مفهوم الشهر، الشهور والأشهر
وردت مفردات الشهر والشهور والأشهر فى القرءان الكريم، وهنا محاولة للبحث فى مفهومها والفروق التى قد توجد بين استخدام كل منها فى البيان القرءانى. وأسأل الله تعلى التوفيق فى إلقاء الضوء بمشاركة من الأخوة المهتمين بهذا الأمر. وأن يكون هذا الموضوع مبادرة لتوحيد جهود الأخوة الكرام الباحثين فى مسألة الوحدات الزمنية التى يستخدمها القرءان الكريم. والموضوع مفتوح دائمًا للتعديل والإضافة على ضوء ما يفتح به الله تعلى من أدلة على الأخوة المشاركين فى هذا البحث.
وقد يبدو الأمر للبعض أنه لا يأتى بأى جديد نظرًا لما تعارف عليه الناس ونتادوله فيما بيننا فى الحياة اليومية. ولكن هى محاولة لإيجاد أدلة قرءانية قد تؤيد ما هو متعارف عليه فلا بأس فى ذلك فقد عرفنا إذًا مصدر ودليل للذى تعارف الناس عليه، أو قد تأتى بمفهوم جديد للوحدات الزمنية التى إعتدنا عليها.
مفهوم الشهر
خلافًا لما تعودت عليه أبدأ هنا بطرح المفهوم المتداول بين الناس.
فمفردة شهر فى اللسان العام للمناطق التى تتحدث بألسنة قريبة من لسان القراءن تستعمل بطريقة شبه موحدة فى المعانى هنا بعض الأمثلة منها:
شهَر السّيفَ: سلَّه من غمده ورفَعه
شَهَرَ الخَبَرَ: أَذاعَهُ، نَشَرَهُ، أَعْلَنَهُ، عَرَّفَ بِهِ
شهَر العقدَ: أذاع به، وثَّقه فى إدارة التوثيق
ونرى هنا أن المعنى العام يدور حول الإعلان والنشر والتعريف بالشئ. وهذا يستقيم مع المعنى الذى يمكن أن يُفهم من استخدام المفردة فى القرءان فعلى سبيل المثال:
قوله (يسـٔلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به...٢١٧) البقرة
فيبدو أن المعنى يستقيم هنا بأن مفهوم الشهر هو الإعلان كما أنه يستقيم أيضًا بأنه وحدة لقياس الزمن، ولكن أعتقد أن المفهوم الأول هو الأقوى لما يتبين من القرءان أن الأشهر الحرم هى أربعة من حيث إعتبار وحدة قياس الزمن، ولكن هنا ورد الشهر بصيغة المفرد.
وهنا مثال أخر فى قوله (جعل الله الكعبة البيت الحرام قيما للناس والشهر الحرام والهدي والقلئد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموت وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ٩٧) المائدة
إذًا فمهوم الشهر ربما يأتى بمعنى الإعلان أو بمعنى وحدة قياس الزمن ويحدد ذلك سياق البيان القرءانى والموضوع الذى يتناوله.
مفهوم الشهور والأشهر
وكلا المفردتين هما جمع لمفردة شهر. وقد استعمل القرءان على الدوام مفردة اشهر للتعبير عن جمع الشهر فى ستة مواقع، بينما استعمل مفردة الشهور مرة واحدة فقط. فهل هناك فرق بينهما فى المعنى؟
وردت مفردة الشهور مرة واحدة فى القرءان فى البيان التالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتب الله يوم خلق السموت والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقتلوا المشركين كافة كما يقتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ٣٦) التوبة
وما يلاحظ هنا ان صيغة الجمع شهور قد تم استعمالها فقط عند الحديث عن تقسيم وحدة قياس زمنية كبيرة إلى وحدات زمنية أقل وهى الشهور والتى مفردها ومن نفس جنسها شهر التى تعرفنا على مفهومها أعلاه.
إذًا مفهوم مفردة الشهور هو أنها صيغة الجمع للوحدة الزمنية شهر، وقد استعملها القرءان فى حالة واحدة عند تقسيم وحدة زمنية أكبر ولم يستخدمها فى عملية عد الأشهر.
