رأى فى ءاية المودَّة
الإخوة والأخوات الأعزاء الأفاضل
السلام عليكم جميعا وأرجو أنْ تكونوا على أفضل المرام
تداولت المراكز الثقافية الاسلامية عددا من الاراء الجديدة حول ما يعرف بءاية المودة التالية: (ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةً نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًا إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ ٢٣) الشورى.
وكنت قد تأملت في هذه الأية بالذات قبل فترة لذا خطر لي ان اقدم رأيي في هذا المجال.
وقبل أنْ أبدأ بعرض البحث البسيط الذي أعددته حول الموضوع اُحاول أولا تلخيص الافكار التي طُرحت حول هذه الأية المباركة وهي كما يلي:
1. الرأي الاول يمكن تلخيصه بالقول بأن الأية تشير إلى وصية إلهية للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يحث قومه من مشركي مكة بانْ يُراعوا القرابة التي تجمعهم وإيّاه وهي ربما قرابة المكان والمجتمع والتاريخ المشترك وقرابة الدم وما إلى ذلك دون التأكيد على القرابة الرحمية أو النسبية الخاصة.
وقد أشار إلى هذا الرأي عدد من المفسرين الأكارم منهم الطبري في تفسير جامع البيان والرازي في مفاتيح الغيب، والقرطبي في الجامع لاحكام القرءان وابن كثير في تفسير القرءان الكريم.
2. الرأي الآخر والقائل بأنّ الأية تشير إلى وصية الهية للرسول صلى الله عليه وآله أنْ يطلب من قومه بذل الودِّ لأهل بيته وذريته كأجر على الرسالة. وقد أورد هذا الرأي أيضا عددٌ من أكابر المفسرين ومنهم الزمخشري والرازي كما نقله القرطبي أيضا عن البخاري.
تعليق أوَّلي:
يمكن القول إبتداءاً بانَّ كِلا الرأيين أعلاه يقومان على قاعدة مشتركة وهي "تخصيص العام بدون مُخَصِّصْ" فهو يقوم على جعل القربى المشار اليها في الأية محددة في العلاقة بين الرسول و(بعض قومه) من مشركي مكة، فخصَّصَ الإشارة إلى المشركين الواردة قبل الأية المراد بحثها بأنَّها إشارةٌ إلى مشركي مكة.
بينما يقوم الرأي الآخر على جعل "القربى" المشار اليها في الأية محددة في العلاقة بين الرسول وأقاربه وذريته وهو تخصيص لمعنى "القربى" بالقرابة والأرحام والذرية دون مسوغ واضح أيضا.
ثم يَعتبر الرأيان أنْ المودَّة المطلوبة هي مودَّة مرادة من الآخرين ازاء الرسول أو اقاربه كأجر للرسول على رسالة معينة يبلغها الرسول اياهم سواء اكنت رسالة خاصة بذات الأية أو رسالة عامة بعموم الاسلام.
وارى أنَّ كلَّ واحدً من الرأيين يعاني من مشكلات معيّنة وذلك للاُمور التالية:
1. هناك مجموعة من الآيات تتحدث عن أنَّ أجر الرسول الكريم موكل إلى الله تعالى وأنَّ ما يقوم به لا يمكن أنْ يكون له أجر من الناس كما في النصوص القرءانية التالية:
(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ ٩٠) الأنعام
و (وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمًا تَجۡهَلُونَ ٢٩) حود
و (يَٰقَوۡمِ لَآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٥١) هود
وواضح أنَّ المطلوب من الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتدي باولئك الانبياء والرسول في عدم المطالبة بأجر وبإيكال مسألة الأجر الى الله تعالى. فالربط المباشر بين قيام الرسول بالتبليغ وبين المودَّة له أو لمن ينتسبون اليه يتعارض مع تلك المجموعة من الآيات. وهذه المشكلة تبقى قائمة حتى مع القول بأنَّ الاستثناء في الأية منفصل وليس متصل - وهو ما قال به عدد كبير من المفسرين أيضا - وقد أفاض القول بذلك عدد منهم أيضا بينهم القرطبي فيما نقله عن الزجاج من القول أنَّ الإستثناء في الأية منقطع. كما شرح الطبري الإستثناء بنوعيه ولكن دون أنْ يتمكن من الوصول إلى نتيجة مقبولة لانَّ صدر العبارة منفي بالقول "لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا" فماذا سيكون تقدير الجملة إذأ قبلنا بأنْ يكون الإستثناء منقطعا؟.
2. هناك مجموعة من الآيات تحاول تطمين الرسول الكريم على أنَّ الله تعالى سيحميه من الناس وإنَّه ينبغي عليه أنْ يتوكل على الله تعالى ويقوم بتبليغ رسالته دون خشية من الناس فهم ليسوا رقما في مقابل ما سيحصل عليه الرسول الكريم من ربه حتى وإنْ لم يتمكن من هدايتهم كما في النص القرءانى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٦٧) المائدة.
عليه فان مطالبته لقومه بانْ يودوه أو يراعوا القرب الإجتماعي بينهما أمر لا يليق بالرسول ناهيك عن أنَّه لا يليق بوصية إلهية لنبيٍ رسول عانى الامرَّين والله تعالى يأمره بالصبر والتحمل. وعودة سريعة إلى التفاسير القديمة يرسم أمامنا صورة مأساوية للرسول وهو يتوسل قومه أنْ يراعوا القرابة بينهم وبينه.
3. إنَّ المشتقات الكثيرة المأخوذة من الجذر "قَرُبَ" لها معاني متعددة ومتفاوتة تختلف وتتفاوت تبعا لطريقة الإشتقاق والنحت والإرتباط بأدوات اخرى - وإنْ كانت كلها تعود الى المعنى المفهومي للجذر قَرُبَ - وإنَّ المعنى المراد مما طرحه الأساتذةُ الكرام لا ينسجم واللفظ "قربى" وهو المصدر المجرد من أيَّة أدوات تقييديِّة أخرى كما سنبين لاحقا. فالذي قاموا به هو نوع من التخصيص لما هو عام وبدون وجه مُخَصِّص. وإنْ كانت "القربى" تشمل معنى القرابة ضمن إطار معناها الواسع، إلّا أنَّ التخصيص يحتاج إلى مسوغ من ذات النص. كما أنَّ البلاغة تقتضي أنْ يستخدم المتحدث إشتقاقا مناسبا يوصل المعنى بأسلم الطرق وأسهلها.
