هل محمد مجنون؟
(توطئة في باب التحريف)
سؤال محير جدًا!!
هب أنك قابلت زيدًا عند مدخل السوق، يمد يده: السلام عليك أخي أنا زيد رسول من الله؟ فهل يسوغ لك أن تصفه بالجنون أو تنعته بالسحر؟ فإن أجبت بنعم فأنت في نظري لا تقل عنه جنونا إلى حد ما! فالرجل لم يقل شيئا يشير إلى جنون أو ينبأ عن ساحر.
متجولا، وجدت على الرصيف جالسًا يومؤ برأسه يمينًا وشمالًا يثرثر تارة وأخرى يرفع صوته ويسكت فجأة وأخرى يتحرش بالمارة ويلفظ كلامًا غير مفهوم، فهل هذا أيضا يسوغ لك أن تصفه بالجنون أو تنعته بالساحر؟ فإن أجبت بلا، فلا تسأل لماذا إزدادوا واحدا؟
إذًا.. ما السر في وصف الأقوام الأولين رسلهم بالجنون أو بالسحر؟ ولماذا الجنون أو السحر بالذات وليس السكر (يا سكير) أو العهر ( أيها العاهر) أو الربا (صاحبكم مرابي) أو الزنى (ما هو إلا زان أو عربيد) أي نعت بذئ يرتقي بالموضوع للمستوى المطلوب من الإساءة؟ قال تعالى (كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ) ءاية:52 الذاريات.
ولكن المشهد هنا يختلف عن صاحب السوق .. فحينما ألقى موسى عصاه فأخذت تلقف ما يأفكون فغرت أفواه القوم و جحظت عيونهم، في حالة ذهول (وااااو). فالسحر في حد ذاته ليس غريبا عليهم وإنما بيت القصيد في الأكشن! هو الذي كان عجيبا لأن ما حصل أمامهم يبدو كأنه ولكنه ليس بسحر، لذا رموه رجما بالشهادة ونعتوه بالساحر! ولو كانوا يعلمون أكثر من الساحر لنعتوه!
وعلى الرغم أن المشهد في محمد مشابه تماما لمشهد موسى إلا أن الخاتم كان - بيني وبينكم - أشد إعجازا للقوم وأكثر إغاضة ونرفزة وإزعاجا فاحتاروا فيه! فمحمد لم يأت لا بهذا ولا بذاك! وإنما أصابهم من حيث لا يحتسبون في مقتل!؟ في مصدر قوتهم. لسانهم!! فأمريكا رغم سيطرتها وظهورها لم تتوقع أن من سدد لها تحت الحزام هو ربيبها وصنيعها! إقتصادها !! نعم لذا كانت موجعة ومبعث لترنحها.
إذن نعود ونسأل أنفسنا.. لماذا وصفوا محمدا بالجنون ونعتوا ما جاء به سحر؟؟ وهل النعت بالسحر أو الجنون من أصله إهانة؟ ولماذا لم يخرج القرءان العظيم المجنون ضمن قائمة من ليس عليهم حرج كالأعمى والمريض والضعيف والأعرج؟ ولماذا "مجنون" كمحمد يضم نفسه لرفيعي القلم كالنائم والصغير بينما لم يتمكن من الإنضمام للقائمة القرآنية؟ وكيف يمكننا نحن أصلا أن نقبل بتصرف جنوني كهذا؟ إلا إن كنا نحن في الأصل مجانين!
وللإجابة على هذه المتوالية السؤالية لا بد لنا أن نبحث في القرءان العظيم عن صورة كاملة ترشدنا وتبين لنا حقيقة الجنون وحقيقة السحر أملا في هداية الرحمن لنا برزق هضيم يسوغ للفاهمين.
أولا: حقيقة الجنون:
لنقرأ الآية السادسة والسبعون من سورة الأنعام وننظر في ماذا حصل لأبينا إبراهيم حينما كان ضالًا تلك الليلة فهداه الله؟
قال تعالى (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ) ءاية:76 سورة الأنعام.
الفعل في هذه الآية هو: (جن). والفاعل هو: الليل إذن فالليل (جان) بتشديد النون وضمها. والمفعول به هو: إبراهيم إذن فإبراهيم (مجنون) بوقوعه في أكناف الليل المظلم. والحالة العامة تلك الليلة هي: الجنون. ماذا يمكن أن نضيف هنا عدا الساقط من المعاني!!
