نظرة فيما عُرِفَ بآية المباهلة
يكاد المرء يجد إطباقا بين المفسرين على الربط بين الآية 61 من سورة ءال عمران وبين حادثةٍ يُؤرخُ أنَّها وقعت بين النبي الكريم صلى الله عليه وآله وبين وفد من نصارى نجران جاءوا يحاجّون النبي بشأن عيسى (عليه السلام).
إلا أنَّ المتمعن في الآية ذاتها يشعر بالحيرة بعد مطالعة ما يُقال سيما وأنَّ الغالبية ممن يتعرضون لهذا الأمر بتلك الطريقة ينتقلون بين مشتقات الفعل الواحد من الأفعال الواردة في الآية ومعاني الكلمات إنتقالاتٍ غريبة لا يستسيغُها أيُّ مطلعٍ على فنون العربية وأدبياتها وبلاغتها.
ويشعر المتابع للموضوع بأنَّه بين حالتين فقد يكون هو ذاته في حالٍ من التخبط والجهل بما يقولونه لعيبٍ فيه أو أنَّ الأمر مختلف قليلاً! وإنّ ما يعرفه هو عن العربية كلغةٍ ذات دوال ومداليل لا يخدم الغرض الذي يرمون اليه.
المهم في الأمر أنّه لا يخرج عن إطار القاعدة العامة التي وضعها القرءان الكريم نفسه والتي تدفعنا إلى التفكر والتأمل وحشد الدليل لكلِّ فكرةٍ والمقارنةِ بين الأفكار والمقولات لاختيار أحسنها.
كاتب الكلمات لا يدعي لنفسه أنّه توصل إلى الحق الصراح ولكنَّه يفكِّر بصوت عالٍ، فإنْ أصاب شيئا نمن الحقيقه فله، وإنْ أخطأ فعليه.
لنبدأ بسبر أغوار الآية المباركة لعلَّنا نوفق إلى شيئٍ جديد والله اعلم.
مع المفسرين...
تأمل مثلا فيما يقوله الزمخشري (538 هـ) - وهو من اعلام اللغة البارزين في القرنين الخامس والسادس الهجريين- تحت الآية في تفسيره لها:
(فَمَنۡ حَآجَّكَ) من النصارى (فِيهِ) في عيسى (مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) أي من البينات الموجبة للعلم (تَعَالَوۡاْ) هلموا. والمراد المجيء بالرأي والعزم، كما تقول تعالَ نفكر في هذه المسألة (نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ) أي يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة (ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ) ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم. (إنتهى الإقتباس).
فاشار الى أنَّ معنى "نبتهل" هو "نتباهل"! وهو أمرٌ بيّنُ الضعفِ سوف يكتشفه القارئ الحصيف لو تأمل في الفعلين "نقتبس" و"نتقابس" أو "نستلف" و" نتسالف" ولنأخذ الآية التالية مثالا:
(يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورًا فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُ بَابُۢ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ ١٣) الحديد.
فهل أنَّ قولهم "نقتبس" يساوي القول "نتقابس"؟ ليس من المظنون أنَّ أحداً سيقول بأنّ القول (ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ) والتي تعني: نحن جميعا من جهة واحدة نقوم بعملية الإقتباس منكم، تساوي "نتقابس" التي تعني: يقتبس بعضُنا من بعضٍ، فنقتبس منكم وتقتبسون منّا!.
فكيف تحوَّل هذا الأمر إلى مساواة مجحفة بين الفعلين "نبتهل" - نحن بمجموعنا معا - والفعل "نتباهل" أي تبتهلون من جهتكم ونبتهل نحن من جهتنا في قبالكم؟.
دعنا ننتقل من الزمخشري الى القرطبي (671 هـ)- وهو من أبرز أعلام اللغة والتفسير في القرن السابع الهجري- وننظر كيف يقوم هو الآخر بعملية مجحفة بحق الإشتقاق اللغوي:
الأُولى ـ قوله تعالى: (فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ) أي جادلك وخاصمكيا محمد «فيه»، أي في عيسى(مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) بأنه عبد الله ورسوله. (فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ) أي أقبِلوا. وضع لمن له جلالة ورِفعة ثم صار في الاستعمال لكل داع إلى الإقبال، وسيأتي له مزيد بيان في «الأنعام». (نَدۡعُ) في موضع جزم. (أَبۡنَآءَنَا) دليل على أنَّأبناء البنات يسمَّون أبناء؛ وذلك "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول لهم: «إن أنا دعوت فأمّنوا» " وهو معنى قوله (ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ) أي نتضرع في الدعاء؛ عن ٱبن عباس. أبو عبيدة والكسائي: نلتعِن. وأصل الأبتهال الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره.(انتهى الاقتباس).
فنرى أنَّه يقدَّم لنا مجموعة من المعاني التي يحتاج قبولها إلى حجج وقرائن، فقد قال بأنَّ "المحاججة" تعني"المجادلة والمخاصمة" في حين أنَّ لكلِّ واحدةٍ من هذه المفردات الثلاث معناها الخاص وقد وردت مشتقات "جدل" 29 مرة ومشتقات "خصم" 18 مرة في النصوص القرءانية المختلفة.
فما الذي كان سيحصل لو أنَّ النصّ القرءاني استخدم إحداهما مرةً إضافيةً واحدةً هنا بدلاً من المحاججة؟ لماذا يستخدم المحاججة للإشارة إلى معنى الخصام والجدل وكل منهما له معنىً مختلف؟.
ثم لم يكتفِ القرطبي بذلك بل جعل ورود كلمة "أبناءنا" في الآية دليلا على أنَّها تشمل "أبناء البنات" - أيّ الأحفاد من البنات -!!.
وختم هذا العرض البسيط بجعل القول "نبتهل" هو: نلتعن؟ رغم أنَّه أشار في آخر النصِّ إلى أنَّ ما يعرفه عن الكلمة هو أنَّها تُستخدمُ للتعبير عن الإجتهاد في الدعاء!.
