الاحصاء والحساب والاهلة والشهور
الحساب لا يعنى الاحصاء وإنما يعنى التعامل مع العمل (ان كان الموضوع متعلق بالعمل) وتوفية جزاء هذا العمل.
(وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٢٠١ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ٢٠٢) البقرة
نصيب مما كسبوا تعنى هنا أن الله سيعطيهم نصيبًا جزاء عملهم الذى كسبوه فهو تعامل مع حالة معينة وتوفية حقها.
(قَالَ وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١١٢ إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي لَوۡ تَشۡعُرُونَ ١١٣) الشعراء
وأما الأية التى تقول:
(هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءً وَٱلۡقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٥) يونس
نفهم منها أن الله تعالى جعل الشمس ضياءًا والقمر نورًا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين كآيات لنعلم كيف نحصى، لإن العدد يخص الإحصاء كما فى السور التالية:
(وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ ٣٤) إبراهيم
(وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٨) النحل
(إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ ... ٢٠) المزمل
فكل تلك الأيات تبين ان الإحصاء مُتعلق بالعدة الذى هو مجموع عدد.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرًا ١) الطلاق
واحصوا العدة هنا هى مجموع عدد الايام التى بينها الله للمطلقات.
(وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةً لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلًا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلًا ١٢) الإسراء
محى الله ءاية اليل وجعل ءاية النهار مبصرة، وهاتان الأيتان فيها فوائد كبيرة للناس وهى أنهم سيعلمون كيف يعدون الأيام وبالتالى عدد السنين. والفائدة الأخرى هى التى أردت أن أبينها فى هذا المنشور وهى الحساب. لأن لكل ءاية تعامل خاص بها، فالتعامل مع النهار يتم خلاله السعى وإبتغاء الرزق وسبحًا طويلًا وفضلًا من الله. أما اليل فيتم فيه العمل ايضًا وابتغاء الرزق لفئة اخرى من الناس، كما يتم خلاله ذكر الله وتسبيحه ودعائه وطلب الفضل منه والرحمة وقراءة القرءان. وهنا الحساب هو توفية أعمال اليل والنهار بما يلائمها.
هذا الحساب يمتد أيضًا فى التعامل مع الأهلة التى هى مواقيت للناس والحج:
(يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٨٩) البقرة
فالأهلة هي قدوم أمر ما، فإذا كان السياق متعلق بالمواقيت فتكون الأهلة هى قدوم موقت الحج مثلًا والتعامل معه على أساس وقته. وهِلُّ الحصاد هو موقت يُتعامل معه فى جنى المحاصيل، وهِلُّ الزراعة يُتعامل معه كموقت تكون فيه الزراعة، وهِلُّ الامطار وهِلُّ الحر وهِلُّ البرد، وهناك كثير من الأهلة الغير ثابتة. فكلها مواقيت لكل فترة وزمن يتعامل فيه الناس وفقًا لظروف وطبيعة ذلك الهِلّ، أو قدوم وقت من السنة.
هِلُُّ الحج هو تعامل مع هذا الموقت
هِلُّ الحج هو معناه قدوم الشهر الحرام. والشهر الحرام عدته أربعة اشهر (أقصد بمفهوم هِلّ هنا هو قدوم وقت إذا كان السياق متعلق بذلك. وقد يأتى السياق فى هِلّ نبأ كما قال فى ءاية: هل ءاتاك حديث موسى حيث انها تعنى هنا أنه قد ءاتاك الأن وسنقصه عليك)
وليس شرطًا أن تكون كل الأهلة الباقية عدة الواحد منها أربعة أشهر.
وقد كتبت موضوعًا سابقًا عن الشهور وعدتها الاثنى عشر. (إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرًا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةً وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣٦) التوبة
وبينت أن الشهور ليست أشهر، بل ان الأشهر هى عدة للشهور فالشهرالحرام هو شهر الحج عدته أربعة أشهر. وكمثال لتوضيح المقصد نذكر هنا هِلّ شهر الصيف. فيكون شهر الصيف وليس فصل، وتكون عدته ثلاثة أشهر. وهِلُّ شهر الخريف فتكون عدته شهران.
وهذا يقودنا الى شهر رمضان، فهل هو من الأشهر أو من الشهور؟
يعنى إذا هَلَّ شهر رمضان فليس شرطًا أن يكون عدته شهرًا كاملًا. فقد يكون أقل طبقًا لصفته فرمضان هو معنى وهو ليس شهر الحر. فقد وجدت فى المعاجم أنه الشهر الذى يلى شهر الحر أو فصل الحر بتسميتنا.
وهو اهلال موقت من السنة، بمعنى اخر إهلال شهر رمضان يجب أن تكون له عدة، وعدته أيامًا معدودات وليس أيامًا معدودة فالمعدودات هي جمع المعدود
فمثلًا جمع عشرة هو عشرات.
ويجب ان ننطلق من صفة الشهر وكم هى عدة هذا الوقت أو هذا الشهر الذى هو من الشهور وليس من الاشهر.
وأعود وأقول أن الإحصاء هو عملية عد للأعداد. أما الحساب فهو التعامل مع حالة حسب سياق الأية وفهم ما هى الحالة التى نتحاسب معها أو يكون الحساب عليها.
ولنا تكملة لهذا الموضوع. والحمد لله رب العالمين.
التعليقات على الموضوع (103)