إذن ..فالمجنون ليس غائب العقل كما قالوا لنا، وإنما هو حالة أجواء معتادة، صرف الله إنتباه إبراهيم خلالها قسرًا لإنفاذ إرادته قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ) ءاية: 75 الأنعام
ولأن الإرادة لا محالة نافذة وبما أن إبراهيم بتكوينه هذا لن يتسنى له رؤية ملكوت السموات والأرض لذلك إتخذ الله إبراهيم خليلا؟ (...وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا) ءاية: 125 النساء، ولكن ليس الخليل بمعناها الذي علمونا إياه وما يرتبط به من معاني مشبوهة من آل مريب، فقد قالوا أنها هي أعلى مراتب المحبة بين إبراهيم وربه وانضم إليها بعد حين محمد فقد قال أن الله اتخذه خليلًا ولم يخبرونا أهي أعلى من مرتبة إبراهيم أم أدنى منها فقد كان إبراهيم يحتل أعلاها بحسبهم؟. فانظر كيف ينفونها عن عيسى. ثم انظر كيف يثبتونها لإبراهيم. تعالى الله الملك الحق عن ذلك علوًا كبيرًا..
ولكن سبحانه خلخل ظلمة الليل فانصاعت لخالقها فتخلخلت ولو لم تتخلخل طوعا لخلخلها كرهًا كالسماوات والأرض حين استدعاهما، فجعل من خلال ظلمة الليل خلة (سمها ما شئت بالسريانية أو الآشورية: نافذة. ثقب. قناة. مجرى. أنبوب. دربيل. مجهر أو تلسكوب) يسمح بمرور ما يريد سبحانه تمريره خلالها لكي يريها إبراهيم، فانعكس أثر تلك الخلخلة على إبراهيم بوقوعه داخل محيط تلك الخلة على طرفها الآخر لذلك صار خليلًا. هذا ما نفهمه من الخلة.
وكان من أبرز ما رأى من تلك الخلة كوكب (الضحى) متحركًا نحو الأفول، فإبراهيم قط ما غاب عقله تلك الليلة البتة بل ومن الإستحالة أن يغيب وقد عبر عن عقله بعدم حبه للأفلين!.
أما الجنون في حالة محمد فهو ذات الجنون في حالة إبراهيم، فبينما كان إبراهيم يرى في الليل كوكبا مضيئا (وهو داخل الخلة) نجد أن محمدًا كان يرى كتابًا منيرا (وهو داخل الحجاب المستور) إنارة مادية وليس فقط معنوية.
قال تعالى (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ) ءاية: 25 فاطر، فيعزل بذلك محمد عزلًا محكمًا عن من حوله حفاظًا على محكم التنزيل إلى أن يكتمل إنزال ما يأذن الله به على قلبه، قال تعالى (وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابًا مَّسۡتُورًا) ءاية: 45 الإسراء!
طيب.. والذين يؤمنون بالآخرة ما موقفهم من تلك القراءة؟ يجعل الله بينه وبينهم حجابا فقط ولكن ليس مستورًا كالآخرين!!
كما أن محمدا أثناء وقت التنزيل كان يتفوه بالقرءان العظيم وليس بعد أن يسرى عنه كما يقول أصحابنا وإلا فمالعلة من نهي الملاك له بعدم الإستعجال؟ قال تعالى (لَا تُحَرِّكۡ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِٓ) ءاية:16 القيامة
(فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمًا) ءاية:114 طه.
وأما الحال السائدة من حول محمد وقت التنزيل: فقد كان القوم فاغري أفواههم جاحظة عيونهم مشدوهين يسكت بعضهم بعضا (ششششش) يسمعون كلامًا ليس غريبًا وإنما عجيبًا ليس في آباءهم الأولين، فهم لا يريدون أن يفوتهم الموقف (حالة سكوت وسكون كالحالة العامة لليلة إبراهيم) ولكونه كلام له أثر ومعنى غير معروفين بالنسبة لهم ويفوق طاقاتهم اللغوية، لذا قالوا لا يمكن أن يخرج مثل هذا الكلام إلا من في مجنون فوصفوه بالجنون ولكن ليس جنون ذهاب العقل وإنما "العزل" فهم يعرفون ماذا تعني كلمة جنون ويعرفون من هو محمد فيما بينهم بما له من العقل والأمانة والدراية، إلا أن ما يقرأه محمد في الحقيقة كان مصدر إزعاج لهم، وهم من هم في ميادين اللغة ومضاميرها.
فنحن نعلم أن قوم محمد يعلمون من اللسان العربي ما تم تحديهم به وبما يمكنهم أن يختزلوا فعلًا كاملًا أو جملة كاملة في حرف واحد أو حرفين فبدل أن يقولوا (إدفع الدىه) كما يلفظها "السريانيون" يقولون (د) بكسر الدال. وبدل أن يقولوا (تول أمر فلان) كما يقولها "الآشوريون" يقولون ( ل ) بكسر اللام. وللنهي يقولون (لا) وللجزم يقولون (لم) وبدل أن يقولوا (أوفى ىوعدك) كما يقولها "الكلدانيون" يقولون عوضا عنها (ف) بكسر الفاء. لا نريد أن نطيل هنا فالمدارس كثيرة ومتعددو اللغات أكثر كأمثال (أصمت) تقال (صه) وماذا تنطق بـ (مه) و (مم) و (عم) وهكذا دواليك.
