مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
(وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٤٨ وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩ أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمًا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠) المائدة
تبين الأيات أن الله أنزل الكتاب بالحق ومصدقًا لما بين يديه من الكتاب فلا يوجد اختلاف بينه فلكل أمة نصيب من الكتاب، ولم يترك الرحمن أمة من غير أن ينزل إليهم كتاب يأمرهم بالقسط والعدل وتوحيد الله وحده والكفر بالطاغوت. فالذى أُنزل للرسول من الكتاب مصدقًا لما معهم، وكذلك هو الأمر نفسه مع عيسى ابن مريم اتاه الله الكتاب مصدقًا لما بين يديه من الكتاب من التوراة واتاه الانجيل، فكلٌ مصدقًا لما أُنزل من قبله. ولا اختلاف إلا فى أحداث وقصص حدثت لأمم فى زمانها ويقصها الله كعبرة وموعظة كما فى الأحداث التى حدثت فى قتال بنى اسرائيل وكيف فعلوا مع رسولهم، وكيف حدثت مواقف مع داود وسليمان وغيرها الكثير. وكل قصة تحدث يقصها الله للأمة التى تلى لتكون لهم عبرة، فذكر رسل الله وأعمالهم هي أسوة لنا وقدوة نهتدى بها. وهى غيب ولنا شهادة بها من الله وليست حديث بشر أو رجم بالغيب.
(وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡ فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ٤٣ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ٤٤﴾ النحل
فما ذُكر عند الرسول فى الذكر، قد ذُكر فى الأمم التى سبقت من أهل الكتاب، وهذا ءاية لقوم الرسول، حيث أن علماء بنى اسرائيل يعلمون نفس قصص الرسل الموجودة فى كتبهم.
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٩٦ أَوَ لَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُ عُلَمَٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ١٩٧﴾ الشعراء
وقد ذكر الله أيضًا أن ما أُنزل للرسول هو مهيمن على الكتاب، فقد حفظ الله ما أنزل من قبل وبين ما أخفوه من الكتاب وعفا عن كثير. وبين لهم ما فعلوا من قبل أن يُنزل القرءان. وكيف أنهم اتبعوا رهبانهم وكفروا بعيسى الذى بعثه الله لنفس الامر لبيان ما اختلفوا فيه وما افسدوا من بعد الرسل. وأيضا انقسام بنى اسرائيل الى فئتين، طائفة منهم هم الحواريين وفئة اخرى بقيت على ما هى عليه ولم تؤمن بعيسى كرسول الله اليهم. وبعد عيسى أيضًا كفروا واختلف الذين ءامنوا بعيسى وأتبعوا رهبانهم واشركوا بالله، وكتبوا من اهوائهم ما هو مخالف لكلام الله وقالوا هو من عند الله وما هو من الله كالذى نراه اليوم، وما استمروا عليه أو ما ابتدعوه إفتراًء من عند انفسهم.
ففي زمن الرسول كانت هناك فئة مؤمنة تؤمن بكتاب الله ولا تكتم منه شىء ويقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة ويعرضون عن اللغو فعندما جاءهم ما عرفوا من الحق امنوا به فهم كانوا مسلمين من قبل، واسلموا لله وحده وءامنوا بكل كتاب يأتى مصدقًا لما معهم، ولم يكتموا الله حديثًا ووفوا بعهدهم الذى أخذه الله عليهم.
(وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨٣ وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّٰلِحِينَ ٨٤ فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٨٥﴾ المائدة
وكذلك:
(وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٥١ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِ هُم بِهِ يُؤۡمِنُونَ ٥٢ وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِ مُسۡلِمِينَ ٥٣ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٥٤ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي ٱلۡجَٰهِلِينَ ٥٥﴾ القصص
فكل اتباع لغير كلام الله من دون سلطان منه فهو جهل، والإيمان بذلك الجهل هو إشراك بالله وتقَوّل على الله بما لم يأذن به وما لم يقله، وتعالى الله علوًا كبيرًا عما يشركون.
اما الجانب الأخر أو الفئة الأخرى التى كفرت:
(وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٨٩ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ ٩٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمۡ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٩١﴾ البقرة
فهم كانوا كافرين من قبل أيضًا حيث لا يؤمنوا إلا بما هم عليه، وأنبياء الله إليهم قاموا بقتل البعض منهم وكذبوا الأخر فلعنهم الله بكفرهم. ويأمر الله رسوله أن يحكم بينهم بما أنزله إليه من الحق الذى لا يأتيه الباطل، وأن لا يتبع اهوائهم حتى لا يفتنوه ويضلوه عن ما أنزله إليه وما يضلون إلا انفسهم وما يشعرون. ومن ذلك نفهم ان لا إختلاف بين أحكام الله وتشريعه.
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ ١٣ وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ ١٤ فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَا وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٥﴾ الشورى
فذلك الذى يجب أن نفهمه وهو أن الدين واحد وشرع الله واحد ويوصي الله رسوله أن لا يتبع اهواءهم فالكتاب مصدق لما معهم وإذا اختلف شىء فذلك من اهواءهم وأن يحكم بينهم بما أنزل الله إليه وأن الله رب الناس جميعًا وحكمه واحد، وهو أعلم بما يعملون ومايخفون فى صدورهم وحكمهم الى الله، وما على الرسول إلا البلاغ، وأن يقيموا التوراة والانجيل وما أُنزل اليهم من ربهم وهو القرءان فإن اقاموا التوراة فقد اقاموا الانجيل وإن اقاموا الانجيل فقد اقاموا القرءان، وكلها كتب الله نؤمن بما جاء فيها.