عموما يتَّضحُ من المحاولات أعلاه وأمثالها والروايات المنقولة حول حادثة المباهلة المفترضة بين النبي الكريم ووفد نصارى نجران، بأنّ الجميع – أقصد المفسرين الكرام - اقتنع مسبقاً بالحادثة وسلّمَ بوقوعها بالطريقة المنقولة في كتب المأثور والتاريخ، قبل أنْ يقرأ النصّ مجردا، وحينما جاء إلى النصّ جاء يحاول تعديل معاني الكلمات في النصّ بما يتناسب وهذه الحادثة.
ولسنا هنا في وارد التشكيك ببعض ما أورده التاريخ أو المرويات التاريخية أو تأكيدها، فهذا ليس من اختصاصنا ولكنَّنا نحاول أنْ نبدأ بقراءة النصّ منهجيا بعيدا عن أيّةِ تصوراتٍ مسبقةٍ، فإذا تمكنّا من تكوين صورةٍ مجملةٍ عن هذا النصّ انتقلنا إلى مقارنته مع ما ورد في تلك الروايات التاريخية لتصحيحها، لا لتصحيح وتعديل معنى الآية عليها.
ويبقى كل ما نقدمه من نتائج في إطار الظنون المبنية على ادراكات ذاتية للنصِّ فلسنا نختلف بالتأكيد حول فكرة وجود فارق كبير بين النصّ في ذاته وما يحمله من معنى حقيقي يمتلكه قائلُهُ وبين النصّ لذاتنا وما نتمكن من الوصول إليه من حقيقة المعنى، أيّ بين حقيقة معنى النصّ الذي لا يعلمه إلّا قائل النصّ وبين فهمنا البشري للنصّ.
لذا فإنني أُعرب عن اعتزازي وتقديري لكلِّ من يدلو بدلوه في مضمار فهم النصّ القرءاني ويقدم قرآته له فهذا إنَّما يعبِّرُ عن يقظةٍ يفوح عطرها في جسد هذه الأُمَّة تجعلها تبدو لنا كنائم فزَّ وهو يحاول لدقائق استعادة وعيه حتى يقرر بعدها كيف ينطلق في يومه الجديد.
نطلب من الله تعالى التسديد والعون وأن يطهِّر قلوبنا من الكبر والعُجُبْ.
فلنبدأ على بركة الله.
يقول النصُّ القرءاني:
(فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦) ءال عمران
أولا دعنا نفهم معنى الجذر " دَعَوَ" الذي يُمثِّلُ الأصل للفعل " نَدْعُ " والذي وردت مشتقاته في القرءان الكريم 212 مرة في أقل من هذا العدد من الآيات.
الدعو ببساطة يعني: السعي لوضع الشيئ في إطار توصيفي مناسب.
على هذا فالدعاء يعني إعطاء تفاصيل المراد تحقيقه نتيجة الحال الموجود. والدعوة تعني الطلب من أحدهم أنْ يكون ضمن إطار توصيفية معينة بذا فإنَّ الدعو يناسب النسب لذلك قال النصُّ القرءانيُّ:
(ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ٥) الأحزاب.
القرءان الكريم ينصح بنسبتهم إلى آبائهم وليس إلى عمل مأدبة مثلا يذهب فيها الأبناء إلى الآباء. فدعاؤهم لآبائهم يعني أنْ يُنسَبوا و أنْ يُصار إلى تطبيق القانون الطبيعي في النسب فإنْ لم يمكن معرفة الآباء فلا بأس بأنْ يكون الإنسان المجهول النسبِ أخاً ومولىً لكلِّ مواطنيه في المجتمع الذي سيحتضنه ويقبله فردا مكافئا للجميع.
وبذا سيتضح أيضاً معنى النصّ القرءاني:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨) البقرة.
فالنصُّ لا يشير إلى عملية الدعاء بالمفهوم المعاصر الذي ألِفناه – بأنْ ترفع يديك وتطلب شيئا - وإنَّما يشير إلى عملية وضع الامور في نصاب قوانين ذلك الإله، فدعاء الله تعالى تعني طلب تفعيل قوانينه عبر الإمساك بأولها وإستدرار نتائجها، وهي ستستجيب لأنَّ الصفة الأبرز لقوانين إلله هو انّها تعمل بطريقة آليه نمطية ثابتة مهما كانت النتائج.
لاحظ النصّ الآخر:
(لَهُ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ ١٤ وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعًا وَكَرۡهًا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ١٥) الرعد.
هنا أوضحُ المصاديق التي نستدل بها على ما نقول، النصّ يقول بأنّ له دعوة الحق، بمعنى إنّك إذا أسندتَ الامور إليهِ بقوانينه فإنَّها ستستجيب وستؤدي إلى نتيجة معيّنة، بينما الكافرون الذين يدعون من دون الله لا يتمكنون من الحصول على أيَّة نتيجة! ويوضح السبب في ذلك فيقول: بأنَّهم كالذي يرفع الماء وكفيه مبسوطة ما سيحول بينه وبين إيصال الماء إلى فمه.
بمعنى أنَّ القوانين لا تسمح بأنْ يكون الكافرون قادرين على إجابة مَنْ يدعونهم ويستنجدون بهم، لإيِّ أمرٍ لأنَّ ذلك ببساطة متعارضٌ مع القوانين الطبيعية لهذا الكون كما هو حال الذي يريد أنْ يشرب ولكنه لا يتَّبع الطريقة الصحيحة في الشرب.
وعلى هذا الأساس نقول بأنَّ هذا أوضح المصاديق، إذ ما علاقة الأسباب والمسببات وكون دعاء الكافرين في ضلال بقضية الدعاء؟
تأتي الآية التالية للآية مورد البحث فتوضح بأنَّ الأمرَ برمته متعلقٌ بقضية الله تعالى كقانون، وكيف أنَّه قانون يمكنُ الإعتمادُ عليهِ والإستنادُ إليه ليس كسائر الأمور التي لا تمثل أيَّ شيئ في هذا الكون فالله تعالى يمثل سلطة فاعلة على كلِّ ما في هذا الكون وهو الضمانة لتحقيق النتائج فكلُّ شيئ يسجدُ له ويسبِّحُ بحمده.
