يُدبر الأمر
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿85﴾﴾ سورة الإسراء
واضح من سياق الأية أن الناس تسأل عن الروح الذي كان قد أخبرهم الرسول بأنه هو الذي يُوحى إليه وينزل عليه القرءان، وهو رسول من الله قال عنه الله (الروح) فالأية أتت تبين أن الناس أرادت معرفة ما هو هذا الروح الذى أنزل القرءان على قلب رسولهم.
فكان الجواب أنه من أمر رب العالمين.
ويجب الوقوف عند كل كلمة وننسى فهمنا للكلمات بما إعتدنا عليه من لساننا اليوم، ونرجع للكتاب للوصول للمعنى الصحيح.
أولا ما هو الامر الذي ينتمي إليه الروح؟ ونقصد هنا أمر الله.
وسنحاول أن لا نخرج كثيراً ولا نقول كلاماً قد نبأنا الله بأن ما أوتينا من العلم بهذه المسألة هو قليل. فهذا عالم أخر وعالم فيه من الغيب ما لا يمكن إكتسابه من علومنا عبر التجارب والخطوات والتعلم فهو علم خارج حدود وجودنا الحالى، وحتى عالم الملائكة وعالم البرزخ وعالم الأخرة وعالم الجن ليس لنا به من علم أكثر من الذي أبلغنا الله به في كتابه. وبالرجوع إلى كلمة الأمر فهناك أية عظيمة تبين لنا معنى هذه الكلمة. ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴿2﴾﴾ سورة الرعد
يتحدث الله عن خلقه وكيف أنه رفع السموات بغير عمد نراها. وهذا علم ونظام له قوانينه وهو من خلق الله العظيم. وهناك خطوات لهذا النظام وقواعد ثابتة ونحن البشر نحاول دراستها كعلوم، وتلك القواعد الثابته مجتمعة تسمى نظام. وهذا النظام فيه خطوات ومراحل بدونها لا يمكن له أن يقوم.
ونحن أيضا عندما نريد أن نصع شيئا ولنقل مثلاً السيارات فيجب أن نضع تدابير لهذا الامر وخطوات منها المواد والحسابات لخواص المواد والأجهزة والاسطوانات وشمعات الاحتراق وعلبة مغير السرعة والمحرك وكل تلك التدابير، لينتج لنا نظاماً كاملاً وظيفته أن ينقل الناس من مكان لأخر، وهذا العمل والنظام لابد له من مدبر ومفكر، ولا يأتى ذلك من لاشئ.
دعونا الأن نصيغ العبارات بعيداً عن إستخدام كلامنا المتداول اليوم مستخدمين كلام القرءان، فسيكون معنى (يدبر الأمر) هو أن الله يضع خطوات ومراحل النظام الذي هو (الأمر)، فالله أراد أن يخلق السماء وهذا نظام، فكان هناك خطوات علمية وأسباب لوجود هذا النظام أو لوجود هذا الأمر، فأوحى لكل سماء أمرها فلكل طبقة من السماء لها نظامها الخاص والعلمى من درجة الضغط ونسب الغازات وإلى غيرها من خطوات تدبيرية ليُقام هذا النظام أو الأمر. إذاً معنى الأية: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿85﴾﴾ سورة فصلت
أنه قضى حكمه فى أن يكون سبع سماوات ولكل سماء أوحى فيها قوانينها لتقوم السماء بوطيفتها على أتم صورة وعلى أعلى درجات الإتقان.
وبالعودة الى أية يدبر الأمر يفصل الأيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، فالله يدبر الأمر (يصنع خطوات) النظام (الأمر)، ويفصل الأيات ويفصل الأيات التي نراها، كل أية وكل نظام على حده وله أمره سواء كان ذلك فى الدواب أو في السموات والارض، فلكل شئ [نظامه (أمره)].
لعلكم بلقاء ربكم توقنون، ويعني هذا أن الله عند خلقه لشئ ما فهو يضع به علم ونظام محكم وقوانين، وليس عبثا بل هو علم عظيم. لا يزال البشر يكتشفون ويبنون القواعد لدراسة هذا النظام سواء في أنفسنا أو في السموات والارض، ليعلموا عظمة الخالق من عظمة وإتقان مخلوقاته.
وهنا مثال أخر حيث قال الله وءاتوا نسائكم من حيث أمركم الله. فهل توجد أية تقول كيف من حيث أمرنا الله!
