حادثة النسوة اللاتي قطعن ايديهن
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴿31﴾﴾ سورة يوسف
نحاول في هذا المقال أن نعيد التفكر في هذا النص الكريم وفهم معانيه من خلال القرآن نفسه وأن نعقل الموضوع. وسأضع الخلاصة في البداية حتى يتسنى للقارئ معرفة الهدف من الموضوع.
والذي فهمته من النص أنه لم يكن القصد من كلمة سكيناً هو الآلة الجارحة المعروفة لدينا. فسنحاول معرفة المعنى القرآني المقصود من هذه الكلمة، ونرى أن النسوة
لم يقمّنَ بتقطيع آيديهن بالآلة الجارحة وسأشرح ذلك بعد أن أذكر كل المتعلقات التي تخص الموضوع.
ونبدأ بالتفصيل: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً - فهي جهزت لهن ما يمكن من لزوم الجلسة، وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا - فبعد أن جهزت لهن مكان الجلوس، أتت لكل واحدة منه سكيناً. فالسكين كآلة حادة كما تعارفنا عليه ليس لها مكان أو لزوم في هذه القصة. ولم يرد تنويه في النص أن إمرأة العزيز قد دعت النسوة من أجل الطعام.
فما هو السكين الذي احضرته لهن؟ وهل إن كان المقصود هنا هو الآلة الحادة فكيف علمت أن ردة الفعل ستكون أنهن سيقومون بتقطيع حسي لأيديهن؟
فمهما كان يوسف من الوصف لا يكون الشده والاكبار منه ان يمسكن السكين ويقطعن أيديهن بالفهم المعروف لدينا. ولا أرى أن هذا العمل هو صفة أو غريزة من غرائز الانسان ليقوم به من شده إنبهارهه وإعجابه الشديد بشئ. فهذا الفهم منافي لطبيعة وصفات الانسان وغرائزه.
وما هذا الخيال أو العلم الغيبي من امرأة العزيز في معرفة انهن سيمسكن السكين كلهن مسكة واحدة ويقطعن ايديهن من شدة الإعجاب بيوسف ولذلك أتت لكل منهن مسبقاً بسكين !! ولماذا اختارت هي طريقة أن تأتيهم بسكين جارح لينزفون بدمائهم !!
فأرجو أن نتفهم ونعقل الحالة ففيها أمر غير منطقي. لذلك يجب إعادة التفكر والبحث في كلمة سكيناً من القرأن لنفهم النص ونفهم نصوص كثيرة آخرى من هذا الاستدلال.
فجذر الكلمة سَكنَ وقد وردت في نصوص القرآن بعدة تصريفات، وفهمنا للكلمة هو المراد وليس الترادف وما نأتي به من ترادف هو فقط لتقريب الفهم ووضعها بخيال القاريء ليفهم منها المقصد والمراد من معنى الكلمة القرآني.
﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴿80﴾﴾ سورة النحل
الله جعل من البيوت سكناً لنا أي مكان يستقر فيه الانسان ويهدأ من نشاطاته وانتشاره في الارض، فكلنا يفهم ما هو شعور الذي يأتي بيته بعد عمل طويل مُتعب وحركة دائمة وسعي.
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴿72﴾﴾ سورة القصص
والليل يسكن فيه أكثر الناس لان فيهم من يبتغي فضلاً ورزقاً في الليل ولكن بصورة عامة فالليل هو السكن وفيه نوم الناس واستقرارهم بعد نشاط وسعي وحركة.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون ﴿21﴾﴾ سورة الروم
والله خلق من أنفسنا أزواجاً للسكن إليها للإطمئنان والإستقرار.
ووجدت من المعاجم ما يطابق هذه المعاني:
سكن الشيء سكوناً تعني استقر وثبت. وهو عكس الاضطراب والحركة، ولذلك كان إسم السكين المتداول الان لانه يسكن المذبوح من الحركة والإضطراب ويقتله وينهي حركته
ثم نأتي الآن للأيدي فقد جائت في كثير من النصوص القرآنية بمعنى ما يفعله الانسان، وتأتي على عدة مقاييس وحسب كل فعل. فالذي يكسب حسنة فهو بما قدمته يداه من عمل سواء كان عملاً صالحاً أو غير ذلك، فما يكسبه من اثم فهو أيضا بما قدمته يداه من افعال سوء.