لذا فإنَّك إنْ نسبتَ الأُمورَ إليه وطلبته (كقانون) أنْ يحقق لك ما تريد فإنَّه سيفعل إذا كنت تستند في هذا الطلب إلى قانون طبيعي وتعمل ما يتوجب عليك من دور فيه. والله أعلم.
لنواصل رحلتنا مع الجذر"دعو" الذي بلغت مشتقاته في النصِّ القرءاني 212 مرة موزعة كما يلي:
1- الدعاء: 20 مرة.
2- القائم بعملية الدعو: 5 مرات.
3- عملية الدعو: 10 مرات.
4- الدعو الدال على النسب: 4 مرات.
5- فعل الدعو: 173 مرة.
ما يهمُّنا في هذا البحث هو الفئة الرابعة وهي "الدعو" الدال على "النسب" وهو محاولة وضع الانسان في إطار توصيفي خاص به يضعه في سلسلة القانون الطبيعي وهي الآيات الأربع التالية موزعة على مجموعتين:
الأولى: الدعو الدال على النسب:
نَدۡعُ | ءال عمران | 61 | فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ |
ٱدۡعُوهُمۡ | الأحزاب | 5 | ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا |
الثانية: الادعياء:
أَدۡعِيَآءَكُمۡ | الأحزاب | 4 | مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ |
أَدۡعِيَآئِهِم | الأحزاب | 37 | وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرًا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا |
الآن لا بدَّ لنا أنْ نفسر لماذا وضعنا الآية مورد البحث مع هذه المجموعة ولم نجعلها مع مجموعة الدعاء؟
الامر متعلق بعدة امور منها ما يلي:
1. إقتران فعل "ندعُ" بفعل آخر سبقه وهو "تعالوا"، فلو كانت القضية تعني دعوة للإجتماع لما احتجنا إلى فعلين فامّا أنْ يقول النصّ "تعالوا برجالكم ونسائكم واطفالكم ونحن برجالنا ونسائنا واطفالنا" أو أنْ يقول "فلندعو منكم رجالا ونساءا واطفالا ومنا رجالا ونساءا واطفالا " أو" فلندعو رجالكم ونساءكم وأطفالكم ورجالنا ونساءنا وأطفالنا" أو ما شابه ذلك.
المهم أنْ لا يستخدم فعلين مضارعين بنفس المعنى وللتعبير عن نفس القضية فهذا ليس من البلاغة في شيئ. ومجيئ الفعلين واحدا بعد الاخر، يعني أنَّ معناهما مختلف والأمر كما لو أنَّك قُلت: تعالوا لنأكل. فهذا معناه وجود فعلين مختلفين، تقصد بالاول جمع المجموعة المخاطبة وبالفعل الثاني ممارسة عملية الأكل.
2. إنَّ الآية بدأت بالإشارة إلى أنَّها تأتي في إطار محاججة علمية وليست في معرض إثبات قضية خلافية على مقام أو مسؤولية. ومشتقات الجذر "حجج" جاءت في 33 موضعا منها 19 موضعا تشير إلى أسماء وصفات و14 موضعا آخرى تشير إلى معنى التحاور المبني على الحجَّةِ والدليل والبناء المنطقي للأُمور بهدف التوصلِ إلى هدفٍ معين يحقق استقامة البناء المعرفي نتيجة إنطباقه مع المنطق وهي كما يلي:
حجَّ: فعل ماضٍ فاعله "هو".
حالة الانطلاق نحو بيت الله من اجل تحقيق سلامة البناء المنطقي في العبادة.
حَجَّ |
البقرة |
158 |
إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ |
المجموعات الأخرى تشير إلى عملية المحاججة المبنية على مقارعة الدليل بالدليل وهي كما يلي:
حاجج: حاجَّ في اكثر من مناسبة وفي اكثر من قضية.
حَٰجَجۡتُمۡ |
ءال عمران |
66 |
هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِ عِلۡمٞ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ |
حاجَّ: بمعنى تحاجج وقارع الحجة بالحجة وقارع الدليل بالدليل في قضية واحدة
حَآجَّ |
البقرة |
258 |
أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِۧمَ فِي رَبِّهِٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ |
حَآجُّوكَ |
ءال عمران |
20 |
فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ |
حَآجَّكَ |
ءال عمران |
61 |
فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ |
حَآجَّهُ |
الأنعام |
80 |
وَحَآجَّهُ قَوۡمُهُ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيًۡٔا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ |
يحاجّون:
يُحَآجُّوكُم |
البقرة |
76 |
وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ قَالُوٓاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمۡ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ |
يُحَآجُّوكُمۡ |
ءال عمران |
73 |
وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ |
يُحَآجُّونَ |
الشورى |
16 |
وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ |
تحاجّون:
أَتُحَآجُّونَنَا |
البقرة |
139 |
قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ مُخۡلِصُونَ |
تُحَآجُّونَ |
ءال عمران |
65 |
يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِٓ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ |
حَٰجَجۡتُمۡ |
ءال عمران |
66 |
هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِ عِلۡمٞ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُون |
أَتُحَٰٓجُّوٓنِّي |
الأنعام |
80 |
وَحَآجَّهُ قَوۡمُهُ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيًۡٔا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ |
يتحاجون: فريق يحاجج فريق
يَتَحَآجُّونَ |
غافر |
47 |
وَإِذۡ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَٰٓؤُاْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعًا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ ٱلنَّارِ |
وكل ما أوردناه يشير إلى عملية مقارعة بالمنطق والدليل وليس فيها أيُّ ءاية تُشير إلى مخاصمةٍ أو جدل، وإنْ صحّ احتمال أنْ تكون المحاججة مقترنة أحيانا بجدل وخصام.