فلو علمنا مفهوم كلمة أمر سنفهم معنى الأية لإن أمر الله في التزاوج والإنجاب قد خلق الله له نظاماً وخطوات، وهذا النظام أو الأمر هو عن طريق الجهاز التناسلي المخصص لهذه العملية. والله تعالى خالق هذا الأمر هو من يعلم أفضل طرق التعامل مع هذا النظام أو الأمر مثل صانع السيارة فهو من يعطى التعليمات للمستخدم عن كيفية الإستعمال. فعندما يقول من حيث أمركم الله يعنى من حيث ما جعل الله أمره فيكم وما خلقكم عليه.
وهناك أية أخرى في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿4﴾﴾ سورة المائدة، فأين تلك الأية التي تذكر لهم كيف علمهم وهل ينزل الله كتابا من السماء يذكر لهم كيف يتعاملون ويعلمون حيواناتهم ؟
وإنما يخاطب الله المؤمنون الذين يفقهون ويخاطب أولوا الالباب، فالله أعطانا القلب والبصر والسمع وعلمنا وهدانا للإكتشافات والبحث، وكل ذلك بفضل الله وبهداه وبما خلقنا عليه وبما أتانا وكرمنا به.
ارجع للأية التي تقول من حيث أمركم الله أى من حيث ما وضع الله أمره فيكم من خلقكم وما أعطاكم من جهاز مخصص لتلك العملية وبما يبعد عنكم الأذى والأمراض وما هو أطهر لكم وقد قال بعدها ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
وعندما قال لوط هؤلاء بناتى هن أطهر لكم معناه أن النساء فيهن أمر الله الذى قد خلق الله فيهن للتزاوج وهو الذى قال أنهم يذرون ما خلق الله لهم من أزواجهم.
وهناك مسألة مهمة أخرى وهى أن الكتاب نزل ليبين للناس ما فيه رحمة لهم وما فيه منفعة لهم في الدنيا والاخرة، ويعظهم أن الشيطان لهم عدو ويريد لهم المضرة والسوء. لذلك فإن هذا القرءان يهدى للتى هي أقوم ويريد بالإنسان الخير، وما بنا من نعمة فمن الله وما بنا من سوء فبما كسبت أيدينا وبما زين لنا الشيطان ولذلك كان من الضروري أن نفهم مقاصد الكتاب وأوامر الله.
واذكر أيضاً بأيات أخرى وهى أن الله قد خلق الزوجين الذكر والانثى وجعل بينهم مودة ورحمة وهذا أيضا من تدبير الله في أمره ولو لم تكن هناك المودة والرحمة لما تزاوجوا وتكاثروا، وكل شيء خلقه الله بعلم وتقدير والأيات كثيرة فى خلق الله العظيم وتدبيره للأمر. وكل شئ خلق الله منه زوجين ووضع لكل زوج منهم أمره من تدبير في خلقه وتقدير منه وهو الخلاق العليم.
وأيضا قال أوحى في كل سماء أمرها فما هو الامر الذي اوحاه لها؟ والجواب هو قوانينها وما دبر فيها من خلق ونظام ويكتشفه العلماء ويدرسها الناس ويبنون على أساسها. وهكذا هو الحال في كل خلقه جعل فيهم نظاماً وتكويناً وتدبيراً قدره بعلمه وصنعه.
وبالعودة إلى أية الروح فهو ينتمى الى عالم الأمر يعنى هو مخلوق لا يمكن تخيله فهو يتمثل بشراً سوياً، وهو الذى نفخ في أدم وفي فرج مريم أى أنه أمر وحامل لكلمة الله في أن يخلق وهو ليس ملاكاً بل شئ أعظم. فمثلاً عندما يقول أن الله سيعذب قوماً ويقول أتى أمر الله، فالله يقول كن وهذه الكلمة تتكون علوم وخطوات لهذه الكلمة الأمرية، ويكون هناك أسباب وخطوات لهلاك القوم بعذاب الغرق أو خسف الأرض. وكل مانراه من تحليلات كيف خسفت الارض من زلزال أو كيف أتى إعصار أو أى نوع فإن له خطوات علمية ومراحل إلى أن تبلغ ساعتها وتحدث. ويعنى ذلك أن كل أمر هو مجموعة خطوات ونظام وقواعد.
ولا يمكن لأحد أن يتخيل كيفية هذا العلم العظيم الذي ينتمى إليه الروح، فهو أمر الله في كلمة كن وما يترتب عليها من قوانين. والذي نعلمه أنه من أمر الله وينتمى إلى عالم أمر الله، وهو الذي يوحى إلى الرسل ما يُنَزل الله من كتب، وهو الذي نفخ فى الصور ونفخ في صور الذين يحشرون. وهذا خلق الله فكيف به هو الذى ليس كمثله شئ شديد المحال ولا يحيط به كل من في السموات والأرض علماً، وله الحمد في ما خلق وما قضى في الدنيا والاخرة.
التعليقات على الموضوع (5)