في البحث عن الإسلام – مفردات – أجير وعامل - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ ٣٦) الزمر
مقدمة :
هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.
وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.
وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبعد،
______________
خلاصة الأبحاث السابقه:
الملك : هو من التحكم بالمصادر والثروات والأرزاق بل والعمل والقرارات وغير ذلك من أمور يعتمد عليها الإنسان في وجوده وبقائه وحركته وصيرورته.
فمن يتحكم في كل هذا هو مالكه ومالك من يعتمد عليه.
العبد والعبد المملوك:
العبد المملوك هو الذي جمعه عبيد ولا حرية له في اتخاذ القرارات وهو مسيّر في حياته وتصرفاته.
العبد هو العبد الحر، وهو الذي جمعه عباد، وهي صفة متصلة بنا إتجاه الله تعالى وحده فقط، أي أن العبد يمتلك حرية القرارات والإختيار في حياته لكنه في نهاية الأمر يقع تحت سيطرة وحكم الله تعالى. وكل البشر عباد الله تعالى بلا استثناء!
مفردة يمين تدل على ما يمكننا ان نقسمه الى جزئين:
الأول - ويشمل كل من الإتجاه أوالفلاح أواليد كعضو من الجسد أوالقوة والقدرة والتحكّم.
الثاني - حلف اليمين، والقسم والعهد.
القسم الثاني:
- اليمين هو حلف بالله تعالى، ثم يليه القسم وهو "جَهدُ اليمين" ثم يليه العهد الذي يدخل فيه طرف آخر.
- جهد الأَيْمان - القسم، هي كمن يحلف وهو متيقن مما يقول وكأنه يحلف متأكدًا من يمينه بعلم أو نور أو هدى.
- اليمين المعقّدة هي اليمين المؤكدة التي يدخل فيها أكثر من طرف وتحمي عهد وإتفاق على أمر أو عدة أمور.
______________
مفردة الإستئجار ومفردة عامل:
بسبب تعرضي لقرائة بعض الآراء عن إحتمال كون ملك اليمين ممن يعملون عندنا – في القرءان أُجرائُنا -، وكذلك رأيت أنه بغض النظر عن مدى عملهم عندنا، إن كان عملًا بسيطًا أو عملًا ذا أمد بعيد أو طيلة حياتهم، أحببت أن أتبين هذا الأمر من القرءان الكريم في البحث عن رابط بين ملك اليمين وبين ما نسميهم اليوم في اللغة "عُمّالا"، وحيث أن مفردة عُمّالْ بالذات كما هي لم ترد في القرءان الكريم وورد بديل عنها ومكافيء لها مدلولًا وهي مفردة إستئجر من الإستئجار للشخص لكي يعمل عندنا.
والله تعالى استخدم مفردة يعمل ويعملون وعامل، ولكن مفردة (عامل) جائت في عمل الخيرات والصدقات والعبادات وليس في الجهد المبذول جسديا مقابل أجر حتى يستطيع من يبذل الجهد أن يقيم قوت نفسه.
(فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابًا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ ١٩٥ ) ءال عمران
فمن يعمل بجهد جسدي أو فكري يقوم بإستهلاك قواه مقابل أجر حتى يستطيع أن يعيش حياته لوحده وبناءًا على قراراته وتصرفه فيما ملكه من مال – أجر – مقابل هذا الجهد! وبمجرد امتلاكه لأجره يستطيع التصرف به بحرية كاملة بدون أي إرتباط من صاحب العمل الذي أيضًا تقاضى مقابل هذا الأجر إنتاجًا ما!
ومنه لا أرى علاقة سلطة هنا بين المستأجر والمأجور إلا في نطاق الخدمة المطلوبة فقط.
ولكن جاء ذكر العمل والذين يعملون "بين يدي" من هو على رأس عملهم بكل بيان في القرءان الكريم وهكذا سماهم الله تعالى "يعملون بين يدي" فلان ! حيث قال تعالى:
(وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلًا يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُۥ وَٱلطَّيۡرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠ أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًا إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١ وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ١٢ يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرًاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ١٣) سبأ
وهذه الآيات المهمة من التي تقيّم مكانة العمل في الإسلام وتعتبره عبادة وشكر لله تعالى!
ولكن نلاحظ دقة الموقف والتعبير هنا حتى لا يفوتنا ذلك عبثًا، فالله تعالى هنا يتحدث عن نوع من أنواع التسخير الجبري للجن في العمل ولهذا ربما قال تعالى بين يديه حصرًا حتى يذكرنا بأنهم يعملون تحت رقابة مباشرة منه بشكل عام، حيث أن مفردة بين يديه في القرءان الكريم تدل على حضور الطرفين حضورًا مباشرًا عادة معنويًا أو ماديًا، ومن هنا لا يمكننا أن نستخدم فعل عمل – يعمل – عامل في مفهوم مفردة القرءان عن استئجار العمل!
مما قد يقودنا إلى استخلاص مفهوم قرءاني المرجعية للعامل والذي طرحه الأستاذ الفاضل سامر إسلامبولي عن كون العامل "مستجلب وليس مستأجر"! وهذا مفهوم غير المفهوم العام لغويًا ولكن له مرجعية في القرءان الكريم كما رأينا في الآيات السابقة عن سليمان، حيث تم استجلاب العمال بين يديه وليس استئجارهم، ومنه ما قاله الأستاذ سامر إسلامبولي في التفريق بين الأجير والعامل في المفهوم القرءاني في تعليق له على هذه الجزئية من هذا البحث:
" الأجير هو رجل قام بعقد اتفاق مع آخر مقابل شيء ، والعلاقة بينهما ندية.
أما العمال في واقع الحال ليسوا أجراء وليسوا أندادا لمن يعملون عنده.