ويمكن إجمال بعض الملاحظات هنا كما يلي:
1. إنَّ البناء العام للآيات قائم على أساس توضيح بعض العلاقات المنطقية بين الأمور.
2. إنَّ أغلب الآيات تشير إلى قضية العلم على أنّه المـَعين الذي ينبغي أنْ تستند إليه أيَّةُ محاججة.
3. إنَّ النتائج في كلِّ الآيات موكولة إلى الله تعالى كإطارٍ عامٍ سعى القرءان الكريم إلى تثبيته باعتبار أنَّ مصير الناس إليه تعالى ليُجري حسابَهم على أساس قوانينه ونُظُمِهِ.
وبذا نلاحظ أنَّ حشر أيَّ مظهرٍ من مظاهر المخاصمة في الآية مورد البحث أمرٌ أقل ما يقال عنه أنّه غير دقيق.
3. إنّ معنى الكلمات الاخرى الواردة في الجملة والمشتقَّةِ من معنى"الإبتهال" والصيغة التي وجِهت فيها الدعوة وعدد آخر من الأسباب تحول دون إمكانية وضع هذه الاية مع غير الآيات الدالة على الدعاء وسوف نستعرض كل ما فهمنا أنّه يتعلق بهذه الآية كما يلي:
ولفهم الآية بشكل أدقّ لا بدَّ لنا من مراجعةِ السياق الذي جاءت فيه وهذا يحتاج منّا العودة إلى الوراء قليلا للإطلاع على الأجواء التي مهَّدت لمجيئ الآية موضع البحث، ثم الإسترسال قليلاً إلى الأمام لمعرفة مصير الحديث بأكمله.
عليه سنورد فيما يلي المجموعة الكاملة للآيات التي نرى أنَّها ترتبط بالموضوع بطريقة أو بأخرى.
يقول تعالى:
(إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٤٥ وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلًا وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٤٦ قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٤٧ وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ ٤٨ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بَِٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيَۡٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةً لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٤٩ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ وَجِئۡتُكُم بَِٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ٥٠ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ ٥١ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٥٢ رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٥٣ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ٥٤ إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٥٥ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٥٦ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥٧ ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ ٥٨ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ٦٠ فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦٢ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٦٣ قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِ شَيًۡٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤) ءال عمران.
تبدأ القصة بحديث الملائكة مع العذراء مريم والبشرى التي زُفَّتْ اليها بقرب حصولها على كلمةِ الله عيسى بن مريم.
ثم تنتقل للحديث عن عيسى عليه السلام نفسه وما تعرَّض له من قومه والمعجزات التي جاء بها والإنذارات التي وجهها لقومه حتى تصل الآيات 52 و53 للحديث عن تلك الثُلَّة المؤمنة من بني إسرائيل التي وقفت مع عيسى، ثم يختم الحديث في الآية 55 بدعوة الله تعالى لعيسى والوعد بالنظر فيما اختَلفَ فيه قومُه من بعده ويؤكد النصُّ في الآيات 56 و57 بانَّ الله سيعذب الذين كفروا من بني إسرائيل عذابا شديدا في الدنيا والآخرة كما انَّه تعالى سيوفِّي المؤمنين من بني اسرائيل اجورهم.
وتاتي الآيتين 58 و59 كمدخل إلى ءاية المباهلة، فتشير إلى أنَّ ما تقدم من الآيات هو نوع من كشف الغيب للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله، ثم البدء بالحديث عن قضية عيسى عليه السلام فتُعطى الحقيقةُ كاملةً لنبينا محمد عليه السلام مع حَثِّه على عدم إطالة المراء في هذا الموضوع فيقول النصُّ القرءانيُّ:
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ٦٠) ءال عمران.
بعدها تأتي الآية التي عُرِفَتْ بآية المباهلة:
(فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١) ءال عمران
لنسجل أولا الملاحظة التالية:
إنّ النصَّ دلف إلى الحديث عن موقف الرسول الكريم المطلوب إتخاذه مع من حاجَّه في قضية عيسى بعد أنْ ثبَّت في قلبِ النبيِّ الكريم حقيقةَ القضية وهي إنَّ مثل عيسى عنده تعالى كمثل آدم خلقه من تراب.
هذه النتيجة التي قدَّم فيها الباري الحديث عن الموقف المطلوب من النبيِّ إتِّخاذهُ، مهمَّةً للغاية بإعتبارات عِدَّة منها:
1. إنَّه لو كان هناكَ شكٌّ في قلب الرسول الكريم ولو بقدرِ ذرةٍ صغيرةٍ فإنَّ موقفه سيكون ضعيفاً أمام من يُحاجَّه في هذا الأمر.
2. إنّ هذه المعرفة التي ستربط بالنتيجة على قلب الرسول الكريم وتُطلق له اليد في محاججة الآخرين، تعني أنَّ الباري عزّ وجل مهتم بهذه القضية كثيرا.
3. الإعتبار الثالث الذي يتجلى بشكل غير مباشر من هذه الآيات هو أنَّ الموضوع برمته موضوع علمي إستدلالي لإثبات فكرة إيمانية معينة تؤدي إلى توحيد الله وتنزيهه عن أيِّ ندٍ أو شريك أو عن أيَّة حاجة تقلل من كمال وجوده، وتنفي العلاقة المباشرة بين الله تعالى وأنبيائه ورسله ليبقى الربُّ ربَّاً والعبيدُ عبيداً.
ولنبدأ الآن ببحث الكلمات المفتاحية في الآية المباركة - على قدر علمنا - لفهم المقصود الإجمالي منها.
1- العبارة المهمة الاولى هي "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ" أيْ مَنْ أراد أنْ يناظرك أو يبحث معك قضية عيسى عليه السلام بطريقة علمية فاحتج عليك بدليل معين مثلا وطلب منك الدليل على ما تقول، فقل له كذا وكذا.
