مفهوم الطلاق مرتان
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية التي سنتكلم عنها في هذا المنشور
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿229﴾﴾ سورة البقرة
سأبدأ بطرح مفهومي للآية، ومن ثم سأبين ما هو متعلق بمفهوم تلك الآية المحكمة والمفهوم من قوله الطلاق مرتان، فهو ليس حكماً في عدد المرات المسموح بها للمطلقين من اعادة علاقتهم كأزواج. ويعني ذلك هو أنه لا توجد عدد مرات في الطلاق، وأن مفهوم عدد مرات الطلاق لا يصادق عليه الكتاب، وله معنى آخر وموضوع مُفصل، وسنحاول هنا أن نتدبر ما نستطيع من الآيات المُبينات.
بدايةً لا نريد نقاش وسرد ما يقوله أتباع السلف لإن مفهومهم بهذا الموضوع ليس فيه شيء صحيح يمكن مناقشته وأنه مخالف لكتاب الله من الألف الى الياء، لذلك سيكون تبياننا هو لما فهمه الناس الذين تطهروا من ما يسمى الفقه المذهبي.
في حالة أننا قبلنا أن الطلاق هو عدد مرات وهذا ما يفهمه الناس ولنقل أنه عدد مرات ونسير بهذا الاتجاه فسيكون هناك تصادم مع الآية نفسها، لانه إذا كان الطلاق مرتان وثم بعد المرة الثانية لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فاذا طلقها الزوج الآخر وأرجعها زوجها الأول وطلقها مرة آخرى فكيف سيكون الحكم في هذه الحالة ؟؟؟؟؟
الكل يعلم أن الحكم بهذه الحالة هي تكرار العملية الأولى عدد مرات أو مرتان وإذا طلقها ثالث مرة فستنكح زوجاً آخر وستستمر هذه الحالة !!!
وهذا حكم باطل وليس من عند الله لانه لم يقل ولم يشرع بذلك يعني عملية التكرار هذا الحكم هو ليس من الكتاب وأيضا أننا وقعنا بثلاث طلقات وليس طلقتان كما هو سائد من مفهوم الطلاق مرتان.
إذن هناك خلل في فهم الاية ويجب إعادة قرائتها وترك ما ورثناه أو ما رسخ في عقولنا في أن الطلاق مرتان معناه عدد مرات وهذا حكم غير صحيح.
نبدأ في فهم الاية من البداية:
أولاً حكم الله في النكاح هو أن يعطي الزوج الذي يبتغي النكاح الأجر وقد ذكر الله ذلك الشرط في عدة آيات أذكر منها وإبتدائاً من الرسول الى المؤمنين
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿50﴾﴾ سورة الأحزاب
يقول الله أانه أحلل له أزواجه التي آتاهن أجورهن لأن الأجر هو الذي يجعل عقد النكاح صحيحاً وذكر أيضاً
﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿24﴾ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿25﴾﴾ سورة النساء
بعد ما بين الله ما حرم على المؤمنين من تفصيلات واضحة قال أنه أحل لكم ماوراء ذلكم أن تبتغوا (((بأموالكم ))) محصنين غير مسافحين فما أستمتعتم به منهن (الاستمتاع –هو الفترة التي عاشوا معاً فيها من قبل أن ينزل الحكم ) فيجب أن يعطوا أجورهن حتى يحل لهم نسائهم ولا جناح عليهم في ما تراضوا به من بعد الفريضة وذلك يعني أنه يجب تحديد أجر ولاجناح إذا تراضوا بينهم في ذلك الأجر.
وبذلك لا يحل عقد النكاح دون الأجر أو ما يُسمى المهر في أيامنا هذه، وتليها التفصيلات في الذين ينكحون من ما ملكت أيمانهم من الفتيات المؤمنات فينكحوهن بإذن أهلهن، لانهن فتيات ولسن كالمحصنات المؤمنات التي لا يحتجن الى إذن أهلهن فهن محصنات ومؤمنات ويجب ان يأتون تلك الفتيات أجورهن أيضا ليحل العقد بينهم.
وآية آخرى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾﴾ سورة الممتحنة
يحكم الله للمؤمنين انه لا جناح عليهم أن ينكحونهن إذا أتوهن أجورهن فذلك هو شرط عقد النكاح ليحل لهم الارتباط بهن.