(وَإِن جَٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ ٦٨ ٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٦٩ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٧٠﴾ الحج
فالرسول كانوا يدعوهم الى الحق الذى أنزل الله إليه ويأمرهم أن يتبعوه ولا يتفرقوا وأن يكونوا لله مسلمين غير متفرقين سواء كانوا من أهل الكتاب من قبل أو من الأميين من قوم الرسول، فهو رسول الله للناس جميعًا يدعوهم الى الاسلام الذى لم يكن الرسول فيه بدعًا من الرسل. وذلك يعنى أنه ليس أول رسول بل جاءوا بنفس ما جاءوا به من إسلام لله واتباع كتبه ورسله.
والاية توضح ذلك:
(إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ وَمَن يَكۡفُرۡ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٩ فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ٢٠﴾ ءال عمران
وكذلك:
(وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِي قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَا قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨١ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٨٢ أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعًا وَكَرۡهًا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ ٨٣ قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُ مُسۡلِمُونَ ٨٤ وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينًا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥﴾ ءال عمران
فالكتاب الذى أنزل للرسول هو المهيمن والحافظ لما أُنزل من قبل وبَيّن فيه ما كتم السابقون من الكتاب:
(يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ١٥ يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ١٦ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٧) المائدة
ونرى البيان الواضح فى قوله أنه بعث الرسول ليبين لهم ما كانوا يكتمون ويعفو عن كثير ويرفع عنهم الاصر والاغلال التى كانت عليهم وأن الكتاب يهديهم سبل السلام والنجاة فى الدنيا والاخرة. فدين الله ليس فيه حرج والذين يُشَّرعون ويضعون الإصر والاغلال على الناس من غير سلطان ءاتاهم فهم الكافرون، والذين اشركوا بالله بكلام لم يأذن به. ويبين أيضًا كيف أن الذين قالوا أن الله هو المسيح عيسى قد ضلوا وأضلوا كثيرًا من بعده. وهذا من ضمن ما أمر الله رسوله بتبيانه فى قصة عيسى ابن مريم. فالتوراة والانجيل التى تقرأها اليوم فى كتب الذين كفروا وضلوا السبيل هي ليست من كتب الله فى شىء إلا بما صدق مع القرءان المهيمن والحافظ للكتاب من قبل. أما مالم يصدقه فهو من اهوائهم التى حذر الله رسوله منها. وجميعنا يجب أن نتبع النور الذى أُنزل للرسول الذى هو مصدقا لما قبله من الحق. وليس رجمًا بالغيب وان الله قد حرم على الذين هادوا بعض الاطعمة وذلك بما افتروه هم وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون، ولم يحرم الله عليهم فى التوراة بل هم من حرموا على انفسهم وهذا موضوع أخر سنتطرق اليه إن شاء الله.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٦٧ قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنًا وَكُفۡرًا فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٦٨ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبُِٔونَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦٩) المائدة
وكما ذكرنا أعلاه أن الذين أُوتوا الكتاب يجب أن يؤمنوا بكل الكتب وبكل الرسل فان ءامنوا فقد اهتدوا وإن كفروا فقد ضلوا وعند الله هم الكافرون وحكمهم الى الله يوم القيامة. ويبين الله انه ليس هناك فرق بين أحد من تلك الامم سواء من الذين هادوا أو الصابئين أو النصارى فمن يؤمن بالله فيجب ان يصدق بما يُنزل الله، وليس إيمان بوجوده فقط وكفر بما يُنزل من كتاب. وذلك هو الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
(وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةً وَمِنۡهَاجًا وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٤٨) المائدة
الله لم يترك أحد من الامم إلا وبعث رسول ينذرهم ويبشرهم وأنزل لهم الكتاب ليحكموا به، وهذا معنى أنه جعل لكل أمة شرعًة ومنهاجًا، أساسه هو الاسلام لله وأحكامه وأن كتب الله مصدقةٌ فيما بينها. وأن هذه امتكم أى أمة البشر كلها أمة واحدة.
وقد أنزل الله الكتاب لموسى وأمرهم بإتباع مافيه من التصديق بمن سيأتيهم من رسل مصدقة لما معهم. ولكن للاسف تفرقوا بعد أن جاءهم عيسى بالبينات وبما هو مصدق لما معهم ومن بعده الرسول النبي الأمى. وهذا هو أساس الإختبار الذى يختبر الله الناس به فهو يُنزل كتابًا ويأمرهم أن يتبعوا ما سيأتيهم مصدقًا لما معهم وذلك ليبلوهم فى ما اتاهم ليعلم هل يتبعوا ماجائهم أم يتمسكون بأهوائهم، وهذا ما تبينه الأيات:
(وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثًا تَتَّخِذُونَ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ٩٢) النحل
(كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ ٢١٣﴾ البقرة
(وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَٱخۡتَلَفُواْ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ١٩﴾ يونس
(وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩﴾ هود
وهنا نرجع لأول الموضوع وهو كلمة الحق من الله وهى فى تلك الأية:
(يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ إِمَّا يَأۡتِيَنَّكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٣٥ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُواْ عَنۡهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٣٦﴾ الأعراف
فالإسلام الدين القيم يدعو الناس إلى التجمع على عبادة الله وحده بصرف النظر عن طوائفهم. جعلني الله وإياكم على صراطه المستقيم، وأن نتبع أحسن ما أُنزل إلينا وترك ما دونه وما لا يرضاه الله لنا. والحمد لله الذى أنزل لنا نورًا نهتدى به، ونسأله أن يثبتنا عليه إلى يوم نلقاه، إن الله سميع عليم.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
التعليقات على الموضوع (2)