اليهود غير الذين هادوا
لقد تم خلط بين دلالة كلمة (اليهود)، وكلمة (هادوا)، نظراً لاشتراكهما بالجذر ذاته؛ الذي هو (هد)، وذلك بعد إزالة أحرف المد، فيخرج منها لفظان، وهما؛ (هَوَدَ، وهادَ )، وهذا الأسلوب في اللسان العربي معروف ومستخدم، انظر إلى كلمة (الرحمن)، وكلمة (الرحيم)، فكلتاهما خرجتا من جذر واحد؛ وهو (رحم)، ولكن دلالتيهما مختلفتان، انظر إلى استخدام القرآن لكليهما؟
الرحمن:على وزن فعلان، مثل شبعان، حيران، كسلان، نجد أنها متعلقة بالحالات الثنائية؛ الضدية، فصفة (شبعان) يكمن في داخلها ضدها؛ التي هي (جوعان)، ولا يمكن وجود أحدهما دون تصور الآخر، وصفة (الرحمن) أُطلقت على فعل الله لأنه قام بعملية الخلق على قانون الثنائيات، فتعلقت كلمة (الرحمن) بالاستخدام القرآني بصفة العلم، والخلق، والفعل، ولم ترد بسياق الرحمة أبداً، اقرأ قوله تعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴿3-2-1﴾﴾ سورة الرحمن
﴿أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ﴿32﴾﴾ سورة يس
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ﴿45﴾﴾ سورة مريم
لاحظ كيف أتت كلمة الرحمن في سياق الضر والعذاب، وهذه الأفعال لا تناسب دلالة كلمة الرحيم؛ التي تصدر الرحمة الخالصة، واقرأ قوله﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ الفاتحة1 ، وقوله{تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (فصلت2)، ومن المعروف أن النص القرآني منزه عن الحشو والعبث، وأن كل كلمة لها دلالة مستقلة عن الأخرى، وأن اختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى، وبالتالي لا يمكن أن تكون دلالة كلمة (الرَّحْمَنِ)، هي ذات دلالة (الرَّحِيمِ) في مثل قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ النمل30، ما يدل على أن كلمة (الرَّحْمَنِ) تدل على صفة إيجاد الفعل بصورة ثنائية من خلال عملية الولادة من علاقتهما ببعضهما، وتم التعبير عن ذلك بقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿5﴾﴾ سورة طه، وكلمة (الرَّحِيمِ) تدل على المغفرة والتجاوز عن الأخطاء، والمعاملة للآخر من منطلق الكمال والأحسن، فالرحمن؛ يفعل ويُوَلّد الأشياء من العلاقات الثنائية، والرحيم؛ يرحم(1).
فماذا تعني كلمة (هد) ؟
هـ : صوت يدل على تأرجح خفيف منضبط.
د : صوت يدل على دفع شديد.
وجمع الصوتين بترتيب كلمة (هد)(2) يدل على عملية أرجحة منتهية بدفع شديد نحو جهة مُعينة، نقول: هَدَّ الرجل الجدار، إذا قام بعملية أرجحة الجدار وهزه إلى أن يندفع إلى اتجاه معين، ونقول: هَدَّ الطير على الغصن، إذا أوقف حركة أرجحته واندفع إلى الغصن مستقراً. ومن كلمة (هد) خرجت كلمة (هاد)؛ التي أضيف لها صوت (آ) بعد صوت (هـ)؛ ليعطي للأرجحة صفة الإثارة والامتداد في الجهة التي يريد أن يدفع نفسه إليها،فلم يتم الدفع مباشرة، وإنما حصل الدفع بعد عملية الإثارة والامتداد.
أما كلمة(هَوَدَ) فقد أتى صوت (و) ليضيف إلى حركة الأرجحة صفة الضم الممتد، وبعد ذلك تم الدفع حسب ما حصل، فنلاحظ؛ أن صوت ( و) لم يحدد جهة الأرجحة، وإنما توجهت حركته إلى كليهما معاً؛ ليصير قوةً تُعيد وتضم الحركة السابقة إلى ذاتها، وأتى صوت ( د ) ليعطي عملية الضم دفعاً شديداً، ومن خلال تحليل أصوات كلمتي (هَوَدَ، وهادَ ) نصل إلى تعريف محدد لهما.
التعليقات على الموضوع (4)