4. إنَّ المودَّة شعور نفسي وإنَّ النصوص القرءانية توحي بالمحاولة لترشيده أو الإشارة إليه كواقع حال وليس في القرءان الكريم ما يشير إلى أنَّ الله تعالى يُقنِّن المودَّة ويجعلها أمرا عقائديا ويُحولها إلى عمل بذاته يؤدي إلى نتيجة! بل إنَّه يحاول التنبيه إلى مخاطرها إنْ أفلتت من عِقال العقل والدين والفكر والمعرفة والتقوى.
5. إنَّ "الشِرك" لا يختصُّ بالكفار وعبدة الأصنام ممن جحدوا الرسالة الإسلامية ورفضوا القبول بها والإيمان بالرسول الكريم بل إنَّ "الشِرك" امرٌ يعمُّ المؤمنين بالله ويشتَدُّ لدى المؤمنين بالرسالات السماوية. لذا فانَّ تخصيص الأية بمشركي مكة بناءا على الآيات السابقة لهذه الءاية، أمرٌ يحتاج هو الآخر إلى مسوِّغ من النص وإلّا فإنَّ المعنى ينبغي أنْ يبقى مفتوحا وشاملا لكافة المشركين.
رأى ثالث جديد:
أتصوَّرُ أنَّ ما قدمناه كافٍ للدخول في الموضوع، وحتى يكون الدخول فيه على بينة، نوضح أولاً ما هو الرأي الذي توصلنا اليه للوقوف على المعنى المفترض لأية المودَّة.
أفهمُ من النص وبناءا على التحليل الذي ساوردهُ بأنَّ الأية جاءت في سياق الحديث مع أهل الكتاب وأنَّ المودَّة المطلوبة، عامة بين أهل الكتاب من جهة والمسلمين عموما من جهة اُخرى وعلى مستويات متفاوتة يفرضها الواقع العملي، فهم قريبون من بعضهم البعض على ثلاثة صُعد:
• أولاً: لأنَّهم يدينون بأديان سماوية من مصدر واحد وكتبهم يعضد بعضها البعض وعقائدهم متشابهة وما ورد في الكتب السماوية يهدف إلى تحقيق نفس الاهداف ويسعى لترسيخ نفس العقائد.
• ثانياً: إنَّ بينهم قرابة دم فهم يرجعون كعرب ويهود أساسا إلى إبراهيم، فهم بنو عمومة.
• ثالثاً: القرب الإجتماعي، فهم يسكنون منطقة واحدة ولفترة طويلة سبقت ظهور الإسلام وبينهم مصالح مشتركة وعلاقات مالية واجتماعية وسياسية ... إلى آخر ذلك.
فالأمرُ لا ربط له بالرسول الكريم أو بأقاربه وذريته كما لا تخصيص فيه للمشركين المكيِّين - من غير أهل الكتاب - وإنَّما هو مرتبط بأهل الكتاب عموما وعلاقتهم بالمسلمين كما سنوضح في أدناه والله العالم.
الإستدلال على هذا الرأي:
وحتى لا نضيع كثيرا في التفاصيل دعونا نضع التعاريف اللازمة للألفاظ المفتاحية التي وردت في سورة الشورى عموما وفي الأية مورد البحث ثم نقوم بقراءة سورة الشورى كاملة - لقصرها - مع تعليقات في البين هدفتُ منها الربط بين الآيات وبناء فكرة عامة عن السورة التي أعتقد أنَّها يمكن أنْ تسمى "سورة المواطنة" أيضا، مع التأكيد سلفا بأنَّني إنَّما اُفكر بصوتٍ عالٍ مسموع وإنَّني لا ادعي لنفسي شرف التفسير أو القدرة عليه، إنَّما هي محاولات للفهم، فإنْ أصبتُ في أمرٍ فأجري على الله تعالى وإنْ أخطأتُ فإنَّني أرجو أنْ يوفقني الله تعالى لتعديل أفكاري بما يقربني أكثر من الحق. والله الحق هو المستعان.
تعريفات أولية ضرورية:
دعنا نحاول أولاً التوصل إلى اتفاق مبدئي حول المعاني التي يمكن أنْ تعكسها الألفاظ المفتاحية وكما يلي:
الشورى:
لنر ماذا كتب الراغب الأصفهاني(502 هـ) في معنى الشورى:
يقول: والتشاور والمشاورة والمشورة: إستخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شِرتُ العسل: إذا اتَّخذته من موضعه، واستخرجته منه. قال الله تعالى: (وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ) [آل عمران/159]، والشورى: الأمر الذي يتشاور فيه. قال: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ) [الشورى/38].
فالشورى: هي مشاركة في الآراء للتوصل إلى رأيٍ مشترك.
وهذا قد يكون تعريفا عاما مقبولا.
وللشورى في أذهاننا كمسلمين نكهة خاصة وقابلية على إثارة مشاعر قوية بالفخر والإعتزاز بأنَّنا أصحاب نظرية حضارية.
إذ نلاحظ أنَّ الراغب لم يُشرْ إلى ايِّ شيئٍ حول المجموعة التي يجري بينها التشاور! ومن خلال ما أورده لاحقا ترى انَّه يُشير إلى ما نلمِّح اليه من معنى يدل لدى المسلمين على الوحدة والرأي الواحد.
غير إنَّ هذا المعنى المتبادر إلى اذهاننا كمسلمين لكلمة الشورى يبدو مختلفا قليلا عن المعنى المتعارف في العالم من حولنا.