مثال: لم يذكر القرءان أربعة شهور بل أربعة أشهر، وذلك فى كل المواضع التى تحدث فيها عن عدد الأشهر (أى عند عملية العد).
وهنا أمثلة على إستعمال صيغة الجمع اشهر كجمع للوحدة الزمنية شهر (لاحظ وجود رقم يسبقها على الدوام):
قوله (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم ٢٢٦) البقرة
وقوله (والـٔي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر... ٤) الطلاق
أما عندما لم ترد مفردة الجمع اشهر مسبوقًة برقم فيبدو أنها لا تشير إلى الوحدة الزمنية بل تشير إلى مفهوم الإعلان. على سبيل المثال:
قوله: (الحج أشهر معلومت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ... ١٩٧) البقرة
وقوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ٥) التوبة
إذًا مفهوم مفردة الأشهر هو أنها صيغة الجمع للوحدة الزمنية شهر عندما يتم الحديث عن عدد معين. كما أنها صيغة الجمع لمفردة شهر بمفهوم الإعلان ويميزها فى هذه الحالة عدم وجود رقم يسبقها.
واحب هنا مقارنة الأمر بمفردة قرءانية هى بحر وصيغة الجمع منها بحار أو أبحر. فقد استعمل القرءان صيغة الجمع أبحر وليس بحار عندما تحدث عن رقم معين. على سبيل المثال:
قوله (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمت الله إن الله عزيز حكيم ٢٧) لقمان
بينما استعمل مفردة بحار كصيغة الجمع غير محددة برقم فى قوله: (وإذا البحار سجرت ٦) التكوير
ويجدر هنا إضافة أن المفهوم القائل بأن هناك وحدتين زمنيتين مختلفتين بالصورة التالية:
1- شهر (مفرد) / اشهر (جمع)
2- شهر (مفرد) / شهور (جمع)
لا يؤيده القرءان، بل شهر هى وحدة قياس زمنية واحدة فقط.
1- شهر (مفرد) / اشهر، شهور (جمع) وتم استعمال صيغتى الجمع فى حالات مختلفة.
على سبيل المثال ايضًا:
بحر (مفرد) / ابحر، بحار (جمع)
نفس (مفرد) / انفس، نفوس (جمع)
فوجود صيغتين لكتابة مفردة الجمع لم يخرجهما عن كونهما جمع لنفس المفرد، ولكن تستعملان فى حالات مختلفة تدبرها يعتبر موضوع أخر.
علاقة الشهر بالعام
يمكننا معرفة ذلك من البيان القرءانى التالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتب الله يوم خلق السموت والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقتلوا المشركين كافة كما يقتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ٣٦ إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطٔوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعملهم والله لا يهدي القوم الكفرين ٣٧) التوبة
نستفيد من البيان النقاط التالية:
- هناك وحدة أو دورة زمنية تقسيمها اثنا عشر شهرا.
- أربعة أشهر من هذه الوحدة أو الدورة الزمنية حرم (يبين القرءان فى موقع أخر أن الحرم معناها تحريم القتال).
- كان هناك من يقوم بتفعيل الأشهر الحرم أو تعطيلها. هذه العملية اسمها النسئ.
- تتم عملية النسئ مرة فى الدورة الزمنية التى سماها البيان القرءانى عاما.
إذًا النتيجة هنا هى أن مفهوم العام هو وحدة زمنية تحتوى على اثنا عشر شهرا.
الخلاصة:
مفردة شهر يمكن فهمها فى البيان القرءانى على أنها وحدة زمنية أو بمفهوم الإعلان عن وقت معين. ويمكن فهم ذلك من السياق. وجمع مفردة شهر هو شهور وأشهر وقد استعمل القرءان مفردة شهور مرة واحدة للحديث عن تقسيم وحدة زمنية أكبر. أما للحديث عن صيغة الجمع للوحدة الزمنية شهر أو الإعلان عن وقت معين فقد استعمل دائمًا مفردة الجمع اشهر.
العام هو وحدة زمنية أكبر وتحتوى على اثنا عشر شهرا.
الموضوع تحت البحث وقابل للتطوير وللمزيد من أدلة الأخوة الكرام الباحثين فى هذا الأمر
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (183)