أشرنا أعلاه للتعريف البسيط الذي يمكن جمعه للجذر "حجج" من مختلف مواقع المشتقات القرءانية لهذا الجذر ومن معاجم اللغة مع إجراء عمليات تشذيب وتخليص للنصوص التي أوردوها مما علق بها من امور كان من الواضح أنَّهم يوردونها من اجل تحاشي الإصطدام مع سدنة التراث الروائي والحديثي والتفسيري.
وهو كما أسلفنا:
حجج: حركة مقصودة ومبنية على أساس من المراكمة المنطقية تهدف للوصول إلى هدف معين مقصود يُعتقد أنَّه يحقق الراحة والطمأنينة عبر عدم اختراق الترتيب المنطقي والإنسجام مع الحركة العامة لقوانين الكون.
ويمكن لمن شاء أنْ يراجع كتب اللغة سيجد المعاني إيّاها مبعثرة بينها لم يتم جمعها جميعا في تعريف واحد جامع شامل. وفي الحقيقة فإنّ ما قمنا به هو الآخر من هذا القبيل إلّا أنّنا يمكن أنْ نكون طورنا ورتبنا ما أوردوه وجعلناه في حلَّةٍ اكثر ترتيبا والصق تعبيرا عن ما يزخر به الجذر من معاني.
المهم أنَّ ما قدمنا هو المعنى الذي نظّن بدقته - والظنّ ليس سوى يقين ذاتي - وشموله للجذر "حجج". والله اعلم.
فالحجُّ المعروف هو: سفر قاصد للوصول إلى هدف معين فيه يقين وراحة.
والحُجة هي: تركيبة مقصودة قاصدة للوصول إلى هدف معين يحقق اليقين والراحة في تناول فكرة معينة وطرحها، يراد منها إيصال الطرف المحاجَجْ إلى ذلك اليقين وتلك الراحة.
والمحاججة هي: استخدام الحجة للإيصال إلى الهدف اليقيني المريح.
وهكذا يمكن تطبيق هذا المعنى على كل مشتقات "حجج" في القرءان الكريم والتي بلغت 33 مشتقَّة.
طبعا الحجَّة التي يجري تسليح النبي الكريم بها أصبحت شبه معروفة، فالنبي الكريم إذا ما أثار معه أيُّ شخصٍ قضية عيسى المقترنة دوما لدى النصارى بمفهوم أبوَّة الله تعالى لعيسى- معاذ الله- فإنّ النبي ومن بعدِ ما جاءه من العلم من الله تعالى في الآيات السابقة سيقول: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ.
حينها بالطبع فإنَّ الذين لا يؤمنون بهذا القول سيحاولون محاججة النبي الكريم، أيْ أنَّهم سيطرحون إشكالاتهم وأدلَّتهم ويطالبون النبي صلى الله عليه وآله بالدليل على مدّعاه.
إذن الآية في معرض تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيفية الإستدلال على ما سيقوله، من أنَّ عيسى خُلق من تراب وليس من الله مثلا - والعياذ بالله.
وهذا يعني أنَّ أجواء الآية أجواء علمية تعني بالدليل والردّ على من لا يقبل بهذه الفكرة البسيطة ويطلب دليلا علميا على ذلك بطريقة المحاججة وتقديم الدليل سعيا للوصول إلى الهدف المقنع والحاث على خلق اليقين والإطمئنان.
2- المفتاح الثاني هو كلمة " نَدْعُ " والمشتقة من الجذر " دعو". وكما أسلفنا التوضيح في أعلاه فإنَّ الدعو : ببساطة يعني وضع الشيئ في إطار توصيفي مناسب. وقلنا أنَّ "دعى" تعني وضع إطار توصيفي للمدعو لكي يلتجأ اليه أو يستجيب اليه والدعوة على هذا الاساس هي عملية وضع التوصيف المقصود للمدعو.
ودعي تعني: انه وضع توصيفا لشخص معين بإرجاعه إلى أصله وهو أبيه. عليه فان كلمة "ندعُ" تقبل معنى الدعوة التي يقصد منها: وضع إطار توصيفي للحالة المطلوب من المدعو الذهاب اليها.
أو أنْ يكون المقصود هو الدعي الذي يعني: وضع التوصيف المناسب لإرجاع شخص معين إلى أصله وهو التنسيب أو الإنساب أو النَسْبُ. كما هو الحال في النصِّ القرءانيِّ في سورة الاحزاب الاية 5 :
(ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ٥) الأحزاب
وبناءا عليه سيبدو أنَّ المعنى الأخير هو الراجح، فلو كان في ءاية الإبتهال دعوة للآخرين وطلب حضورهم لكان السياق يقتضي أنْ تكون الآية "ندع أطفالنا وأطفالكم ونساءنا ونساءكم ورجالنا ورجالكم" أو "ونحن وايّاكم" أو"وأنتم وإيانا" أيْ بصيغة تعبر عن أشخاص حقيقين لا عن عن أنفس وحالات ماهوية.
واستخدام الاطفال كان أبلغ لو كانت القضية كما تُروى لأنَّ المقصود هو وضع الأنواع العمرية والجنسية أمام الله تعالى بينما الأبناء لا تشير إلى الأعمار إطلاقا فقد يكون الأبناء رجالا راشدين مما لا ينفع في مثل ما تشير اليه القصة.
الآية ركزت على الإشارة إلى عملية التناسل كما هو واضح والآية باستخدامها عبارة" وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ " لا تُبقي أمامنا مجالا سوى الإعتقاد بأنَّ القضية المطروحة هي قضية ذهنية إدراكية مطلوب التأمل فيها واستحضارها ذهنيا وليس حضور أشخاص بأجسامهم المادية. وذلك إنسجاما أيضاً مع دأب القرءان الذي يركز في الغالب على المفاهيم ويبتعد عن المصاديق كلما كانت الامور التي يطرحها علمية وعقلية ويكون أقرب للمصاديق كلما كان الحديث عن وقائع. وسوف يتضح ذلك معنا أكثر إنْ شاء الله.