وكذلك
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿5﴾﴾ سورة المائدة
تبين الآية الحكيمة أيضاً أن الله يحل للمؤمنين أن ينكحوا المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب إذا أتوهن أجورهن لإنه شرط إحلال العقد بينهم في النكاح.
اذن من تلك الايات نرى أن شرط العقد هو الأجر أو المهر وغير ذلك لا تحل له ولا يصح العقد، هذا هو المحور الاساسي في فهم ما نريد تبيانه.
ونرى في الآيات أن الله يذكر تذكيراً هاماً في عدم أخذ ما آتى الرجال لنسائهم من أجر أو مهر مثل قنطاراً أو غيره
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴿19﴾ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿20﴾
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿21﴾﴾ سورة النساء
كل تلك الآيات تذكر وتُوعظ المؤمنين أن لا يأخذوا شيئا أو يرثوهن كرهاً وإن فعلوا فسيكون بهتاناً وإثماً مُبيناً، وكل ذلك سيجعلهم من الظالمين كما قال الله في آية آخرى التي هي موضوع البحث. ويتلخص من كل ذلك أن شرط إحلال عقد النكاح هو الأجر ومن ثم الموعظة في المعروف بين الزوجين ومودة العلاقة بينهم.
وحتى يتضح الأمر الذي نبحثه هنا يجب أن نوضح مفهوم لفظ مَرَّةً في القرءان، وقد ورد هذا اللفظ على سبيل المثال في سورة طه
﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ﴿29﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿30﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿31﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿32﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿33﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿34﴾ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ﴿35﴾ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ﴿36﴾ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ ﴿37﴾ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ﴿38﴾ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴿39﴾﴾ سورة طه
هنا طلب موسى من رب العالمين أن يجعل له أخاه هارون وزيراً لانه أفصح منه لساناً ويريد أن يعينه في أمر الرسالة واستجاب له الرحمن وقال قد أوتيت سؤالك يا موسى، ولقد مننا عليك مرة أُخرى وقص بعدها ما هي المرة الأولى التي منَّ عليه فيها عندما كان صغيراً ونجاه وأوحى الى أمه أنه سيعيده لها ويجعله من المرسلين.
إذن المرة هي حالة معينة تأتي وتكون فيها تبعات ونتيجة، والآيات كثيرة وكلها تصب في هذا المعنى مع إختلاف القياس حسب السياق.
نعود للآية الحكيمة في مسألة الطلاق
﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّـهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿224﴾ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿225﴾ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿226﴾ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿227﴾ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّـهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿228﴾﴾ سورة البقرة
تخبرنا الآية أن الله لا يريد أن يكون الحلف به أو قسم الأيمان في الامتناع عن البر والاصلاح، وأنه لا يؤاخذ باللغو في الأيمان في الحالة عصبية أو ضيق لأمر ما وإتخاذ الأيمان عرضة في معروف دون أن يكون هناك نية صادقة لهذا الأمر. لذلك فالذي يقوم بأمر الطلاق في حالة من الضغط النفسي ويقسم بأيمانه على ذلك سماه الله لغواً، لا يُؤاخذ عليه إن لم يكن هناك إرادة في هذا الأمر.
فإن كان الامر جدياً، لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فهؤلاء من الفئة الذين أصبحوا يؤولون من نسائهم فقد تراجعوا في علاقتهم مع أزواجهم وأصبحت الحياة المشتركة غير محتملة فيتربصوا أربعة أشهر فقد يحدث بينهم إتفاق وتفاهم. وإن لم يحدث وإستمر هذا الحال وعزموا الطلاق بجدية فقد كسبت قلوبهم هذا الفعل والله سميع عليم فهو يسمع هذا القول في إتخاذ القرار، وعليم بما يكسب الانسان في قلبه في جدية قراره وبدون أي ضغط أو لغو من القول.
وبعد هذا العزم تبقى المرأة في بيت زوجها ويبدأون بإحصاء العدة التي هي ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، وبعولتهن في هذه الحال أحق من العدة في ردهن إن أرادوا اصلاحاً، لأن العدة هي حق الله في الحكم في المطلقة ولكن إن كانت حامل فلا توجد عدة وبعولتهن أحق من ذلك الحكم من إكمال العدة ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم في حكمه.
