مفهوم كلمة آية في القرءان الكريم
تعارف الناس على إستخدام كلمة آية للإشارة إلى جزء من النص القرءاني الموجود بين نجمتين، وأصبح من المعتاد عند سماع كلمة آية أن يتبادر إلى الذهن تلقائيا أن المقصود هو نص قرءاني صاحب رقم معين داخل سورة قرءانية.
وبالبحث في القرءان الكريم تجد أن كلمة آية المفردة قد وردت في 47 موضع وتحمل معنى آخر وهو الدليل.
وهذا واضح في النصوص التالية على سبيل المثال (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴿٤﴾﴾ سورة الأنعام
و ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴿٧﴾﴾ سورة الرعد
وهنا واضح أن كلمة آية المقصود بها الدليل والبرهان وليس المقصود بها النص القرءاني، فغير المُصدقين بمحمد عليه السلام يقولون لولا أُنزل عليه آية من ربه، وهو كان معه نصوص القرءان، ولكن المقصود هنا دليل يرونه من ربه على نبوته.
وفي النص التالي تأكيداً على نفس المعنى بأن كلمة آية بينة هنا بمعنى دليل واضح ﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿٣٤﴾ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٣٥﴾﴾ سورة العنكبوت
وفي هذا النص أيضاً تأكيداً على أن الآيات هى أدلة من الله تعالى للبشر ويأتي بها كل المرسلين ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)﴾ سورة الأعراف
فآيات الله تعالى ليست هي نص مُرقم في القرءان الكريم بل هى الأدلة التي جعلها للناس لتدل على وجوده، أو تدل على أن بشر هم مرسلين من الله تعالى، سواءً كانت أدلة كونية مثل الليل والنهار وتعاقبهما ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ﴿١٢﴾﴾ سورة الإسراء
وقد تكون الآيات هي أدلة على صدق النبي المرسل من الله تعالى ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا ﴿١٠١﴾﴾ سورة الإسراء
تلاوة الآيات
المقصود بتلاوة الآيات ليس هو تلفظ نصوص مُرقمة من المصحف، ولكن يُقصد التلفظ بالنصوص القرءانية كأدلة من الله تعالى على ما فرضه على عباده مثلاً، أو أدلة على مسائل كثيرة آخرى مثل ماجاء في النص التالي ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)﴾ سورة آل عمران
والدليل نجده في النص التالي أيضاً والذي يبين أن أهل الكتاب أيضاً يتلون الآيات برغم أنهم ليس لديهم القرءان الكريم ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)﴾ سورة آل عمران
نسخ الآية
ومن أخطر ما نجم عن إستعمال كلمة آية في غير موضعها هو التفسير الخاطئ للنص التالي ﴿ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّـهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿١٠٥﴾ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٠٦﴾﴾ سورة البقرة
حيث تم نشر معني أن آية (نص قرءاني) يُلغي نص آخر، وتوارث الناس مسألة مايسمى الناسخ والمنسوخ التي إبتكرها بعض شياطين الإنس، وفتحوا بها باباً للطعن والتحريف في القرءان الكريم، فزعموا أن الآية (النص القرءاني) ممكن أن تنسخ حكم معين جاء في نص آخر.
وتم أيضاً إفتراء أن نصاً يمكن أن يتم نسخ حكمه ويبقى نصاً، وهذا معناه وجود حكم مكتوب في المصحف ولكنه متوقف عن العمل. أو العكس وجود أحكام قد قام الله تعالى بنسخ نصها أي حُذفت من المصحف وجعل الرسول الكريم ومن معه ينسونها ولكن حكمها مازال باقي بلا نص.
وهذا الإفتراء قد يكون السبب في تحديد معنى آية بأنها النص القرءاني المُرقم أو الموجود بين نجمتين في المصحف.
وإن قرأت النص السابق كاملاً لوجدته في البداية يتحدث عن غيرة أهل الكتاب وإحتجاجهم على نزول أدلة في الرسالة الجديدة من الله تعالى قد تجعل ماهم عليه في طي النسيان، ولا يتحدث النص عن أجزاء من القرءان تلغي وتعطل بعضها البعض.
الخلاصة
كلمة آية جاءت في القرءان الكريم بمعنى الدليل وليس كما درج عليه الناس من إستعمالها بمعني النص القرءاني المحصور بين النجمتين في المصحف والمُرقم بالترتيب، ومما يذكر أيضاً أن أي نص قرءاني يُستدل به على مسألة ما فهو أيضاً يعتبر آية أي دليل من الله تعالى. والآيات قد جاء بها كل الرسل من قبل، ومنها ما كان ليقنع الناس بنبوتهم كأعمال غير معتادة للبشر، ومنها محاجتهم بالأدلة الكونية التي تدل على وجود الله تعالى.
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (9)