تسعة عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
(سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ ٢٧ لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ ٢٨ لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ ٢٩) المدثر
لا يخفى على أحد أن ءاية وصف الله لسقر هى نار وعذاب فى الاخرة، والعذاب فى الاخرة درجات وأنواع كل حسب أعماله، يوفيهم الله وهو العزيز الحكيم. وقال أن هذه النار (سقر) عليها ملائكة غلاظ هم خزنتها ويفعلون ما يؤمرون.
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦) التحريم
وعدة هؤلاء الملائكة تسعة عشر، وتلك ءايات نزلت فى الكتاب على رسولنا، وقد نزلت نفس الأيات ونفس النذير على الذين سبقونا من أهل الكتاب. فالكتاب هو نفسه ولكل أمة نصيب منه، وهو مصدق لما قبله وهو من إله واحد رب العالمين جميعًا.
(سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ ٢٧ لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ ٢٨ لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ ٢٩ عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ ٣٠) المدثر
وقال أنه ما جعل من تلك العدة إلا فتنة للذين كفروا. ويعنى ذلك أن عدة الملائكة التى ذكرها الله فى كتابه من قبل وفى كتابه الذى نزل على محمد تخويفًا لعذاب كبير ونذيرًا لهم.
(وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةً وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ... ٣١) المدثر
نتوقف قليلا لنبين الفتنة ماهية الفتنة. فقد وردت تشير الى البلاء أو الإختبار وتشير الى العذاب. وسأذكر ءايات تخص الفتنة أو بعضها لكثرتها:
(كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةً وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ ٣٥) الأنبياء
فالانسان فى بلاء أو إمتحان فى الخير والشر، ماذا يفعل بالمال والبنون والخير إذا ما أتاه الله. وماذا سيفعل ويقول إذا ما أصابته مصيبة أو نقص من الأموال والأنفس. فلا علاقة بغنى وفقر الانسان بقربه من الله فالقريب من الله هو المبصر بأياته وبلاءه ويعلم أن خير هذه الدنيا ليس هو المعيار، وفى الأخرة سيكون الخير خالصًا للذين كانوا يتقون.
وكذلك (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ ١١) الحج
فالفتنة هى الشر الذى يصيب الإنسان. وأحب أن أذكر هنا أنه لا ترادف فى القرءان ولكم تشابه فى صفات الكلمة فالفتنة هنا هى من تلك الفئة عذاب، شر، مصيبة، وكل تلك الكلمات من بيت واحد وكل له معناه المستقل ولكننا نريد أن نفهم المقصد والمعنى التقريبى قدر المستطاع.
وأكمل الايات (لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضًاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذًاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣) النور
تصبهم فتنة أو عذاب. وفى ءاية هاروت وماروت قالوا إنما نحن فتنة، يعنى ذلك أنهم فى إختبار ولكن هذا الاختبار فيه شر ومضرة لكم فلا تكفر لانه لا يوجد مضرة إلا بإذن الله. ولكنهم كفروا وظنوا أن هذا الكلام هو الذى يحقق المضرة، ولم يُرجعوا ذلك إلى الله الذى جعل هذا البابل من الكلام يؤدى الى مضرة فأشركوا وكفروا به. إذاً هى فتنة فيها شر.
(وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ ٨٤ فَقَالُواْ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةً لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٥ وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٨٦) يونس
وهنا قوم موسى دعوا الله أن لا يكونوا فتنة للقوم الظالمين وطلبوا أن ينجيهم من القوم الكافرين. فهم خافوا أن يُطبق عليهم العذاب أو الشر أو المصائب من قِبل الظالمين.
كذلك وردت (وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنًا كَبِيرًا ٦٠) الإسراء
فالله قد أرى الرسول رؤيا تكون فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرءان، تخويفًا ونذيرًا لهم ولكنهم إزدادوا طغيانًا وكفرًا لانهم لا يؤمنوا بما نُزل عليه ولا يصدقونه بما يقول ففى قلوبهم مرض وكانوا كافرين.
وبالرجوع إلى الأية التى نبحث فيها:
(وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ) فهنا تخويف من شر ونذير لمن جاء له رسالة وكتاب من الله من قبل وفى زمن نزول القرءان على محمد، فهو نفس الكلام ونفس الأيات ونفس النذير.
وقال بعدها (لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) فلماذا يستيقنون؟
لانه مصادق لما جائهم ويكذب الذين افتروا على الله بكلام ومزاعم فى عدة الملائكة وأحاديث وروايات ورجمًا بالغيب. تمامًا مثل عدة أصحاب الكهف ونفس رجم الغيب.
