دابة من الارض
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةً مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بَِٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨٤ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ ٨٥) سورة النمل
بعيدا عن القصة المتوارثة فى هذه الأية والتى اُعتبرت من علامات الساعة، ولنتذكر من ءايات الكتاب ماجاء عن الدابة. ويجب بدايًة التذكير بأننا نبحث فى كلمة دابة بمعناها المجرد وبمعناها العام ومن ثم نرى سياق الأيات ومن أى نوع تكون الدابة.
فلقد تم حصر كلمة دابة عند سماعها فى مفهوم الحيوانات والزواحف وغيرها وقد تم عزل الانسان من هذه المخلوقات وتم تجاهل معناها العام والمجرد. فكل ما دب على الارض هو من الدواب والانسان من ضمن هذه الدواب. إلا أن الأيات تتحدث احيانًا عن نوع واحد فقط من الدواب كما سنرى فيما بعد. واحيانًا ءاخرى تكون بجمع الدواب كلها كأية شمولية تجمع الدواب ضمن كلمة واحدة، وكثير من الأيات فيها تخصيص وفيها تعميم ولكل ءاية موضوع وسياق معين.
(وَلِلَّهِ يَسۡجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٤٩ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٥٠﴾ سورة النحل
وكما بينت فى موضوع سابق عن السجود الذى هو تنفيذ امر الله، وما فى السموات من شمس وقمر ونجوم ومجرات كلها تنفذ امر الله وقوانينه وتقديره ويشمل ذلك ما فى الارض من كل الدواب والشجر والبحار. فكل يعمل بوظيفته ولا احد يخرج عن امر الخالق الذى خلقهم عليه. فجسم الانسان يعمل بوظائفه تلقائيًا وبدون تدخل من الانسان يعمل قلبه أو جهازه الهضمى أو التنفسى، ولا المرأة الحامل التى تحمل وتضع كرهًا اختيار فى تقدير امر الله، فهذه من الامور التقديرية فى الخلق وبهذا المفهوم فكل يعمل بما أمر به خالق هذا الكون. وبقية الدواب تسير بنفس النظام.
(وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَٔۡخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ ٦١) سورة النحل
أما الأية هنا فهى تتحدث عن نوع من الدواب وهى البشر، فهى تتحدث عن ما يكسب الناس من معاصى وذنوب وحين يأتى أجلهم، وكان الله بعباده بصيرًا وكل شى أحصاه فى كتاب مبين. ولم تتحدث الأية عن دواب اخرى وإنما كانت تخص البشر.
(وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٤٥) سورة النور
وهنا نرى الحديث على أنواع من الدواب ومنها الانسان من الأنواع التى تمشى على رجلين.
وبالعودة إلى موضوع دابة من الارض التى تكلم الناس (وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةً مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بَِٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨٤ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ ٨٥) سورة النمل
فنرى الأية تقول إذا وقع عليهم القول، فلنتدبر هذه الجزئية أولًا (..وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولًا ١٥ وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرًا ١٦) سورة الإسراء
فالله لا يعذب أو يهلك قوم بظلم إلا أن يبعث رسولا وتلك هى سنته فى العباد. وتلك القرى افسدوا فى الارض حيث يتولى الأمر دائمًا أصحاب النفوذ والمترفين من امثال فرعون وغيره. وهم من يستكبروا فى الارض بغير حق ويفسدوا فيها، فيبعث الله الرسل مبشرين لمن يؤمن ويصلح ومنذرين لمن يكفر ويستمر فى الإفساد. وموضوع بعث الله للرسل هو تقدير منه وحده فهو الذى يعلم متى يبعث رسول ويعلم حجم الفساد وكبره.
فيبعث رسول يأمر المترفين والطغاة منهم بالاصلاح فيفسقوا فيها ويكفروا بما اُنذروا فيحق القول عليهم ويهلكهم بذنوبهم، كما فعل بكثير من الامم التى قصها علينا والتى لم يقصها علينا القرءان الكريم.
وهنا اصبح لدينا دلالتين:
الأولى أن البشر هم أيضًا من الدواب، والثانية أنه إذا وقع القول على القوم المفسدين يبعث لهم رسولا لينذر الذين فسقوا.
وتعلمنا أيضًا أن الناس والذين هم من الدواب وبقية الدواب خلقها الله من الارض ومن الماء فلا يوجد انسان لم يكن مصدر خلقه وبثه من غير الأرض. وكذلك ان الله يبعث الرسول من نفس صنف المرسل إليهم وبنفس لسانهم ليكلمهم ويدعوهم للإيمان بالله وبمحتوى رسالة الله إلى القوم.
(وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا ٩٤ قُل لَّوۡ كَانَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَلَٰٓئِكَةٞ يَمۡشُونَ مُطۡمَئِنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولًا ٩٥) سورة الإسراء
فتلك هي سنة الله ان يبعث رسولًا يكلم الناس ويتلو عليهم ءايات الله وينذرهم ان يتقوه. وهو أيضًا من الدواب بصفته العامة ومن البشر بصفته الخاصة. لذلك فدابة من الارض هى الرسول الذى يكلم الناس ويأمرهم ويأمر مترفيهم بالإصلاح وعدم الفساد والتيقن من حساب الأخرة.
ونحن كخلق من الدواب قد أُخرجنا للدنيا من الارض، ولابد من ملاحظة أن كلمة خرج لها معنى مجرد والسياق يحكم على نوع هذا الخروح. فهناك ءاية يقول فيها كنتم خير أمة اخرجت للناس، وهناك ءاية تقول كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون إلا كذبا. فالسياق والموضوع هو الذى يحدد مدلول ذلك الخروج.
وبهذا افهم من هذه الأية (وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةً مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بَِٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بَِٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨٤ وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ ٨٥) سورة النمل)
اذا وقع القول على قوم مفسدين لا يوقنون ولا يتقون يخرج الله لهم رسول منهم وبلسانهم يكلمهم بما أمر الله فى اتباع رسالته والايمان به وعدم الافساد وأن يتيقنوا من الحساب والاخرة. فيكفروا كما فى انباء القرى المُهلكة، فيمرون بهذا الحوار يوم حسابهم فيقول لهم ربهم (قَالَ أَكَذَّبۡتُم بَِٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) ولن يستطيعوا أن ينطقوا، فقد احاطوا بها علمًا من خلال الرسول الذى كلمهم وبلغهم الرسالة فكذبوا بها.
واحب أن اضيف أنه إذا كان مفهوم الدابة محصور فى الحيوانات فسنجد هذا الكلام غير مرضى، ولكن لو فهمنا أن كل من يدب على الارض هو دابة وفق ماجاء فى الكتاب فسيكون من الممكن تفهم الأمر بسهولة. والحمد لله رب العالمين.
التعليقات على الموضوع (12)