إذن الطلاق بدايته تكون عدة وحسب كل نوع من النساء وبما فصل الله في عدتهن إن كن حوامل أو يئسن من المحيض أو لم يحضن أو دون ذلك. وبعدها قال
﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿229﴾ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿230﴾﴾ سورة البقرة
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فمهوم المرتان هنا هو ليس العدد وإنما حالتين في الطلاق ونتيجتهما هى فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ (((أَوْ))) تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
فيوجد مرة يطلق فيها الرجل زوجته فيبدأون باحصاء العدة وبعد إنتهاء العدة يجب أن تكون نتيجة هل يمسكها ويتراضون فيما بينهما على إستمرار الحياة الزوجية أو يتم التسريح بإحسان وتحصل الزوجة على حقها أو أجرها الذي قد حصلت عليه من قبل والذي هو كان شرط إحلال النكاح. فالاية تتحدث عن أنه لا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
ونتوقف قليلاً هنا مع المرة الأولى بعد إتمام العدة وهى الامساك فذلك خير ويكون بتراض بين الطرفين بالمعروف.
أما المره الأخرى فهى التسريح بإحسان في حالة الإتفاق على الإنفصال على أن لا يحل للرجل أن يسترد ما أتاه من أجر والذي هو حق لا تهاون فيه عند الله الا إذا افتدت به هي فلا جناح عليهما.
وإن طلقها في حالة ولم يعطها المتاع والاجر الذي كان لها وذلك بقوله تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿229﴾
تلك حدود الله هو الأجر أو ماأوتين من قبل، وكذلك المتاع الذي هو حقهن وسماه الله تسريح بإحسان هنا في هذا الموضع فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
فإن طلقها وهو متعدياً لتلك الحدود يعني لم يعطها أجرها ولا المتاع فلا تحل له من بعد لأنه قد تعدى حدود الله في أجرهن الذي هو حق لهن فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فان طلقها الزوج الآخر وبعدها أرادوا الرجوع وظناً أن يقيما حدود الله فتحل له، وإن لم يقيما حدود الله فيما بينهما من حسابات وانفاق وغيرها وأن يأتيها الأجر أو المهر الذي هو حقها
ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿230﴾
إذن الاية تتحدث عن حدود الله ولا تبين أن المرأة المطلقة إذا طلقها زوجها ثلاث مرات لا تحل له حتى تنكح غيره فالموضوع بعيد عن ذلك.
وبالعكس أيضاً فإن الله يعظ المؤمنين في أن يردوا المطلقات أو التي قضت عدتهن أن يرجعن لازواجهن وقال إن ذلك أزكى وأطهر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿232﴾
وبداية الأمر يبدأ بالعفو عن اللغو في الايمان وكذلك تربص أربعة أشهر وبعدها ثلاث قروء وبعدها لا توجد عدة للحامل إن أرادوا إصلاحاً، وبعدها يعظ الله التي تطلقت إن يردوهن لازواجهن إن أرادوا الإصلاح، وأيضاً قال أن يأتي حكم من أهله وحكم من أهلها وكل ذلك لان الله يريد أن تكون الاسرة مترابطة والرجال والنساء محصنين ويكون الاطفال تحت تربية اسرتهم، وكل ذلك يصلح المجتمع لذلك يقول الله حافظوا على الصلوات وهذا هو أمر الله في كل الحالات الاجتماعية فهو أمر بالمحافظة على التراحم والتسامح وأن يحافظوا على الصلواة مع الله أيضاً ليكون لهم ذكراً في الرحمة والتراحم والتذكر مما يوعظ الله به من حكمة ورفع لقدر الانسانية.
إذن الآية تقول أن الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان يعني أما يكون الطلاق ونتيجته النهائية هو الامساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأن يتحاسبوا ما أنفقوا فيما بينهم ما هو خارج المهر والمتاع ولحد ذلك فهذا هو مفهوم مرتان أي نتيجتان أو حالتان.
وبعدها إن أقاموا الحدود وتطلقوا حتى لو ألف مرة فيستطيعون العودة سوياً من غير نكاح من زوج آخر لإنهم أقاموا حدود الله في التسريح. هذه الآية هي في حدود الله، والآية التي بعدها تكلم الله عن المعاملة بين الزوجين من معروف دون تكرار
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿231﴾
فالآية أعلاه موضوعها يختلف عن الآية التي قبلها وهو ليس تكرار وإنما تفصيل بين آية الأجر والآية الآخرى هي في المعروف في المعاملة.
هذا ما فهمته من الآيات. والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (3)