3- المفتاح الآخر هو لفظة "نَبْتَهِلْ" وهي إحدى مشتقات الجذر "بَهَلَ" وهي هنا تعتبر أم المفاتيح في محاولة الوصول إلى المعنى المقصود من الآية.
وبهل ببساطة تعني: كشف المستور بعملية مقصودة وموجهة لإزالة كل ما يغطي ويمنع عن الظهور.
والإبتهال إلى الله يعني محاولة كشف الحجب والأستار للوصول إلى لبِّ الحقيقة والحصول على المراد. أو طلب كشف الغُمَّةِ والهمّ. وهو معنى تجده مبثوثا في كتب اللغة مضافا اليه أمور أخرى غير مرتبطة به لا من قريب ولا من بعيد.
وبمراجعة قواميس اللغة العربية يمكننا أنْ نحصر المعاني التي أوردوها لهذه الكلمة بالتالي:
1. بهل: بمعنى كشف والناقة تسمى باهل إذا نزُع عنها صُرَّة توضع على ضَرعِها لمنع فصيلها من إرتضاعها. ومنها استُخدمت هذه الكلمة للتعبير عن الناقة التي لا غطاء على ظهرها ثم استخدمت للفَرَسْ كذلك.
2. بهل: بمعنى تجرَّدَ إذ يقال للراعي الذي لا عصا له باهل. (انتهى الاقتباس) – راجع: مفردات القرءان الكريم للراغب الاصفهاني/ لسان العرب لابن منظور ومعاجم أخرى كثيرة.
اقول: ومن هذا المعنى جاء المعنى المرتبط بالدعاء اذ يبدو أنَّ المقصود من الإبتهال المرتبط بالدعاء هو التجرد وإزالة الحجب بين الإنسان وربِّه للطلب منه، لذلك نجد أنَّ الإبتهال مرتبط دوما بالتضرع فيقال "ابتهلِ وتضرَّعَ" ويقال "الإبتهالُ والتضرُّعُ" ولا يقال " التضرُّعُ والإبتهالُ" إلّا خطأً لان الإبتهال لا بدَّ أنْ يكون أولا سيما إذا أخذناه بالمعنى الأول المباشر، فإذا أراد أحدهم أنْ يتضرَّع لبنا من ضِرعِ الناقة أو البقرةِ فلا بدَّ له أولا من أنْ يبتهل أو أنْ يبهلها بأن يقوم بإزالة الصُرَّة – وهي خرقة يُغطى بها ضِرعُ الناقةِ لكي يُمنع عنها فصيلها- ثم يبدأ بحلبها وأخذ اللبن منها.
3. بهل: بمعنى ساح دون قيود فإذا تُركت الإبل ترعى دون قيد، سمِّيت باهلة.
4. بهل : بمعنى لعن. (انتهى الاقتباس)
اقول: والمعنى الأخير معنى غريب عن روح الكلمة، لم يورد علماء اللغة له دليلا من كلام العرب السابقين ولكنهم استدلوا عليه من الآية مورد البحث، بعد أنْ حاولوا تفسير الآية بقصة من خارج القرءان الكريم.
أي أنَّهم كانوا يريدون تفسير الآية بطريقةٍ تجعلها متوافقةً مع القصة التي سمعوها، لذلكَ وقعوا – في رأيي - في مطبّ.
(فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١) ءال عمران
إنّ اعتبار "البهل" بمعنى "اللعن" سيجعل من إيرادها بالشكل الذي وردت فيه في الآية نوعا من اللغو، بإعتبار أنَّ النصّ إستخدم كلمة اللعن بعدها مباشرة – فقال فنجعل لعنة الله على الكاذبين - فلو كان معنى "الإبتهال" هو "الملاعنة" كما قالوا لكان ممكنا القول: فنبتهل ليلعن الله الكاذبين. دون استخدام عبارة "فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ" فيُكتفى بأحد الفعلين، بإعتبار ان الإبتهال يستبطن اللعن.
أو يقول : فنجعل لعنة الله على الكاذبين. دون استخدام كلمة الابتهال.
وهو ما ليس موجودا بالفعل ما يعني أنَّ هناك اختلافا بالمعنى بين المباهلة واللعن. عليه فإنَّني أظنُّ بأنّ للكلمة معنى واحد لا غير وهو:
بَهلَ: محاولة كشف المستور ومعرفة لبّ الامر. وليس اللعن. والله اعلم.
بعض المفسرين حاول مشابهة هذه الآية بآيات الملاعنة الواردة بحق الزوج الذي يتهم زوجته بالزنا وهي:
(وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٦ وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٧ وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٨ وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٩) النور
غير أنَّ هذه الآية تعتبر دليلا على عدم صحة تفسير ءاية المباهلة الرائج إذ لم يرد فيها لفظ المباهلة أصلا واكتفت الآية بإيراد فعل اللعن فقط وهو ما أشرنا اليه قبل قليل.
والفرق بين الحالتين واضحٌ بيّن، كما أنَّ المقارنة بين الحالتين تنسف الحادثة التاريخية برمتها. وذلك للأسباب التالية:
1. إذا كان المطلوب من المباهلة هو أنْ تظهر النتيجة بشكل مباشر فإنَّ الأمر ليس كذلك في تلك الآيات من سورة النور، إذ أنَّ الأمر موكولٌ بعد الملاعنة إلى الله ولا يعلم أحد إنْ كان العذاب سيحل بأحد الزوجين في هذه الدنيا أو في الاخرة.
ولو كان الأمر في ءاية المباهلة نفسه فما هي الفائدة من المباهلة إذن؟ إذا كان العذاب سيحلُّ بأحدِ الفريقين في الآخرة وليس في هذه الدنيا فكيف سنعرف من هو الكاذب ومن هو الصادق؟.
2. أمّا إذا قيل بأنّ لعنة الله ستحلّ على الطرف الكاذب حين المباهلة في هذه الدنيا فإنّ هذا سيعني حلول اللعنة على من حاجَّ الرسول في قضية عيسى وهم أصحاب الفكر والعلم والمعرفة الذين يريدون معرفة الحقيقة فإنّ قتلهم سيعني الحكم عليهم مسبقا بالعذاب وبجنهم لأنَّهم لن يروا نتيجة المباهلة على ايّة حال.