فنحن نفهم أنَّ الشورى هو أنْ يتَّخذَ المسلمون قراراتهم بشكل جماعي لتكون صادقة في التعبير عنهم كجماعة موحدة، لذا ترى أنَّ المسلمين أسرى لفكرة خيالية مبنية على محاولة التوصل إلى إقامة مجموعة ذات لون فكري واحد لإظهار قوة القرارات التي يتخذونها للعالم ومحاولين الإيحاء دوما بأنَّهم إنَّما يمثلون الله تعالى في مسعاهم هذا.
بل إنَّ الأمر يصل لدى البعض من فرق المسلمين إلى حدِّ السعي لإلغاء كلِّ من يخالفها الغاءا يصل حدَّ الإفتاء بالقتل والتصفية الجسدية ودون أنْ يطرف لهم جفن.
بينما الشورى في العرف العام هو جلوس المختلفين مع بعضهم البعض للتوصل إلى صيغة توافقية وليس إعلان رأي واحد متفق عليه سلفا.
ولذلك فان البرلمان المنتخب بحرية ومن خلال ممارسة ديمقراطية هو أصدق تمثيل لفكرة الشورى بمعناها الحقيقي، إذ ينبغي للبرلمان أنْ يحوي آراءا متضاربة ومتعارضة ومتناقضة أحيانا، يطرحها أعضاء البرلمان ويناقشونها ويحاولون التوصل عبرها إلى صيغة توافقية تمثل رأي عام مقبول من قبلهم جميعا وإنْ لم يتطابق مع ما كان يسعى اليه كل طرف على حدة. وحينما يتم الاتفاق ويقرُّ الأمر فإنَّ الجميع يتعاطون معه كقانون محترم ومطاع.
عليه فإنَّ الشورى المقصودة في سورة الشورى ليست الشورى التي نريد إيهام أنفسنا بها وإنَّما "الشورى" بمعناها الحقيقي، لذا فإنَّنا - وكما سنرى في سورة الشورى - نعتقد بأنَّ السورة تريد أنْ تخلق نوعا من التحاور والتشاور بين المسلمين وبين اتباع سائر الأديان السماوية من أهل الكتاب، لذلك قلت في المقدمة بأنَّ هذه السورة يمكن أنْ تسمى أيضا سورة "المواطنة". وسوف نرى كيف.
وللتأكد من المعنى الإجمالي الذي أشرنا اليه نورد كلَّ ما ورد من مشتقات"شَوَرَ" من آيات القرءان الكريم وهي اربعة موارد فقط للوقوف على المعنى بدقة وهي كما يلي:
عدد مرات تكرار كلمة شور من خلال البحث باستخدام الجذر:4
تَشَاوُرٍ البقرة 233
(وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٢٣٣) لاحظ إنَّ الشورى جاءت بين الزوجين المنفصلين
شَاوِرْهُمْ آل عمران 159
(فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩) لاحظ إنَّ الرسول مأمور بمشاورة من خالفوه.
فأَشَارَتْ مريم 29
(فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيًّا ٢٩)
شُورَى الشورى 38
(وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٨)
هذه الأية سنقف على معناها ضمن هذا الموضوع ان شاء الله ونلاحظ انها تشير إلى اتباع الاديان الثلاثة معا. والله اعلم
ولا يخفى على القارئ الكريم بأنَّ الشورى المشار اليها في المواضع الثلاثة هي شورى المختلفين لا شورى المتفقين!.
المودَّة:
ننقل عن الراغب الأصفهاني تعريفه للودّ إذ يقول:
الودُّ: محبَّةُ الشيء، وتمنِّي كونه، ويستعمل في كلِّ واحدٍ من المعنيين، على أنَّ التمني يتضمن معنى الود؛ لأن التمني هو تشهي حصول ما توده. (إنتهى الاقتباس)
وهذا المعنى ورد تقريبا في كل كتب اللغة - التي اطلعت عليها- فهم يعرّفون الود على أنَّه: الحب وتمنِّي حصول شيئ . ونظرةٌ واحدةٌ إلى الآيات التي وردت فيها مشتقات "وَدَدَ" تجعلنا نعتقد بأنَّ المعنى الذي يطرحونه غير كامل، ويتَّضح النقصُ في تعريفهم إذا أوردنا الآيات التي استُعمِلتْ فيها أفعالٌ مقامةٌ على هذا الجذر ومشتقةٌ منه.
إذ سوف نجد أنَّ المعنى بحاجة إلى مزيد من التوضيح، فالفعل "ودّ" متعدي ويحتاج إلى مفعول به في الخارج ما يعني أنَّ معناه مرتبط بشيئ موجود في الواقع غالبا، كما أنَّه شعور إنساني يشعر به المرء ويدركه، لذا وجب أنْ يكون الشيئ الذي يرتبط به معنى المودَّة هو إنسان أيضا قادر على الشعور وتلقي وفهم هذا الشعور المنطلق بالود من الآخر.
فالمودَّة إذن تشير الى: نوع من السلوك التفاعلي الهادئ والمبني على مشاعر إيجابية وعلى الثقة بالآخر ويتجلى هذا السلوك في التعاملات والعلاقات والإصطفافات النفسية وما شابه ذلك.
لذا فإذا قُلنا بأنَّ الرسول يطالب بمودَّة من المشركين أو من المؤمنين فان المفروض أنْ يكون هناك طرف خارجي في الواقع تتوجه اليه تلك المودَّة والا فإنَّ المعنى سيختل لأنَّ المودَّة يجب أنْ تكون موجودة بين طرفين.
وعلى هذا الأساس جاء تحليل المفسرين الذين أشرنا اليهم في مقدمة البحث مؤكدا على ضرورة أنْ تكون المودَّة متوجهة إما إلى الرسول ذاته أو إلى مجموعة معينة من أقاربه أو ذريته.
تأملوا في الامثلة القرءانية التالية التي تمثل ما جاء من استعمالات لكلمة المودَّة حصرا، وهي ثمانية موارد لاغير:
مَوْدَةٌ النساء 73
(وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧٣)
مَوَدَةً المائدة 82
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢)
مَوَدَةَ العنكبوت 25
(وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنًا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضًا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّٰصِرِينَ ٢٥) الاوثان هم اشخاص وليسوا اصناما.
