الصراط المستقيم في القرءان الكريم
ينتشر في بعض روايات التراث الإسلامي تعريف الصراط على أنه طريق ممتد يوم القيامة بين الجنة والنار وهو أحدُّ من السيف وعرضه مثل الشعرة، يفترض أن يمر عليه الناس فيعبره المؤمنين إلى الجنة، أو يتساقط من عليه أصحاب النار.
أما الصراط في القرءان الكريم فلم يشير إلى هذ الوصف السابق، حيث جاءت كلمة الصراط أيضاً بمعنى الطريق على لسان نبي الله شعيب في النص القرءاني التالى ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)﴾ سورة الأعراف
أما في أكثر مواضع القرءان الكريم جاءت كلمة الصراط مقترنة بكلمة المستقيم، وقد يكون المعنى المقصود في بعض المواضع في النص القرءاني هو الطريق المستقيم، ولكن في موضعين من القرءان قد أتى هذا المصطلح معرفاً بالألف واللام أي الصراط المستقيم حيث يبدو أنه يشير إلى معنى شيئاً آخر بعينه موجود ومشار إليه في القرءان الكريم
وهذين الموضعين هما في النصين التاليين: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)﴾ سورة الصافات
والنص التالي من سورة الفاتحة: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)﴾ سورة الفاتحة
وعلى ما يبدو من النصين أنهما يتحدثان عن شئ واحد مُعرف قد هدى الله إليه أنبيائه موسى وهارون من قبل ويدعو المسلمين رب العالمين في سورة الفاتحة بالإهتداء إليه.
الصراط المستقيم هو وصايا من رب العالمين
وقد بين الله في القرءان هذا الصراط المستقيم في نص سورة الأنعام التالي: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)﴾ سورة الأنعام
حيث يبدو من النص السابق أن الصراط المستقيم هى وصايا منها العشرة المذكورة في هذا النص أوصانا الله تعالى بإتباعها أولها عدم الشرك بالله تعالى وآخرها إتباع هذا الصراط المستقيم.
وعلى مايبدو من النص أيضاً صحة وجود نفس الوصايا أو جزء منها قد نزلت على موسى عليه السلام وقد أنزلها الله تعالى مرة آخرى على المسلمين لإتباعها حتى لا يقولوا أنهم كانوا عنها غافلين وأنها خاصة بطائفتي اليهود والنصارى.
ومما يؤيد ذلك النص المذكور أعلاه من سورة الصافات ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)﴾ سورة الصافات
ونص سورة الفاتحة ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾ حيث الصراط المستقيم المُعرف هنا هو نفس الوصايا، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وأن الوصايا أيضاً هى صراط الذين أنعم الله عليهم وهم بنو إسرائيل وهذا ما تؤكده نصوص قرءانية عديدة منها ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)﴾ سورة البقرة
هل نزلت الوصايا على رسل آخرين
مما تبين من قبل فإن الوصايا المذكورة بعينها في القرءان الكريم قد نزلت على موسى وهارون عليهما السلام وأيضاً على عيسى عليه السلام الذي جاء مُصدقاً لشريعة موسى ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)﴾ سورة آل عمران
وحيث أن الوصية الأولى هى عدم الشرك بالله فمما لا شك فيه أن هذه الوصية قد جاء بها كل الرسل وأن الوصايا الآخرى قد أشترك فيها رسل آخرين فمنهم إبراهيم عليه السلام الذي هداه الله تعالى أيضاً صراطاً مستقيماً وهي وصايا رب العالمين، وعلى مايبدو أنها لم تكن بنفس العدد الذي جاء في القرءان الكريم لإنها جاءت هنا غير مُعرفة أي قد تكون جزء من مجموع الوصايا وليس نفس الصراط المحدد المُعرف بعينه في القرءان كما في حالة الرسل الأربعة موسى وهارون وعيسى ومحمد عليهم السلام ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)﴾ سورة النحل
التعليقات على الموضوع (9)