لذلك كانت هذه الأية شفاء لما فى صدور المؤمنين والمسلمين من الذين أوتوا الكتاب، وتيقنوا أن الذى افتراه الكاذبين من أمتهم كله كذب وما يعلم جنود الله إلا هو. فالذى قيل من قبل أُكد عليه فى هذه الأية فعلم الذين أُوتوا الكتاب أنه الحق من ربهم ومصدق لما معهم. وكذلك ازداد الذين ءامنوا لما رؤوا أن الذى نزل اليهم هو نفس ما جاء من قبل. وأنهم إذا سألوا أهل الذكر من قبلهم فسيطمئن قلبهم ويروا أنه مصادق لما معهم.
وسوف لا يرتاب الذين أُوتوا الكتاب والمؤمنين الجدد الذى نزل عليهم الكتاب وهم قوم الرسول.
وأُوتوا الكتاب هنا أكثر تخصيصًا لأنها تعنى أن لهم علم من الكتاب وليس من الذين هجروا كتابهم ولا يعلمون ما فيه من ءايات. تمامًا مثل حالنا اليوم، فكثير من الناس لا يعلمون أن هناك ءاية تقول كذا أو كذا. ولا يفرق بين ءاية وحديث من كثر تفريطهم فى جنب الله وهجرهم الكتاب وغروا فى الحياة الدنيا حتى نسوا الذكر واصبحوا قومًا بورًا.
وأيضًا، فالذين أُوتوا الكتاب منهم الذى يستكبر فهو يعلم الكتاب، ولكنهم يستكبرون مع علمهم أنه الحق من ربهم.
ومن الذين أُوتوا الكتاب مسلمين لله لا يستكبرون ولا يكتمون الله حديثًا ويتلون الكتاب حق تلاوته من غير كفر ولا كتمان.
لذلك فالذين أُوتوا الكتاب هنا هم الذين يعلمونه فاستيقنوا لما عرفوا من الحق، وازادد الذين امنوا منهم إيمانًا لما جاء مصدقا لما قبله، وأحبط الله رجم الغيب والقصص فى عدة الملائكة.
(وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةًۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنًا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ ٣١) المدثر
فالذين فى قلوبهم مرض من البداية ولا يؤمنون وهاجرين الكتاب والكافرون بكل الكتاب لا يعلمون لماذا قال الله ذلك. وما هو المثل فى هذه الاية. وبالتأكيد لا يعلمون لأنهم أصلًا من تاركى كتاب ربهم ولا يؤمنوا به فلا يعلمون معانيه ومقاصده.
وان ما ذكره الله من العدة هو الصحيح ولا أحد يعلم ذلك إلا هو، وما عدا ذلك من الاقاويل فهو رجم بالغيب ولا اساس له. فما كانت تلك الأية إلا ذكرى ونذيرًا للبشر وتخويفًا لهم.
ثم اقسم الله وقال:
(كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ ٣٢ وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ ٣٣ وَٱلصُّبۡحِ إِذَآ أَسۡفَرَ ٣٤ إِنَّهَا لَإِحۡدَى ٱلۡكُبَرِ ٣٥ نَذِيرًا لِّلۡبَشَرِ ٣٦) المدثر
إنها احدى الكبر من عذاب الاخرة وهى نذير للبشر والحديث كله عن سقر وعذابها الكبير. (لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ ٣٧) المدثر
فالمتأخر هو الخسران والمتقدم هو الفائز يوم القيامة. (وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَٔۡخِرِينَ ٢٤ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ ٢٥) الحجر
فيجب ان تكون تلك الذكرى إن شئنا ان نتقدم بالاعمال سجدًا ركعًا، وأن لانكون من الذين لا يزيدهم عمرهم إلا تأخيرًا أو إثمًا.
ونكمل سورة المدثر (كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ ٤٠ عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣) المدثر
لم يكونوا من المصلين أى لم يكونوا على ذكر من الله وفى ما جاء فى كتابه، فكانوا من الغافلين وغرتهم الحياة الدنيا. (وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥)
وهناك ءايات أخرى عن قول الذين فى قلوبهم مرض ماذا أراد الله بهذا مثلًا
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرًاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ ٢٦) البقرة
فهذا قولهم دائمًا ماذا أراد الله بهذا مثلا؟؟
لانهم هاجرين الكتاب من قبل ومن بعد ولا يريدون أن يطهروا ويعلموا الحق وما نزل على الرسول فلا يفقهون شيئًا، ويجرهم الشيطان الى أوهام وهوى وكذلك فى ءاية أخرى (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ ١٦ وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدًى وَءَاتَىٰهُمۡ تَقۡوَىٰهُمۡ ١٧) محمد
وهذه هى أصناف الذين كفروا أو من فى قلوبهم مرض.
وهذا الذى تدبرته من الأيات التى تخص موضوع التسعة عشر والذى جُعل منه نظريات وإعجاز عددى، والموضوع مختلف تمامًا ولم ينزل الله علمًا ويجعله سرًا للهدى. بل هو ءايات بينات نقرأها ونراها.
والحمد لله الذى انزل الكتاب بينًا ومفصلًا وهدى ونورًا ولم يجعل له عوجًا.
التعليقات على الموضوع (8)