﴿ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿182﴾﴾ سورة آل عمران
﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴿45﴾﴾ سورة ص
أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ تعني أنهم كانوا يكسبون الحسنات بأفعالهم الخيرة ووما كسبت ايديهم فاليد تمثل ما يجنيه الانسان والابصار تعني انهم كانوا يبصرون بأعملهم ويعلمون أن من ورائهم حساب ويحسبون لذلك اليوم، ومُبصرين بآيات الله ويعملون على علم وليست على أبصارهم غشاوة، وجعل الله لهم فرقاناً من امرهم فيعلمون سبيل الرشاد، بإختصار فإنهم يعملون على بصيرة ونور.
﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ﴿71﴾﴾ سورة طه
السحرة هنا كان عملهم السحر ويتكسبون من وراء هذا العمل المال، لذلك فأيديهم تمثل ما يكسبونه من عملهم، فبعد ان أمنوا بما جاء به موسى حكم فرعون فيهم حكماً،
وقال فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ بمعنى أن يقطع عنهم ما يمكن أن يكسبوه من عمل وَأَرْجُلَكُم تمثل المُضي لذلك، فيكون المعنى من النص وحسب ما فهمته هو أن فرعون أمر أن يقطع عنهم ما كسبوه وما قدموه وما خلفوه من عمل ومال، يعني يشبه ذلك حكم النفي ومصادرة الأموال، فلم يكن لهم أي شيء يخلفوه وقطع كل ما كسبوه وما يمكن أن يكسبوه.
وصلبهم الى جذع النخل حتى لا يتحركوا ويتصلب جسمهم وهذا عذاب جسدي لهم.
وللتنويه فقط فإنه لا يوجد بتر ليد السارق، وإنما هو قطع عمله الذي كان يكسب منه السرقة وقدرته بذلك المنصب من السرقة فاذا قطعت يده من هذا العمل الذي كان يسرق عن طريقه فيه قطع للفساد وإستإصال لسبب الفساد. ولكن إن تاب واصلح يعني يتوب ويُعيد ما قد سرقه، ويُصلح ما أفسده فالله يتوب عليه. ولعل أكثركم يعلم أن البتر لا علاقة له بنص سورة المائدة في جزاء السارق والسارقة لا من قريب ولا من بعيد.
ونرجع الى النص قيد بحثنا، فبعد أن بينا من كتاب الله معنى السكن ومعنى الايدي نأتي لنقرأ النص بفكر آخر معتمدين على المعاني اعلاه التي هي من الكتاب.
قلنا هي احضرت متكئا واتت كل واحدة منهن سكيناً، فالسكين هنا يعني هو شيء يجعلهن غير مضطربات متهيئات لحدث خروج يوسف وتقديمه لهن، فلا يسود المجلس الفوضى قبل دخوله.
فتخيل أولادك يلعبون في كل مكان في البيت دون أي شيء ينشغلون به ليسكنوا من الاضطراب، مثل جهاز كمبيوتر أو جهاز للتسلية. فإن تم حرمانهم من ذلك السكن سيسود الإضطراب ولو بعد حين. وهذا قد يكون تشبيه لهذا المجلس الذي أحتشد فيه مجموعة النسوة في هذا القصص.
فقد اتت إمرأة العزيز كل واحدة منه سكيناً، بحيث يتهيأ السكون والإنشغال في ما بين ايديهن، فلما قالت اخرج عليهن أكبرنه. وهنا توضيح كبير من الله في التبيان وهو أنهن أكبرنه عن السكن الذي كان بين أيديهن وتركن أو قطعن أيديهن مما كن ساكنات فيه ملتهيات به. فهو أكبر مفاجأة ويستحق أن يتركن ما بين ايديهن. فكان الموقف عظيماً إذ أنهن كلهن قد تركن وقطعن عملهن أولهوهن من شدة الإعجاب بهيئة بيوسف عليه السلام. فكان ذلك أكبر مما سكن وإنشغلن فيه. وكلمة وَقَطَّعْنَ لم تأتي الا بالتشديد وتدل على تكرار الشئ وإستمراره.
هذا الذي فهمته من هذا النص، ولم أعقل أن الانسان إذا إنبهر بشيء جميل يراه فإنه يمسك سكيناً ويقطع يده. ولم أفهم أيضا لماذا أحضرت إمرأة العزيز آلة جارحة لكي يجرحن أيديهن. ولا أرى ان هذا هو المفهوم صحيح لهذا النص. ولكم ان تتفكروا في الموضوع واختاروا ما تروه صواباً وليس ما رائه السابقين صوابا
والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (24)