3. كذلك فإنّ قتلهم سيعني بأنَّ قومهم لن يؤمنوا من بعدهم بإعتبار أنَّ قناعة قومهم مرتهنة بقناعة كُبرائهم الذين وفدوا على الرسول لمحاججته وليس بشعورهم بأنَّ المسلمين انتصروا عليهم وقتلوا وفدهم. وهم لن يعرفوا تفاصيل القصة من طرف يثقون به فهذا لا يعني أنَّ الله قد حكم مسبقا على وفد نجران وحسب، وإنَّما على قومهم بالبقاء على ضلالهم. وهذا قمة اللاعدل - حاشا لله. فالنصُّ القرءانيُّ يقول: (وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ٣) الحشر.
4. رغم كل هذا إذا قبلنا بأنّ المعنى المراد من الآية هو المباهلة المفضية إلى نزول لعنة الله على الكاذب فإنّ هذا سيكون قمة التجبر من طرف الرسول الكريم - حاشاه- إذ معنى ذلك انّه يقول لهم: إنَّني واثق مما أقول حول عيسى عليه السلام وإذا كنتم لا تؤمنون لي بذلك فإنَّني سأقضي عليكم أنتم وأبناءكم ونساءكم!!، أيْ أنَّني سأجتثكم.
وقد ذكرتني هذه الحالة - المفترضة – بطرفةٍ سمعتها أو قرأتها – لا أذكر - عن شخص يقال إنَّه ادعى النبوة في زمن أحد الخلفاء العباسيين وحينما جيئ به إلى الخليفة سأله الخليفة ما آيتك؟ قال: إنَّني إحيي الموتى. فقال له الخليفة وكيف تفعل ذلك؟ فقال: أقتل وزيرك هذا وسوف أُعيده إلى الحياة مجددا أمام عينيك. فصاح الوزير من مكانه: آمنت بهذا النبي الجديد!.
إنَّ القناعات العلمية التي عودنا القرءان الكريم على أنَّه يدفع الجميع نحوها لا تكون بطريقة التهديد وهو القائل:
(قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢٤) سبأ.
(ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ ١٢٥) النحل.
(لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٥٦) البقرة.
كما أنَّ النصَّ يريد أنْ لا يبقى للناس على الله حجة فكيف ينزل العذاب وهو القائل:
(وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ ١٣٤) طه
وفي الحقيقة فإنَّ حُجّة الكفار كانت دوما - وكما أشار اليها القرءان الكريم – الطلب من أنبيائهم أنْ يطلبوا من الله إنزال العذاب وتعجيله لهم إنْ كان رسول حق وما كان الله يستجيب لهم أبدا:
(وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَوۡلَآ أَجَلٞ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَيَأۡتِيَنَّهُم بَغۡتَةً وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ٥٣) العنكبوت.
(وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ ٤٧) الحج.
(وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٢) الأنفال.
(وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُٓ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٨) هود.
وآيات أخرى.
لذا فان المرجَّح أنْ يكون معنى الكلمة هو: كشف المستور والوصول إلى لبّ الحقيقة. كما سيثبت معنا أكثر وأكثر.
الآن ناتي إلى الآية ونحاول إستجلاء معناها مما قدمنا فنقول ماذا لو كان معنى الآية هو التالي:
فاذا حاجك أحدٌ في قضية عيسى بعد أنْ كشفنا لك حقيقة الأمر، وطلب منك دليلا علميا على هذه الحقيقة فاعرض القضية عليه بهذه الطريقة وقل له - أو لهم - تعالوا نتأمل في قضية البنوَّة والأبوَّة فننظر في أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ونحاول أنْ نكشف مستور هذه القضية بكل علاقاتها الجدلية شريطة أنْ لا نكذب إذا ظهرت الحقيقة أمامنا. أمّا إذا كذَّب أحدنا وجحد الحقيقة فإنَّنا نقبل أنَّ يُحِلَّ اللهُ لعنته على الطرف المكَذِّب.
الآن لنستوضح الدليل كما أراد النصُّ من النبي الكريم أنْ يعرضه. فلماذا طلب أنْ يتم كشف المستور في قضية الأبناء والنساء والأنفس؟ وما هو هذا المستور؟.
من الواضح أنَّ النصَّ القرءاني أراد من هذا الدليل ومن خلال ذكره لأبناء المسلمين من جهة وأبناء النصارى من جهة أخرى ونساء المسلمين ونساء النصارى ورجال المسلمين ورجال النصارى، أراد من التذكير بهذه الثلاثية عدة أمور منها:
1. ثبيت حقيقة عدم وجود فرق بين الجانبين. فأبناء الطرفين يولدون بطريقة متشابهة ونساء الطرفين تلد بطريقة متشابهة بعد تحقق معنى النكاح ورجال الطرفين أيضاً لا تاتيهم المواليد إلّا بعد النكاح للنساء. والنصُّ أراد تثبيت هذه الحقيقة أولا لكي ينبني الدليل عليها حتى لا ينكرنَّ أحدٌ جريان هذه القضية في جميع بني البشر فيقول بأنَّ النصارى مثلا تختلف عندهم هذه القضية عن المسلمين.
2. تثبيت حقيقة أنَّ كل طرف في هذه المعادلة الثلاثية محتاج إلى الطرفين الآخرين فالإبن لا ياتي إلى هذه الدنيا إلّا من أبوين والمرأة لا تلد إبنها إلّا بعد أنْ تتشارك مع رجل والرجل لا يمكنه أنْ يلد لنفسه إبنا إلّا بمساعدة المرأة. بذا فإنَّ الأطراف الثلاثة محتاجة.
