية التعامل مع هذا الحدث. حيث كانت هناك معاهدة بين المؤمنين والمشركين وقام جزء من المشركين بنقض العهد والإعتداء على المؤمنين. أى أن هذا البيان القرءانى ليس فيه تشريعًا لأى مؤمن أن يقوم بملاحقة أى مشرك وإنهاء حياته لأن هذا مخالف لقواعد دين الله تعلى العامة التى ذكرتها فى المقدمة من حرية الإختيار المتاحة للجميع وعدم الإعتداء.
أما عن مفهوم القتل فى جملة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم..) فليس المقصود بالقتل هنا هو إنهاء الحياة، لإنه قال بعد القتل خذوهم وأحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. ولو كان القتل هو إنهاء الحياة لما كان لباقى الجملة أى معنى، فبعد إنهاء حياتهم ليس هناك داعى لحصارهم ورصد تحركاتهم.
فالقتل مفهومه كما أقتبسه من أخى المحترم قصى الموسوى هو "التقليل من فعالية طاقة أخرى من أجل هدف معين، وقد يؤدى القتل فى بعض الأحيان إلى إنهاء الحياة"
إذًا فمفهوم القتل الذى يتماشى مع سياق البيان القرءانى هنا هو محاولة السيطرة على طاقة المشركين المعتدين وليس إنهاء حياتهم.
أما مفهوم قوله (فإن تابوا) فيبدو أن التوبة هنا عن نقض العهد والإعتداء على المؤمنين، وليس التوبة عن الشرك والدخول فى دائرة المؤمنين. وذلك لورود أمر (فخلوا سبيلهم)، فإن كانت التوبة هنا عن الشرك فسيتم موضوع إخلاء السبيل تلقائيًا لأنهم أصبحوا مؤمنين، ولا يحتاج ذلك إلى أمر إلهى يتنزل مع القرءان لإخلاء سبيلهم، ولكن جاء أمر إخلاء السبيل بحقهم مع إستمرارهم على الشرك ولكنهم قد كفوا عن الإعتداء.
أما مفهوم (أقاموا الصلوة) فيبدو أن الصلوة هنا ليست هى ما يُطلق عليه الصلوات الخمس على سبيل المثال فى ملة أهل السنة والجماعة وغيرها من الملل. فالقوم كما تعلمنا من سياق البيان القرءانى هنا مشركين.
وهذا دليل قرءانى على أن مفهوم (إقامة الصلوة) فى القرءان ليس هو أداء ما يُسمى بالصلوات الخمس. ولابد من المزيد من التدبر القرءانى للوصول إلى المفهوم الحقيقى لمفردة الصلوة يتماشى مع كل النصوص القرءانية التى وردت فيها هذه العبارة.
وحتى الأن لم أوفق فى معرفة معنى مكتمل لهذه المفردة يجيب على كل التساؤلات التى تتبادر لى عند الرجوع إلى كل المواضع التى وردت بها هذه المفردة ومشتقاتها فى القرءان، وأعتقد مبدئيًا أن المفهوم العام لمفردة الصلوة هو "التواصل السلمى مع الأخرين" وهذا التواصل له صور متعددة يمكن فهمها من السياق الذى ورد فيه البيان القرءانى.
ومفهوم إقامة الصلوة فى البيان القرءانى من سورة التوبة التى نتناولها هنا هو حسب السياق فى صورة الإلتزام بمعاهدة السلام والتعايش الآمن.
أما مفهوم (وءاتوا الزكوة) فأعتقد أنه هنا حسب السياق القيام بالعمل الصالح الخالى من الخداع (فالأمر يتعلق هنا بالإلتزام بالمعاهدة دون اللجوء للخداع). حيث أن المعنى العام لمفردة الزكوة هو إرتفاع المنزلة، وعبارة إيتاء الزكوة بمعنى فعل عمل صالح يؤدى لرفعة المنزلة، وصور هذا العمل يمكن معرفتها من سياق النص.
الخلاصة
ضمن حادثة نقض العهد والإعتداء من جهة بعض المشركين على الرسول ومن معه من المؤمنين، جاءت أوامر من الله تعلى للمؤمنين لكيفية التعامل مع هذا الحدث. ومنها ماجاء ضمن البيان القرءانى الذى نتناوله هنا، الذى جاء بمفهوم أنه بعد مهلة الأربعة اشهر وإنقضاء وقت الأشهر الحرم فعلى المؤمنين محاولة السيطرة والحد من قوة من إعتدى عليهم من المشركين وحصارهم الذى قد يكون أيضًا حصارًا إقتصاديًا ورصد تحركاتهم، فإن تابوا عن إعتدائهم وإلتزموا بعملية التعايش السلمى ودون اللجوء إلى الخداع، فعلى المؤمنين فك الحصار عنهم.
وهذا فهمى الذى قد يصيب ويخطئ والله تعلى أعلم
التعليقات على الموضوع (4)