ثانيا: حقيقة السحر:
أما السحر: فما عهدنا في القرءان العظيم وصفا لقوم محمد بالسحرة ولم يدعوا القيام بالسحر أو بممارسته وإنما بالكهانة وشتان ما بينهما. فحينما غلبت أصايل جياد القوم ومزايين إبلهم ومجاهيمها ومغاتيرها لم يجدوا لصاحبهم وصفا يليق بعروبة لسانهم إلا بكلمة (مسحور) فوصفوه بها. وجاء من بعد اللسان العربي المبين لسان قاتله الله أعجمي ذي عوج ملحون فيه ابن ملحود إليه حمانا الله وإياكم، لفيف المعمورة وشذاذ آفاقها ممن قد غلب حماره قبل أن يبدأ السباق ومن وقع به بغله وأطت به أتانه ليبينوا لنا اللسان العربي (مسحور) ماذا تعني بالفعل وليس بالقول حتى مرروا علينا نكتة السحر هذه فانطلت علينا فاختلقوا لنا في الموروث أن محمد ا قد سحر وقد سحره يهودي لعين لا أذكر إسمه فأصبح مسحورًا لا يدري ما يقول ولم يدر أنام مع أهله البارحة أم لا !؟ ومرة أخرى سحرته يهودية أيضا لعينة في كراع وأن السحر قد أستخرج من بئر (لاحظ بئر) قياسا على البئر الذي فيه (هاروت وماروت) حسبنا الله ونعم الوكيل فيما يصنعه القوم بنا. وأن الذي استخرجه الملاك وهكذا مما تيسر لهم ذلك الوقت.
إسمع قوله تعالى: (الم) (ألر) (حم) (عسق) (كهيعص) (ق) (ص)!! مرت قرون من بعد محمد فلا العربي بتقعره ولا الأعجمي بتحدبه والقوم حيارى يقلبون الفكر لهذا اليوم الذي تكتب فيه هذه التوطئة وهم لا يعلمون لها معنى فلم يأذن الله بعد بذلك، فإذا لم يكن هذا في ظنكم هو السحر بعينه فمن المؤكد أنها طلاسمه لذا فمحمد مسحور فلا عاقل يتفوه بكلام كهذا غير مفهوم!! هم طبعا يقولون ذلك ليس الكاتب!!
قال تعالى (قَالَ أَلۡقُواْ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖٖ) ءاية: 116 الأعراف.
الفعل في هذه الآية هو: ألقوا. والفاعل هم: السحرة فهم (ملقوون). والمفعول به هو: أعين الناس وبذا فهم (ملقين) من تأثير فعل الإلقاء عليهم. والحالة السائدة للموقف هي: الإلقاء وليس السحر. إنتبه لكي يستقيم المعنى في ذهنك جيدا!
قليلا من الشرح لا يضير فقد لبثنا في هذه الترهات من أعمارنا سنينا. لاحظ رعاك الله ...أن موسى أمرهم بالإلقاء وبعد أن أمرهم حصل فاصل زمني عبرت عنه الآية بكلمة (فلما)، هذا الفاصل الزمني أنجز السحرة فيه أعمال الإلقاء كاملة (ماهي تلك الأعمال؟ أخبرنا الله أنها كيد ساحر) فنتج عن تلك الأعمال أن سحرت أعين الناس مما نفهم منه أن الإلقاء سبب والسحر نتيجة، والدليل على ذلك أننا لا نجد هذا الفاصل الزمني في حالة موسى وإنما استأنفت العصا تتلقف فور إلقاءها. قال تعالى (وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ) ءاية: 117 الأعراف
وقال تعالى (فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ) ءاية: 45 الشعراء. لعل الصورة إستقرت في أذهاننا؟ إن شاء الله.
وقت الإلقاء هو: وقت لقاء الشر بالخير والليل بالنهار والظلام بالنور أي هو وقت (السحر) قال تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) واسم الفاعل (ساحر) إنما هو منسوب لمن ينشط في وقت السحر فهو ساحر. كأن تقول ناشر لمن ينشط وقت النشور أو الصبح أو غاد في وقت الغدو أو ساري لمن يسير بالليل أو (قائل) لمن ينام الظهر (قال قائل منهم إن لبثتم) وهذه بخشيشة مني لدكتورنا الجراح حين حديثه عن أصحاب الكهف بأنهم الحواريون..
