يتامى النساء
بسم الله الرحمن الرحيم (وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ٢ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣) سورة النساء، الأيات فى هذه السورة تتحدث عن موضوع اليتامى ولا تتحدث عن موضوع ما أُحل وما حُرم من النكاح.
وهذا خطاب من الله الى المجتمع البشرى أو الامة البشرية يحث ويعظ وينذر على أهمية القسط فى اليتامى .. واليتامى مكون من فئتين فئة مستضعفة من الولدان ذكور وإناث ولم يبلغوا سن الرشد ولا البلوغ ..وممكن أيضًا أن يكونوا بالغين سن النكاح إلا أنهم مازالوا سفهاء، أى لم يبلغوا رشدهم فبلوغ الرشد ممكن يكون مبكرًا وقد يتأخر.
لذلك قال (وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةً فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسًا فَكُلُوهُ هَنِيًٓٔا مَّرِيًٓٔا ٤ وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمًا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلًا مَّعۡرُوفًا ٥) سورة النساء، فهؤلاء الفئة السفيهة هي لا تستطيع التصرف برشد فى أموالها، وكلمة سفيه ليست ذمًا بل هى صفة لحال، لذا وجب على القائمين عليهم بالمحافظة على أموالهم وإدارة شؤونهم من رزق وكسوة وغير ذلك من معروف. واليتيم من الرجال كان أم من النساء عند وصوله هذه المرحلة (بلغ النكاح والرشد) يجب إعطائه ماله (وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدًا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا ٦) سورة النساء
نلاحظ هنا انه يقول أن ابتلوا اليتمى حتى اذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم، وهذا يعنى ان هناك من يبلغ النكاح ولكن لم يصل الرشد بعد.. إلا انه هناك انتهاك يحصل لأموال النساء اليتيمات من قِبَل بعض القائمين عليهن لذا جائت السورة تبين أنه يجب اعطائهن نصيبهن نِحلة، ولا تعني كلمة نِحلة هنا المهر، فهذا موضوع ءاخر له سورة ءاخرى تبين تفاصيله. وهذه الأيات تتحدث عن يتامى النساء اللاتى هن النساء اليتيمات ولسن أمهات اليتامى وتتحدث عن نصيبهن من الارث.
وبالعودة الى هذا الذكر (وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣) سورة النساء
يبين الله الأتى، وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ويعنى ذلك ان تُزوجوا تلك النساء اليتيمات والطيبات منهن، وليس أن يتزوجهن الشخص القائم عليهن كما هو مفهوم عند الأغلبية من الناس. بل عليهم ان يُزوجوا تلك النساء والطيبات منهن .. كما فعل أبو زوجة موسى حينما طلب من موسى أن ينكحه احدى ابنتيه وهى التى حدثته عن موسى، (قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ)، فلم يعطى موسى الإختيار بل عرض عليه التى حدثته سابقًا عن موسى.
فان كان القسط صعب على القائمين على اليتامى فليُزوجوا ما طاب لهم من النساء، لأن القسط هو تعامل مستمر فممكن أن تكون هناك صعوبة لديهم فى استمرار القيام بهذا الفعل. فالأفضل أن يقوموا بتزويج الطيبات من النساء اليتيمات مثنى وثلاث ورباع. (فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ) وذلك لأن عملية التزويج تتطلب أموالًا كما هو معروف، فهنا قد يقع القائم بمشكلة العدل فى إعطاء الأموال لهن والتساوى بينهن، فإن لم يستطع فممكن واحدة من اليتامى، (أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ) لأن ملك اليمين يدخلن أيضًا من ضمن قائمة اللاتى يتم الإنفاق عليهن والقيام بأمرهن. يعنى يتيم، ملك يمين، فقير ومسكين.
وملك اليمين لفظ عام لحالات كثيرة يدخلن ضمن هذا المصطلح .. (ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ) بمعنى وجود إحتمال وقوع القائم بهذه الامور فى حالة فقر أو نقص فى المال.
(وَيَسۡتَفۡتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِيهِنَّ وَمَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا تُؤۡتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرۡغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلۡوِلۡدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلۡيَتَٰمَىٰ بِٱلۡقِسۡطِ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ١٢٧) سورة النساء
وقد استفتى بعضهم الرسول فى النساء فجاء الجواب أن ما يُتلى عليكم فى الكتاب هو فى يتامى النساء والمستضعفين من الولدان فهؤلاء هم من تحدث عنهم فى الكتاب وأن تقوموا بالقسط تجاههم.. وان الأمر متعلق باليتامى من النساء اللاتى ترغبون أن تنكحوهن ولا تأتوهن أموالهن التى هى حصتهن من الارث.
وكلمة يرغب اذا جائت معها كلمة عن، أصبح المعنى معاكس أى، يرغب عن = لايريد
كما فى قصة ابراهيم وابيه الذى (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ) أو (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِۧمَ). فنرى كلمة يرغب أو الفعل يرغب قد جاء مقترنًا مع كلمة عن فصار المعنى عكس معنى كلمة يرغب وحدها.
إذاً فالحديث عن يتامى النساء (النساء اليتيمات) وليست عن أمهات اليتامى، وكذلك هناك رجال من اليتامى كما فى هذا الذكر (..وَيَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٢٢٠) سورة البقرة
فالحديث اعلاه لا يتكلم عن أولاد بل عن بالغين، لذا فإن صفة اليتيم أو إسم اليتيم ينطبق على كل من فقد ابويه أو احدهما فى صغره أو فى فترة يحتاج للإقامة عليه وترشيده.
الخلاصة
فإن امر الله فى هذه السورة هو القسط فى اليتامى من نساء ومستضعفين من الولدان، والسفهاء الذين لا يستطيعون إدارة امورهم. وأن تُعطى أموالهم عند الكبر وبلوغ النكاح والرشد. والنساء أيضًا مشمولات بهذا الجمع ولهن أيضًا موعظة من الله للقائمين عليهن فى اعطائهن حصتهن من الارث، وذلك تأكيد على عدم أكل أموالهن وأن يقوموا بتزويج الطيبات منهن. وبخصوص جملة (مَا طَابَ لَكُم) بمعنى من وجدوا فيهن صلاحًا وتهيئًة لتكوين اسرة ناجحة. ولا علاقة بموضوع الأيات فى ما أُحل من عدد فذلك له سورة ءاخرى مُفصلة.
لماذا مثنى وثلاث ورباع؟ لان هناك حصص وتقسيم فى الإرث كما بين الله بعد تلك المواعظ مباشرًة فى نفس السورة عن كيفية تقسيم الأموال وليس ذلك قول عشوائى كما يظن البعض!! ولذا كان بقية الحديث فى السورة عن تقسيم الميراث. فالسورة هنا تتحدث عامًة عن اليتامى وكيف يكون التقسيم. والحمد لله رب العالمين.
التعليقات على الموضوع (19)