3. إنّ هذه المعادلة الثلاثية تنطبق على الجميع فالإبن إمّا أنْ يكون رجلا أو إمراة ويكون طرفا في هذه المعادلة ويأخذ دورا آخر فيها بالنسبة إلى أطراف آخرين والمراة كانت قبل ذلك إبنة والرجل كذلك فإذا تمَّ إرجاع كل واحد إلى أصله فإنَّنا سنصل بالنتيجة إلى رجل وإمراة إبتدأ الخلق منهما وهما المجموعة البشرية الاولى التي تمثل "الانسان المفكر" كما يسمونه علماء التطور وهو الجمع الذي يطلق القرءان عليه لفظ "آدم" والحجة في ذلك هي الإشارة إلى أنَّ عيسى جاء من عاملين اثنين كما هو الحال في مجموعة الانسان العاقل الاول:
- فهو نتاج للتراب الذي تمّ تطويره عبر الاف بل ملايين السنين "خلقه من تراب".
- ثمّ هو نتاج الطفرات الوراثية "كن فيكون" والتي يجري عبرها تنشيط صفات معينة وتطوير صفات اخرى وتعطيل ثالثة.بمعنى التعديل الجيني.
وهذا هو التشابه بين آدم - كمجموعة بشرية جاءت عبر العاملين: التطوير الهادئ والطفرات والتعديلات الجينية- وعيسى - كإنسان واحد نتج من نفس ذينك العاملين وهما التطوير المتدرج الهادئ حاله في ذلك حال كل البشر الانسيين - والتعديل الجيني الذي وقع على أمه مريم بطريقة من الطرق لكي تحمل به والله اعلم بها.
4- إنَّ هذه المعادلة الثلاثية - العلاقة بين الوالدين والأبناء - تنطبق على كل البشر ولكنها لا تنطبق على خالقهم الذي لابد أنَّه غير محتاج في وجوده إلى سواه.
هذه عملية الابتهال التي كشفت لنا مستور القضية. فإذا أُنكِرَ أيُّ طرف منها وهو أمر متوقع من المتكبرين المتعنتين فهو كاذب ولما كنّا نريد الوصول إلى الحقيقة فإنَّنا نحذِّر أطراف المحاججة من الكذب لأنَّ ذلك سيضيّع علينا قيمة الدليل لذا فإنَّنا نطلب من الله أنْ يجعل لعنته على الكاذب وهو أمر مرتبط بالله ولا ندري كيف سيتعامل فيه سبحانه وتعالى مع الكاذبين في هذه القضية.
والحقيقة التي تتجلى من وراء هذا الاستدلال هو أنْ تطبيق هذا المعنى على قضية عيسى سيعني أنَّ الله تعالى إذا أراد أنْ يلد إبنا(حاشاه) واحتاج إلى شريك لإتمام هذه العملية فإنَّ هذا سيعني بالضرورة بأنَّه محتاج ولا بدَّ أنَّه كان ذات يوم إبنا لغيره وهذا سيخرجه من مقام الربوبية والالوهية تماما.
إذن فهو تعالى كقانون ليس بحاجة إلى الدخول بنفسه كطرف لخلق إنسان من إمراة دون رجل سيما وإنَّه تعالى كانت له تجربة سابقة بخلق جيل آدم العاقل المفكر القادر على الكلام ومراكمة المعرفة من جيل سابق أو أجيال سابقة له لم تكن لهم تلك القدرات. والله اعلم.
يعضد ما قدمناه من تحليل، المعاني التي تشير اليها الآيات التي تلت ءاية المباهلة إذ يقول النصّ القرءاني:
(إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٦٢) ءال عمران.
والمفتاح هنا هو كلمة "القصص" والتي لا تعني القصة أو الرواية - كما يتبادر بداهة إلى الذهن - وإنَّما تعنى "الاستدلال" فقصّ: بمعنى تتبع الأثر وطبَّقَ أمرا على أمر والقصص هنا تعني: التدرج في عرض الأدلة وبنائها بعضا على بعض بقصِّ بعضها على بعض وإتباع بعضها بعضا وبالطريقة التي أشرنا اليها في أعلاه للوصول إلى النتيجة التي توصلنا اليها أيضاً.
كذلك فإنَّ هناك دليل على أنَّ الاية لم تكن بمعرض تهديد أعضاء الوفد النصراني وإنَّما حثهم على التفكير في الأمر وهو الاية التي تلي الايتين اللتين أشرنا اليهما وهي الاية 63 والتي تقول:
(فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٦٣) ءال عمران.
بمعنى أنَّهم إذا عاندوا ولم يقبلوا بهذا الدليل فإنّ أمرهم موكول بالنتيجة إليه تعالى ولا يجوز لأيِّ أحدٍ التدخل في مصيرهم.
ثم إنَّ الاقوى في الاستدلال على ما أشرنا اليه هو الآية 64 التي يقدم فيها النصّ دعوة لاهل الكتاب كافة للقبول بمشتركات الأديان السماوية فيقول سبحانه:
(قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِ شَيًۡٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤) ءال عمران.
فلو كان أمر المباهلة هو نوع من إستنزال العذاب من ربّ العالمين لإهلاك الطرف المقابل لما كان هناك من أمل في توجيه مثل هذه الدعوة الربانية الرحيمة والتي تشير إلى قبول الآخر بأقصى درجات القبول رغم كل الإختلافات في الرأي.
هذا والله اعلم.
ملاحظة منهجية: أول من سمعت منه تفسيرا مختلفًا عن المألوف في هذه القضية هو الاستاذ أحمد المهري وذلك قبل حوالي ستة أعوام أو أكثر والمتعلق بدليل المحاججة، عليه فكل ما جاء في هذا الموضوع منطبقا مع ما يقول به الأُستاذ المهري – والمرجعية في ذلك قوله هو - فهو منه وكل ما يختلف معه فهو رأيي وفهمي للنص بناءا على منهجيتي التي قد تؤدي تلقائيا في بعض الأحيان إلى نفس النتائج التي يتوصل اليها آخرون. والحمد لله ربّ العالمين.
التعليقات على الموضوع (10)