مَوَدَةً الروم 21
(وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجًا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحۡمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢١)
مَوَدَةَ الشورى 23
(ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةً نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًا إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ ٢٣)
مَوَدَةِ الممتحنة 1
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدًا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١)
مَوَدَةً الممتحنة 7
(عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةًۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٧)
ففي كل ما تقدم من آيات هناك طرف بشري خارجي تتوجه المودَّة اليه.
التركيب "ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ":
لابدَّ أنْ نشير إلى التركيب الذي استندت اليه الأية الكريمة وهو (فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) ونؤكِّد على أهميته إذ أنَّ النص لم يستعمل "المودَّة للقربى" ما يعطينا مبررا اضافيا في ترسيخ الشك بقوة في أنَّ المعنى المقصود هو شخص أو أشخاص بعينهم.
إنَّ التركيب (ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) واضح تماما وإلى الدرجة التي جعلت المفسرين الأكارم يقولون بأنَّه تعبير بلاغي، تأمل فيما قاله الزمخشري في الكشّاف:
روي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض: أترون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً؟ فنزلت الأية: (إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) يجوز أنْ يكون استثناء متصلاً، أي: لا أسألكم أجراً إلّا هذا، وهو أنْ تودوا أهل قرابتي؛ ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة؛ لأنّ قرابته قرابتهم، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة. ويجوز أنْ يكون منقطعاً، أي: لا أسألكم أجراً قط ولكنني أسألكم أنْ تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم. فإن قلت: هلا قيل: إلّا مودَّة القربى: أو إلّا المودَّة للقربى. وما معنى قوله: (إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) [الشورى: 23]؟
قلت: جلعوا مكاناً للمودَّة ومقراً لها، كقولك: لي في آل فلان مودّة. ولي فيهم هوى وحب شديد، تريد: أحبهم وهم مكان حبي ومحله، وليست (في) بصلة للمودَّة، كاللام إذا قلت: إلّا المودَّة للقربى. إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس. وتقديره: إلّا المودَّة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى: مصدر كالزلفى والبشرى، بمعنى: قرابة. (انتهى الاقتباس)
هم إذنْ يرون أنَّ التركيب (فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ) لا يتناسب والقضية التي اعتمدوا عليها لتفسير الأية فافترضوا هذه الفرضية التي تراها في اعلاه.
في حين إنَّ المعنى الأقرب للقبول هو أنْ نقول أنَّ معنى العبارة هو التالي:
لا أسئلكم يا أهل الكتاب على الوعود التي أنقلها لكم بالبشرى بكل خير، أجرا إلّا أنْ تبذلوا المودَّة وتتحلوا بها في موارد القربى مهما كانت هذه الموارد.
إذ لسنا بحاجة إلى القيام بأيَّة عمليات دوران أو التفاف على النص. والله اعلم.
ولكن لنواصل رحلتنا في محالة تفكيك النصّ لفهمه.
القربى:
لنأت بتعريف القربى كما أورده الراغب الإصفاني أيضا:
يقول الراغب: القرب والبعد يتقابلان. يقال: قربت منه أقرب (انظر: الأفعال 2/82)، وقربته أقربه قربا وقربانا، ويستعمل ذلك في المكان، وفي الزمان، وفي النسبة، وفي الحظوة، والرعاية، والقدرة. (إنتهى الاقتباس)
ويقول ابن فارس (395 هـ) في مقاييس اللغة:
القاف والراء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على خلاف البُعد. يقال قَرُبَ يَقْرُبُ قُرباً. وفلانٌ ذو قرابتي، وهو من يَقْرُبُ منك رحِماً. وفلانٌ قَرِيبِي، وذو قَرابتي. والقُرْبة والقُرْبَى: القَرابة. (إنتهى الإقتباس)
وأول ملاحظة نشعر بضرورة اثباتها هي أنَّ ابن فارس يقول بانَّ "القربى" تعني "القرابة" وهذا أمر غريب على مثل ابن فارس وهو اللغوي المحنك، فقد ضيّق من معنى "القربى" دون وجه حق. وقوله هذا كمن يقول بان التراب (مادة) والترابي (لون) أمر واحد.
ولو قارنا "القربى" مع "الصغرى" وكلاهما مصدر - غير محدد - لأمكننا فهم أنَّ المعنى الذي يقول به أرباب اللغة ربما يكون فيه نقص ايضا. والله اعلم.
فقولنا لقضية ما بأنَّها "صغرى" تشير إلى انَّها الأصغر دوما دون قيد أو شرط إلّا الصغر النسبي ذاته وللسامع أنْ يفهم من السياق إلى ايِّ مقياس أو معيار عليه أنْ يعود للمقارنة ولمعرفة نوع هذا التصاغر الذي ينطوي عليه اللفظ.
فمثلا لو قال لي احدهم: مريم هي صغرى بناتي. فسوف أفهم من كلامه بانَّها الأصغر بين بناته، لكنَّني - وإنْ لم يحدد لي - سأفهم أنَّ المقصود هو صغر السن وليس الحجم وذلك نتيجة العرف والإطار الذي نتحدث فيه.
ولو قال لي احدهم: إختر صغرى المحلات للسكن. فسوف أفهم أنَّه يقصد تفادي الحارات المزدحمة ولكنَّه لم يحدد عدد السكان في كل حارة، ففي بلد مثل قطر أو الكويت مثلا ستكون الحارة الصغرى مؤلفة من مائتي بيت مثلا لكن الحارة الصغرى في الصين قد تكون مؤلفة من بضع مئات الالوف من الشقق والبيوت. وهكذا.
فإنَّ النسبية ستبقى عاملة ومرتبطة بمعنى الصغر المفهوم من لفظة "صَغُرَ" إلّا اذا حددنا هذا التصاغر بمحدِدٍ معين.
ومثل ذلك في فهم معنى : كبرى/ ضيزى / حيرى / ....
عليه فان "قربى" تعني: مطلق القرب غير المقيد بايِّ شرطٍ، غير شرط القرب النسبي ذاته وللسامع أنْ يفهم نوع هذا القرب. المهم أنَّه غير مقيَّد.
