أصل كلمة العرب
نظراً لعدم دقة المصادر التاريخية لمعرفة مصدر كلمة عرب وكثرة الآراء عن أصل هذه الكلمة ومن أين أتت، وحقيقة أن كثير من الترجمات للمكتشفات الأثرية يقوم بها أوربيون جاهلون بألسنة منطقة الشرق الأوسط فيتم الوقوع في أخطاء كبيرة في الترجمات من اللسان الأصلي.
ومن أجل هذا فإن القرءان الكريم يبقي دائماً هو المصدر الوحيد الذي يمكن الثقة به للوصول إلى بعد الحقائق التاريخة إن قُدر وجود آثار لها في النص القرءاني.
ومن ناحية آخرى أعتقد أيضاً أن القرءان الكريم هو المرجع الأول في أمور قواعد اللسان ومعاني الكلمات لإنه نص آلهي ومابه هو حقائق مطلقة وما على الإنسان إلا محاولة إستنتاج هذه الحقائق، أما بالنسبة للكلمات التي لم ترد في النصوص القرءانية فمن الطبيعي إذن الرجوع إلى معاجم اللسان لمعرفة أصولها ومعانيها.
وقد وردت كلمة عربي في عدة مواضع من القرءان الكريم أشهرها قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)﴾ سورة يوسف
ومن المعروف عند الكثيرين أن الكلمة هنا معناها أن القرءان قد أنزله الله تعالى باللسان (العربي)، ولكن إن حاولت أن تتدبر النصوص الآخرى التي أتت بها هذه الكلمة بحياد تام قد تصل إلى نتيجة آخرى وأن كلمة قرءان عربي ليس مقصود بها قرءان باللسان (العربي)، فإن أردنا معرفة دلالة كلمة عربياً هنا فأصوب طريقة هو مقارنتها بمواقع ورودها في أماكن آخرى في النصوص القرءانية ومحاولة الوصول إلى ما تقصده الكلمة، فإن تدبرت قول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37)﴾ سورة الرعد
في هذا النص يقول تعالى أنه أنزل حكماً عربياً، فيبدو هنا بوضوح أن كلمة عربياً ليس المقصود بها اللسان، فصفة الحكم الإلهي هي الوضوح للفهم الإنساني والكمال وليس حكماً باللسان (العربي)، فوصف حكم الله بأنه باللسان (العربي) لا يستقيم معه المعني ولا يقدم نوع اللسان ولا يؤخر بإضافتها كوصف للحكم الإلهي، والأقرب أن الكلمة هنا جاءت بمعنى صفة الوضوح للفهم الإنساني والكمال لهذا الحكم مما يستقيم مع معنى كلمة عربياً في الآيات التالية التي تصف القرءان الكريم.
فيقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)﴾ سورة الزخرف
فيقول الله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)﴾ سورة الزمر
فيقول الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)﴾ سورة فصلت
فالنصوص هنا تستقيم مع معني أن القرءان عربياً أي له صفة الكمال والوضوح للفهم الإنساني لعل الناس تعقله، أم أن يكون القرءان باللسان (العربي) سبباً لكي يعقله الناس فهذا معنى غير مستقيم فقد يكون الإنسان يتحدث بنفس اللسان ولا يفهم نصوص مبهمة، وماذا عن من لا يتكلم بهذا اللسان؟ أليس القرءان موجه إليه أيضاً؟ فلعلكم تعقلون موجهه لكل البشر وليس فقط لمن يتحدث باللسان الذي نزل به القرءان.
وفي النص الثاني يصف الله تعالى أن القرءان عربياً غير ذي عوج، والمعنى هنا يستقيم أيضاً لو أن القرءان كامل وواضح للفهم وغير ذي عوج، أما إن كان المقصود القرءان باللسان (العربي) وغير ذي عوج فإن كونه بهذا اللسان لايؤيد بالضرورة أنه غير ذي عوج، فقد يجتمع الإعوجاج مع كونه باللسان (العربي)، ولكن لايجتمع الإعوجاج مع صفة الكمال والوضوح للفهم.
وفي النص الثالث فإن المعني يستقيم أيضاً مع معني أن الكتاب قد فُصلت أدلته كقرءان كامل وواضح لمن يريد أن يتعلمه، أما إن كان المقصود أنه قرءاناً باللسان (العربي)، فإن المعني كذلك يجعل من كونه بهذا اللسان هو ميزة في حد ذاتها ومعرفتها هو الطريق الوحيد لتقبل رسالة الله للبشر وهذا ينافي نزول الرسالة للعالمين ويرفع التكليف عن غير المتكلمين للغة القرءان
فالقرءان نزل بلسان (العرب) لعلكم تعقلون وأن الله تعالى يتحدث في القرءان إلى قوم (العرب) فقط.
إذن فمن الأرجح أن صفة قرءاناً عربياً لايمكن أن تعني اللسان ولكن الكمال والوضوح للفهم.
أما قول الله تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾ سورة الشعراء
وقوله الله تعالى: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)﴾ سورة الأحقاف
من الأرجح في هذين النصين أن المقصود باللسان العربي هنا ليس لسان التكلم وما يُطلق عليه اللغة لإنه كما تبين في السابق أن كون القرءان باللسان (العربي) ليس بميزة ولكنه نزوله باللسان الذي يتحدث به الرسول الكريم كان من الدواعي المنطقية وأنه نزل للبشر أجمعين ولم ينزل ليخاطب القوم المتحدثين بهذا اللسان فقط ليتم التركيز عليها كميزة للقرءان الكريم.
ومن الأرجح أن كلمة لسان في هذه النصوص قد تعني أيضاً بالإضافة إلى اللغة وسيلة التعبير، فيكون لسان عربي بمعنى وسيلة تعبير كاملة وواضحة للفهم
ومما يؤيد ذلك ورود كلمة لسان بهذا المعنى في نصوص آخرى كقوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)﴾ سورة مريم
وقوله تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84)﴾ سورة الشعراء
فمن الواضح في هذين النصين أن كلمة لسان تأتي أيضاً بمعنى وسيلة التعبير ولا تقتصر فقط على معنى اللغة.
والخلاصة أن كلمة عربي التي وردت في نصوص القرءان لم تشير إلى اللسان أو القومية العربية، لإنه لم يُعرف في الوقت الذي تنزل فيه القرءان على النبي الكريم، أنه قد أطلق على سكان هذه المنطقة اسم العرب أو أن اللسان الذي تحدثوا به قد اطلقوا عليها اسم اللسان العربي، بل المعروف في هذا الحقبة من الزمن أن السكان كانوا عبارة عن قبائل ويطلقون على السكان اسم القبيلة ولغتهم تسمى لهجة أو لسان القبيلة، ولم يكن وجود مؤكد لكلمة اللسان العربي أو القومية العربية.
والأرجح أن هذا الإسم بدأ إستعماله بعد وفاة الرسول بفترة زمنية، بعد أن بدأ تفسير كلمة عربي الواردة في النص القرءاني على أن المقصود بها اللسان الذي نزل به القرءان، وبدأ حينها إستخدام كلمة اللغة العربية ومن بعدها بدأ تسمية السكان المتكلمين بهذه اللسان بكلمة العرب ومناطق سكنهم بالمنطقة العربية وولدت بذلك القومية العربية.
التعليقات على الموضوع (23)