فإن كان السحر هو بداية إنتهاء الليل إذن فالسجو هو بداية إبتداء الليل وبذا يكون (الضحى) هو إسم الكوكب الذي رآه إبراهيم (والضحى. والليل إذا سجى).
والإسترهاب هنا ليس الرهبة كما نظن وإنما هو طلب لولوج الرهاب قسرًا في نفوس المتفرجين وذلك حسب استراتيجية إعلامية مدروسة كالدعاية لها والإعلان عنها (فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ)آية: 53 الشعراء
وقال تعالى (فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفًّا وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ) ءاية: 64 طه.
ينتج عنها الرهاب وما قام به السحرة (من إلقاء الحبال والعصي) إنما كان في مظهر جماعي متناسق يصحبه تمتمات ويتخلله همهمات غير معروفة تليق بمقام فرعون وبالجائزة الموضوعة، تبعث الرهاب في النفس بعد عدواها بواسطة العين. تمام كالإستعراضات العسكرية للجنود والدبابات والأسلحة مجتمعه (لترهبوا به عدو الله وعدوكم) وليس لتسترهبوا به عدو الله وعدوكم فهنا قوة حديدية حقيقية!!. أما الحركات الجماعية الموحدة للمصلين فتبعث في النفس الهيبة وكالإستعراض الجماعي لحركات المارشال كالجودو والتايكوندو فهي تبعث الإعجاب في النفس. وكلها لها علاقة بوظيفة النظر وهي العين ثم ينعكس من بعد ذلك على مزاجية الجمهور. وحسب تسلسل الآية أن المجيء بالسحر قد كان بعد أن حاز السحرة على إرهاب الجماهير أي بعد أن أصبحت أجهزة الإستقبال لدى الجمهور على أهبة الإستعداد.
ولم يصدر من قبل عن قوم موسى أن قالوا عنه مسحورا إلا في ءاية واحدة صدرت من فرعون أخبرنا الله عز وجل بأنه هراء مجرد ظن وليس أكيدا في قوله تعالى (... إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورًا) ءاية: 101 الإسراء
وهو من باب الحرب النفسية من فرعون قبل اللقاء. وأنا أقول صدق الله فظنك في غير محله يا فرعون، والسبب لأن موسى حين ابتداء عملية الإلقاء كان هو والسحرة كلهم داخل حلبة الإلقاء فهو يقع ضمن قطر الدائرة أو الفقاعة التي بناها السحرة من حولهم أي منطقة (اللا تأثير). والجمهور متحلقون من حولهم، فمن بداخل الفقاعة لا يمكن أن يناله أثر الإلقاء وإلا لوقع السحرة في شر أعمالهم فالساحر الدعي سيقع فريسة إلقاء الساحر العليم المحترف. أما من بخارج تلك الحلبة هو من وقع على أعينهم إلقاء السحر، ولعل رؤية السحرة لما أجراه الله على يد موسى والله أعلم هو السبب الرئيسي في إسلامهم فما رأوه داخل الحلبة كان أكشن حقيقي عن جد ليس تهريجا (وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ) هنا توقف الأداء البشري وبدأ التدخل الإلهي.
قال تعالى (قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ) ءاية: 66 طه.
- وأنا هنا أزعم - بأن موسى في لحظة إلقائهم الحبال والعصي قد إكتنفه الملاك ليوحي له بالإلقاء فهو في حال إحتجاب ولكنه مدرك لحقيقة الموقف فدخل موسى في دائرة الخيال وبذلك لم يقع تحت تأثير الإلقاء وإنما أثر الخيال فالتخيل هو تصرف صادر عن موسى مبنيًا على سابق علم بما يفعله هؤلاء السحرة ورؤيته لما قد قاموا به من قبل خلال تواجده في حياتهم اليومية (قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ)
والفرق بينهما أن أثر التخيل صادر طوعًا عن الفرد ذاته فهو يرى ما يريد أن يراه برغبته الشخصية، بينما أثر الإلقاء وارد قسرًا على الفرد فهو يرى ما يريد السحرة منه رؤيته.
الخلاصة:
لنسأل أنفسنا بعد كل هذا:
هل الجنون ذهاب العقل كما قلوا لنا؟ لا
هل المجنون ما عليه حرج؟ لا
هل محمد مسحور؟ لا
هل السحر له تأثير ؟ لا وبشدة
هل السحر هو الإلقاء؟ لا
هل موسى ساحر؟ لا
هل هم مسحورون؟ لا
هل هم مجانين؟ نعم
هل هم سحرة؟ نعم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (3)