فلو قال لي أحدهم: ساعد القربى كلما استطعت إلى ذلك سبيلا.
سيكون المعنى واضح! فهو ينصحني بأنْ أُقدم يد العون إلى من طلب ذلك مني وهو قريب مني بايَّة طريقة كانت، ما استطعت إلى ذلك سبيلا ودون أنْ يحدد من هم القربى فقد يكونون الجيران أو الأقارب أو الأصحاب أو الزملاء ... وهكذا.
ولكنه إنْ قال لي: ساعد ذوي قرباك ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
فسأفهم بانَّ المقصود هم المرتبطون بي بنوع من القرابة، فقد يكونون أقارب أو أنسباء أو أقارب الأنسباء أو أنسباء الأقارب أو إخوة بالرضاعة وهكذا.
إذْ في هذه المرة كان هناك قيد مُحَدِد.
كذلك فإنَّ "القربى" قد تستخدم لامور وأشياء غير عاقلة إذْ يمكن القول مثلا: إختر الأرض القربى من الماء وازرعها. وهنا قد يكون القرب بالمجاورة أو بإمكانية السقاية من الماء عبر واسطة متاحة فالامور كلها نسبية. بينما لا يمكننا أنْ نقول: اختر الارض ذات القربى بالماء!!؟ فإفتراض وجود قرابة من نوع معين بين الماء والارض أمرٌ غير معقول. والله اعلم.
عليه فان القول بأنَّ "الْقُرْبَى" في سورة الشورى تعني "ذوي القربى" هو نوع من الخلط غير المقبول فـ "الْقُرْبَى" تعني مطلق القرب في مختلف الامور بما فيها القرابة بينما "ذوي القربى" تعني بالذات والتحديد القرب الرحمي المباشر وغير المباشر كما اسلفنا الإشارة اليه عبر القرابة المباشرة بالأرحام أو غير المباشرة بالنسبة والتزاوج.
الشرك:
لنقرأ ما كتبه ابن فارس في معجم مقاييس اللغة:
الشين والراء والكاف أصلانِ، أحدُهما يدلُّ على مقارنَة وخِلاَفِ انفراد، والآخر يدلُّ على امتدادٍ واستقامة.فالأول الشِّرْكة، وهو أنْ يكون الشيءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما. ويقال شاركتُ فلاناً في الشيء، إذا صِرْتَ شريكه. وأشركْتُ فلاناً، إذا جعلتَه شريكاً لك.(إنتهى الإقتباس)
ولا يخفى بان الشرك ليس صفة لمن هم خارج إطار الأديان السماوية فهو ظاهرة عامة يُبتلى بها المؤمنون بالله أساساً. لاحظ الأمثلة البسيطة التالية:
نُشْرِكَ آل عمران 64
(قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيًۡٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤)
المُشْرِكُونَ يوسف 106
(وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ ١٠٦)
عليه يمكن القول بانَّ تخصيص الشرك في مجموعة معينة في ايِّ نصٍ قرآني يحتاج إلى قرينة والى مسوّغ من نفس النص. والله اعلم.
استنطاق سورة الشورى:
فلنحاول إذنْ أنْ نتوصل إلى معنى الأية مور البحث من خلال معرفة معنى السورة بناءاً على المعاني الأولية التي أوردناها وبطريقة سهلة ودون تكلف أو خروج عن السياق دون مسوغ:
(حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢ كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣)
السورة تعلن أنَّ الحديث هو عما أوحي به إلى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإلى من كانوا قبله من أهل الكتاب، مشيرةً إلى أهميةِ فهم أنَّ المصدر لكلِّ ما تمَّ الإيحاء به هو مصدر واحد وهو الله العزيز الحكيم وحده. فهي تريد الحديث مع الجميع أو مع الرسول الكريم عن الجميع. وهنا لا بدَّ من التنبه إلى أنَّ السورة بدأت بأحرف مقطعة لها معاني معينة لا نريد الخوض فيها ولكننا نود فقط التأكيد على أنَّها تمثل أساساً للدخول إلى رسالة السورة.
(لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡعَظِيمُ ٤ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِن فَوۡقِهِنَّۚ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥)
التذكير أولا بالله تعالى وقدرته وعظمته، حتى يكون هناك تمهيد نفسي لقبول الأفكار المطروحة فهو ليس استفتاءا وإنَّما هي قوانين إلهية ينبغي قبولها من أجل تحقيق الفوز والنجاح في المهمة، فضلا عن الإشارة إلى أنَّ الذنوب التي يرتكبها الناس على الأرض كبيرة تثير فزع الملائكة وتدفعهم إلى الإستغفار لهم.
(وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيۡهِمۡ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٖ ٦)
تشير السورة الآن إلى بداية الموضوع الآخر من مواضيع السورة المراد بحثها وهو الشرك من جانب أو الموالاة لبعض الناس من دون الله تعالى وكأنَّ الأية تشير إلى التضارب في المشاعر لدى المسلمين إزاء بعض أهل الكتاب أو من قبل أهل الكتاب إزاء بعض أحبارهم ورهبانهم، كما أنَّ الأية تريد إلفات نظر الرسول الكريم إلى مسؤوليته الأساسية والى ضرورة أنْ يوكل الأمور المتعلقة بحساب الناس إلى الله تعالى.
(وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ ٧)
هنا تبين أنَّ الرسالة ليست موجهة لمجموعة بعينها وانما هي إلى الجميع في تلك المنطقة بمن فيهم اليهود والنصارى طبعاً.
(وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمۡ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن يُدۡخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ٨)
هذه مصادر القلق التي كانت تساور الرسول والله تعالى يريد أنْ يقول له بانَّ الأمر لا يعدو كونه امتحان يراد معرفة معادن الناس من خلاله والإ فإنَّ الله تعالى يمكن أنْ يشاء فيجعلهم أمةً واحدةً ولكن قوانين الهداية الإلهية تنطبق على البعض دون البعض الآخر فيدخل من تنطبق عليه قوانين الرحمة الإلهية إلى حياض تلك الرحمة فيكون الله تعالى وليَّهم ويترك الظالمين دون ولي أو نصير.
(أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡوَلِيُّ وَهُوَ يُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٩)
إشارة إلى ضعف حجة ومستند أهل الكتاب في مقابل ما جاءهم به الرسول الكريم، فالءاية تتساءل إلى ماذا يستند هؤلاء في رفضهم لصوت الحق الذي يصدح به الرسول الكريم ؟ هل هو استنادهم إلى أولياء من دون الله ؟ لاحظ انَّه تعالى يذكر الأولياء بعد أنْ أشار إلى أنَّ الظالمين "مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" ثم تواصل الأية الحديث فتشير إلى أنَّ كلّ الأدلة تشير إلى أنَّ الله تعالى هو الوحيد الذي يمكن اعتباره وليَّا لتحكُّمه بالوجود من خلال الحياة والموت والقدرة على كل شيئ ضمن هذا الوجود.
(وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ١٠)
الخطاب للرسول ولإهل الكتاب وتنبيههم إلى أنَّ المرجعية التي يمكنها أنْ تقرر أرجحية رأي طرف على طرف آخر هو الله تعالى والأحكام التي تعود اليه والءاية تطالب الرسول بانْ يحدد هويته العقائدية فيعلن أنَّ الله الذي أشارت الآيات إلى مواصفاته هو ربُّه وانَّه متوكل عليه ومنيب اليه.
(فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجًا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجًا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ١١)
فهو المتحكم في كلِّ شيئٍ وهو الذي خلق هذا الكون وهو الذي مهَّد لكلِّ شيئ ٍ حتى بلغ الأمرُ خلقَ خليفةٍ له في هذه الارض.
(لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١٢)
إشاراتٌ واضحةُ المغزى إلى أنَّ التفاوت في القدرات المالية أو العلمية أو ما سواها هي من مختصات الله تعالى الذي يوزع الأرزاق بين الناس طبقا لقوانين معينة وفي هذا تطمين للرسول من جهة وإشارة إلى أهل الكتاب بانَّ ما بين أيديهم من مقدرات مالية وعلمية وغيرها إنَّما هي بأمرِ الله تعالى وإنَّ الله قادرٌ على نزعها منهم.
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ ١٣)
هنا تتضح رسالة السورة والمراد من خلالها إيصال فكرة الشورى بين الأديان السماوية قاطبة فأشار إلى تشابه الرسالات السماوية والى تشابه الوصايا وتركزها حول مفهوم الشورى من خلال إقامة الدين وعدم التفرق فيه.
وهنا إشارة إلى المشركين من أهل الكتاب وكما أوضحنا في المقدمة التي مهدّنا بها لهذه المحاولة من فهم المعنى المراد من السورة فإنَّ المشركين هم اُناس مؤمنون ولكنَّهم يشركون مع الله تعالى شيئا آخر.
عليه فإنَّ الله تعالى يطمئن الرسول ويقول له بأنَّ الأمر سيشقُّ على هؤلاء المشركين من أهل الكتاب ولكن الأمر متروك في النهاية إلى الله تعالى فهو الذي "يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ" طبقا لقوانينه التي اجراها على الناس اجمعين.
(وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ ١٤)
هذه الأية تؤكد أنَّ المراد الحديث عنهم هم أهل الكتاب بقرينة "وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ " فالتفرق كان لمصالح دنيوية ناجمة عن البغي بينهم من خلال استعمال ذلك العلم.
(فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٥)
وعلى أساس ما تقدم يطالب الله تعالى الرسول الكريم بانْ يصدح بالدعوة ويواصل أداء مسؤوليته والتنبُّه إلى عدم إتِّباع ما ينشرونه على أنَّه علم فهو في الحقيقة ليس إلّا اهواء! وفي ذلك تطمين آخر للرسول بأنْ لا يلتفت إلى ما يطرحونه من أمور مستندة إلى أهوائهم.
لاحظ أنَّ الله تعالى يطلب من الرسول أنْ يقول للجميع - مسلمين ويهود ونصارى - بانَّه مأمور بانْ يعدل بينهم وأنَّه لا يريد الإعتداء على أهل الكتاب أو الغاء وجودهم أو مصادرة دينهم وكتابهم وإنَّما يقول بأنَّ بإمكان الجميع بانْ يعمل طبقا لتصوره عن الدين وكلُّ فرقةٍ لها أعمالها ولا حجة لأحدٍ على الآخر والمرجعية التي يمكن أنْ تحدد الأرجحية في الأعمال هو الله تعالى.
(وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ ١٦)
إشارة إلى الذين كانوا يحاجّون المسلمين أو يحاجّون الرسول الكريم ويحاولون إثبات عدم سماوية الرسالة المحمدية من بعد ما استجيب للرسول فإنَّ حجتهم داحضة وواضح أنَّ الحديث لازال عن أهل الكتاب.
(ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ ١٧)
اشارة إلى أنَّ الله تعالى هو منزل الكتب بأجمعها فهم عاجزون عن الإستناد في احتجاجاتهم إلى الكتاب بإعتبار أنَّ مصدر الكتاب واحد ولا يمكن أنْ يناقض الكتاب نفسه، والإشارة إلى الساعة للرد على تقولاتهم بانَّ الساعة ستكون الفيصل الذي سيثبت خطأ المسلمين، طبقا لما يعتقدونه هم وانَّ اليهود فقط هم من استلموا رسالة سماوية. والله تعالى يقول بانَّهم يستعجلون بها لعدم إيمانهم بها في أعماقهم كما سترد الإشارة اليه في الأية اللاحقة.
(يَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَيَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَآ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فِي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٍ ١٨ ٱللَّهُ لَطِيفُۢ بِعِبَادِهِۦ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡعَزِيزُ ١٩ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ٢٠)
هنا اشارة خفيفة إلى اليهود ومحبتهم للمال والدليل الأية اللاحقة إذ سيبدأ الله تعالى بالتفصيل اكثر.
(أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢١)
واضح أنَّ الحديث متواصل عن أهل الكتاب وبالأخص اليهود لانَّه تعالى يتحدث عن التشريع والدين بما لم يأذن به الله تعالى.
(تَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ ٢٢)
هذه اشارات إلى المصير الذي وصل اليه من كان قبلهم.
(ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسَۡٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةً نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ ٢٣)
أصبح واضحا أنَّ الرسول مأمور بأنْ يقول لهم بأنَّه شخصيا طامع بأجر الله تعالى المرصود له وللذين آمنوا معه في يوم القيامة وانَّ هذا الذي يرصده الله تعالى له وللذين آمنوا معه، يمكن أنْ يكون من نصيبهم هم أيضا - أعني أهل الكتاب- ولا يحتاج ذلك منهم إعطاء أجر للرسول فهو مأمور بانْ لا يسألهم اجراً إلّا المودَّة للمسلمين، وهو يسعى للحصول على ما وعده الله تعالى به وإنَّ ذلك متاح أيضا للآخرين دون مقابل من مال وإنَّما فقط بجعل العلاقات ودية بين أتباع الأديان الثلاثة وبحسب الأقربية - كما اوضحنا أعلاه حينما تحدثنا عن معنى القربى- بمعنى أنْ يتعامل الجميع من أتباع الأديان الثلاثة مع بعضهم البعض بناءا على مراعاة المودَّة في التعاملات المختلفة وفي الحوار وفي كل شيئ. والقربى هنا تشير إلى أنواع متعددة من القرب الموجود بين أتباع الديانات الثلاث على مستويات مختلفة منها:
أولا: القربى بإعتبار ما جاء في كتبهم من أمور متشابه ومن أوامر متطابقة أحيانا.
ثانيا: القربى بإعتبار انَّهم بنو عمومة لإنَّهم جميعا بنو إبراهيم.
ثالثا: القربى الإجتماعية بإعتبار تجاورهم وسكناهم في منطقة واحدة وانتمائهم إلى خزين ثقافي واجتماعي وقبلي مشترك، ناهيك عن المصالح المشتركة وما إلى ذلك لانَّ أهل الكتاب ليسوا جميعهم أحبار ورهبان وإنَّما كثير منهم اُناس عاديون مهتمون بمصالحهم الدنيوية ويريدون أنْ يعمَّ السلام بين المسلمين والنصارى واليهود لكي تنشط التجارات والصناعات والتعاملات المالية وغيرها.
هذا هو المطلوب واذا بادروا - أهل الكتاب أو المسلمين - لما هو أكثر من ذلك فإنَّ الله تعالى يعدهم بالمزيد من الأجر والمغفرة.
(أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۖ فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخۡتِمۡ عَلَىٰ قَلۡبِكَۗ وَيَمۡحُ ٱللَّهُ ٱلۡبَٰطِلَ وَيُحِقُّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ٢٤)
لاحظ إنَّه تعالى بعد أنْ قدَّم المقدِّمة تلك عاد ليناقش حججهم فقال قد يتهمونك بأنَّك لست مرسلا. بمعنى انه يقول بأنَّهم في الأصل كاذبون يعلمون بأنَّك يا محمد مرسل من الله تعالى ولكنَّهم كانوا يقولون ذلك رغبة في عدم ضياع مصالحهم المادية.
أمّا إذا كان قولهم ذلك مستند إلى حجج معنية واستدلالات فإنَّ الله تعالى كان سيختم على قلبك لو أنَّك كنت كاذبا - والعيِّاذُ بالله - أفلا يفهمون هذا الدليل فكيف يعتقدون بانَّ الله تعالى موجود وهو الذي أرسل اليهم التوراة ثم يترك شخصا يُفتَرضُ أنَّه يكذب بهذا المستوى ولا يختم على قلبه؟
عليه فان عليهم أنْ يتركوا هذه الأقوال ويتوبوا إلى الله تعالى وعلى هذا الأساس جاءت الأية اللاحقة لتعدهم بالمغفرة والعفو إذا تابوا.
(وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّئَِّاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ٢٥ وَيَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۚ وَٱلۡكَٰفِرُونَ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞ ٢٦ وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ ٢٧)
هنا تحول الحديث إلى تنبيه الذين آمنوا إلى أنَّ الله تعالى وهب الأموال إلى اليهود - مثلا - لأنَّه أعلم بما قد تؤول اليه الامور من صراعات إذا كان الجميع أصحاب مصالح مالية ضخمة لذا فإنَّه تعالى يذكرهم بانَّه هو الذي يقسم الرزق بناءا على خطط معينة وبأقدار معينة.
(وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلۡغَيۡثَ مِنۢ بَعۡدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحۡمَتَهُۥۚ وَهُوَ ٱلۡوَلِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ٢٨ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٞ ٢٩ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠)
هنا يريد أنْ يعاتب الذين آمنوا بأنَّ ما قد يكون أصابهم من مصائب قد تكون من أنفسهم وليست كلها من اليهود فحتى تحصل على المحبة من الآخر عليك أنْ تهب المحبة له والأمر ينطبق بالعكس ايضا.
(وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ ٣١ وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٣٢ إِن يَشَأۡ يُسۡكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٍ ٣٣ أَوۡ يُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ وَيَعۡفُ عَن كَثِيرٖ ٣٤ وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ ٣٥)
عادت الآيات لتشير إلى المسلمين واليهود مرة أخرى لتطمين قلوب الذين آمنوا بانْ لا يغتروا من رؤية أوضاع اليهود في تجاراتهم وغير ذلك فالله تعالى قد يلحق بهم الأذى نتيجة لبعض ذنوبهم، ليس كعقوبة وإنَّما لأنَّ القوانين الكونية تسير بهذا الشكل.
(فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٣٦)
وختم هذا المقطع بتطمين الذين آمنوا بانَّ الاموال ليست مهمة وهي ليست إلّا متاع الدنيا وما عند الله تعالى خير لهم.
(وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ ٣٧ وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣٨)
الحديث هنا عن أتباع الاديان الثلاثة وما يمكن أنْ يحصلوا عليه من المغفرة والتوبة من الله تعالى إذا ما هم أقاموا الصلاة - وهي إقامة القوانين المنظمة لشؤونهم في الحياة وعلاقاتهم بعضهم مع بعض- والتزموا بالأُطر العامة للإنفاق - النظام الضريبي- لتمشية أمور المجتمع في إشارة إلى الشرطين الأساسيين لتسيير أُمور المجتمع وهي الأنظمة والقوانين من جهة والضرائب من جهة ثانية.
(وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ ٣٩ وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٠ وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٤٢ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ٤٣)
كل هذه الوصايا تثبت أنَّ الحديث كله هو عن المودَّة بين أتباع الأديان الثلاثة وإلّا فالحديث ليس عن الصراعات الداخلية بين المسلمين أنفسهم ولو نلاحظ فإنَّ الله تعالى ينظر إلى الجميع على انَّهم عبيده ويسعى إلى إرساء قواعد عامة في التعاطي مع إساءات المسيئين أو التعامل مع البغي أو مع من أصبح هدفا للبغي وكلها أمور متعلقة بتنظيم شؤون المجتمع على أساس المواطنة وليس على أساس الدين.
(وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ ٤٤ وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ ٤٥ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِيلٍ ٤٦ ٱسۡتَجِيبُواْ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإٖ يَوۡمَئِذٖ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٖ ٤٧)
لاحظ بعد أنَّ عرض جوانب الموضوع المختلفة عاد ينصح الرسول بانْ يدعوهم للإستجابة له ولدعوته ثم ترك أمرهم إلى الله تعالى كما هو مبين في الأية اللاحقة.
(فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةً فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ ٤٨)
وليس خافيا أنَّ الموضوع لا زال مستمرا عن أهل الكتاب وانَّ الرسول غير مطالب بتحقيق الأهداف تماما وإنَّما مطلوب منه أنْ يعرض أفكاره التي أُرسل بها، عليهم ويبلغهم بها والباقي على الله تعالى وطبقا لقوانينه التي لا تُخرق.
(لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ ٤٩ أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانًا وَإِنَٰثًاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ ٥٠)
هنا تطمين للرسول مرة اُخرى بأنَّ عدم وجود ذريِّة له ليس أمرا مهما وإنَّما المهم ما ناله من تشريف بالرسالة وبانَّ ما يُفاخرُ به اليهود من أعدادهم وعلاقاتهم العائلية المميزة وتعصبهم لبعضهم وظهورهم أمامه كعصبة واحدة من الرجال المتحابين ليس أمرا ذا قيمة.
وفي هذا ردٌّ على من يقولون بأنَّ الرسول يوصي بذريته أو أهل بيته إذ الله تعالى يؤكد على أنَّ هذا الأمر ليس أمرا ذا بال هنا وفي مواضع أُخرى ليقطع الطريق أمام المتقولين على الرسول وعلى المحاولين أنْ ينتسبوا اليه لإقامة أحكام دنيوية زائلة.
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ ٥١ وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحًا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورًا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢)
هنا تطمين آخر للرسول وتذكيره بالنعم التي أنعم الله تعالى عليه بها ومنعه من القلق على الناس فالأمر كله متعلق بالله تعالى.
(صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ٥٣)
الآن دعونا نسأل السؤال التالي:
لو كان الحديث عن المودَّة بين الرسول وقومه المشركين من أهل مكة فلماذا لم تبين الآيات التي لحقت ذلك ايَّة مسألة متعلقة بهذا الموضوع ؟.
يبدو - والله العالم - بأنّ الامر كله متعلق باليهود والمودَّة المطلوبة هي المودَّة بين أتباع الأديان الثلاثة في التعاملات وفي المناقشات والمناظرات والحوارات والتجاور والعيش المشترك وحسن الجوار .... إلى ما شاء الله تعالى من الأمور.
ولا بدَّ لنا أنْ نتذكر بانَّ الله تعالى أوضح في أكثر من موضع في القرءان الكريم بأنَّه يريد للأديان السماوية الثلاثة أنْ تبقى وانْ يتعايش أتباعُها فيما بينهم فحلَّل أطعمة بعضهم للبعض الآخر وأحَلَّ الزواج المختلط بينهم وأقام تجربةً رائدةً لتحقيق مفهوم ومعنى المواطنة في المدينة المنورة بقيادة النبي الكريم عبسه الصلاة والسلام وثبت فيها للجميع بانَّ القرءان يأمر بإقامة دولة مبنية على أساس المواطنة لا على أساس الدين، إذ كان اليهود فيها مواطنون من الدرجة الأولى حالهم كحال المسلمين والنصارى بل حتى الكفار والملحدين كانوا كذلك. والله اعلم
لاحظ الآيات التالية:
(ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٥) المائدة
(قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيًۡٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤) ءال عمران
(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ١١) التوبة
طيب بعد الذي أوردناه قد يسأل سائل ويقول لماذا اليهود وأهل الكتاب؟
نقول هذا كان أمراً قد ألحَّ عليه القرءان وأشار اليه لتوطيد عرى العلاقة بين أتباع الديانات الثلاث. لاحظ الآيات التالية:
(َتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢) المائدة
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدًا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١) الممتحنة
(عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةًۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٧) الممتحنة
وسواءٌ أكان الامرُ سلبياً أو ايجابياً فهو أمرٌ مطروحٌ في القرءان الكريم سعت عشرات الآيات لحلّه ورفع أسباب الإختلاف بين المؤمنين من الأديان السماوية الثلاثة.
وفي الحقيقة فان هذا الأمر من أشدِّ الأمور توقعاً لأنَّ ظهور دين جديد يدعو إلى نفس الإله الذي كان اليهود والنصارى يعبدونه سيجعل من أصحاب المصالح الكبرى منهم من ألدِّ أعداء الدين الجديد لأنَّه يهدد كيانات قائمة ويلغي صلاحيات مالية وروحية وهمية كبرى ترسخت عبر مئات السنين. والله اعلم
والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (6)