ومن المثل على ذلك، أنه يوجد فرق بين أن تستأجر سائقاً مع سيارته، وبين أن تجلب سائقاً لسيارتك ليعمل عندك.
ويوجد فرق بين أن تستأجر امرأة لتقوم بالتدبير المنزلي والعناية بالأولاد، وأن تجلب امرأة لتعمل عندك في الوظيفة ذاتها"
فيوجد فرق بين الاستئجار ، والعمل، الأجير والعامل..
الأَجير - ألأُجَراء – المُستَأجَرين، هم العمال في وقتنا الحاضر – أي في المصطلح اللغوي الدارج بيننا:
وهم من يتم بيننا وبينهم اتفاق على إنجاز مهمة أو وظيفة أو عمل ما مقابل أجرٍ سيمتلكونه بمجرد امتلاكنا ما قاموا به من ذاك الجهد، وهذا بكل بيان ووضوح تم تفصيله في القرءان الكريم بشكل واف مفصّل في قضية استئجار الرجل الصالح في مدينة مدين لموسى بناءًا على توصية من ابنته، حيث تم عقد اتفاق بينهما مفصَّلٍ في كل شيء! ونستعرض الآيات التي اتت بهذا التفصيل حيث قال تعالى:
(فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٢٥ قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَٔۡجِرۡهُ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ ٢٦ قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرًا فَمِنۡ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَيۡكَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٢٧ قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ ٢٨ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارًا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ ٢٩)
نلاحظ من الايات انه تم عقد عمل بينهما هنا بكل وضوح - كما في زمننا الحاضر - وتم وضع شروط مفصّلة فيه من عدد حجج ومن عدم ظلم ومشقه ومن شروط استثنائيه مثل إن اتممت بعشر ولا عدوان وتم توكيل الله على هذا العقد، وهذا كله مقابل أجر وهو ان ينكح ابنته ومن طبيعة الحال ما تم الصمت عنه هنا وعدم تفصيله من الأجرهو مما يمكن لأي منا استنباطه، وهو ذكر الإحتياجات من أكل وملبس ومكان نوم وغير ذلك من ضرروات الحياة اللازمة لموسى أثناء قضائه عمله!
ومن هذا التفصيل القرءاني لا أرى هنا مكانًا لملك اليمين أبدًا بين العمال – لغة - أو المستأجَرين منا بهدف قضاء عمل ما! فما تم تفصيله في القرءان هو حرية الطرفين المطلقة في ما يملكانه بناءًا على اتفاق ما. ومن الواضح أن موسى كان حرًا وليس ملكًا للرجل الصالح بسبب وجود شروط في اتفاقهما، فإن أخلّ أحد الطرفين هذه الشروط ينتقض العقد بينهما ويذهب كل منهما في طريقه إلا من ظلم أو عدوان!
ويجب أن نتنبه كي لا نخلط بين الأجير والعامل كمفردات قرءانية حين الحكم والتدبر لآيات الله تعالى، بل تراثيًا استخدمت كلمة الأجير على كلمة العامل المستحدثة حسب ظني، فالأجير في نهاية الأمر هو مستأجر وليس ملك، فلا يحق لنا التصرف به كما نرغب بل نستخدمه في مسألة تم الإتفاق عليها فقط.
العامل، كمصطلح قرءاني، هو غير الأجير، ومفهوم ملك اليمين يتناول العامل ومن في مقامه من المستخدمين ولايتناول المستأجَر.
وهذا سنناقشه لاحقًا في الجزء الخير من بحثنا هذا، فهنا أمر الإستجلاب يعني أن تنطبق عليهم "معايير" أطلقها الله تعالى في ملك اليمين سنتعرض لها لاحقًا، ومنه على سبيل المثال الذي طرحه الأستاذ الفاضل هو السائق وامرأة تدبر أمور المنزل، فهما لا يتقاضيا أجرا كالأجير بل هما يعيشان في ضمن عائلة من جلبهما فيصبحا وكأنهما جزء من عائلته ممن يقوم على أمورهما كما يقوم على أمور أبنائه وبناته وزوجه، ومدبرة المنزل المُستجلَبة ليست مثل المُستأجَرة التي نطلق عليها اسم خادمة فبينهما فروق كبيرة، وتبقى قضية مهمة جدًا لم اتعرض لها هنا لغاية في نفسي، وهي البحث عن اتفاقات وأَيْمانٍ بين من يجلِب ومن يتم جلبه، وأظن القرءان أشار – لا بد – إلى هذه الحيثية، وهذا ما سنبينه بإسهاب في الجزء الأخير من بحثي هذا بإذن الله تعالى.
ما أريد ألتركيز عليه هنا هو أن مفردة" عامل" بالذات وردت في العمل لله تعالى، أي في عملنا لأجل كسب أجورنا يوم الحساب، وهنا يمكننا أن نستنبط جزئية مهمة جدًا، كنت قد تعرضت لها في الجزء الأول من بحثي هذا، وهي أننا كلنا عباد الله تعالى، يملكنا سبحانه، ولنا حرية أن نعمل له من أن لا نعمل، أي نحن ملكه سبحانه، برغم من إعطائه الحرية في اتخاذ القرارات والتصرف حسبما نشاء.
______________
خلاصة البحث:
- مفردة أجير تدل على رجل قام بعقد إتفاق مع آخر مقابل شيء ، والعلاقة بينهما ندية.-
- مفردة عامل لا علاقة لها بالأَجير.
- العامل هو من تم استجلابه بهدف البقاء والعمل بدون أجر محدد ثابت بل مقابل أن يعيش حياة كريمة وهم، أي العمال، ليسوا أندادا لمن يعملون عنده ولا يتخذون قرارات في أمور عملهم.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطأي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم
التعليقات على الموضوع (6)