زي المرأة في القرءان الكريم
يثير هذا الموضوع أحياناً الكثير من النقاشات، ويختلف الناس بخصوص ما يُسمى بالزي الإسلامي للمرأة هل هو ما يسمى بالحجاب أم أنه ما يسمى بالنقاب، فما هو إذن الزي الذي كتبه الله تعالى على المرأة المسلمة؟
في البداية نعود للقرءان الكريم لنبحث في أصل تعبيري الحجاب والنقاب.
معنى الحجاب في القرءان الكريم
ورد تعبير الحجاب في النص القرءاني في سبعة مواضع بمعنى الحاجز أو الستار، وجميعها ليس لها علاقة بموضوع اللباس، كما في النصين التاليين على سبيل المثال (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴿٤٥﴾) سورة الإسراء
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿٥١﴾) سورة الشورى
وكما تبين من النصين السابقين فإن تعبير الحجاب في كتاب الله العزيز لا يعني نوعاً من الثياب، وأن إستعمال هذه الكلمة على انها إسم لغطاء رأس للمرأة قد أمر به الله تعالى ليس له وجه من الصحة، وهو إضافة بشرية لم ترد في كتاب الله تعالى.
معنى النقاب في القرءان الكريم
لم يرد تعبير النقاب في النص القرءاني على صلة باللباس أو نوع من الزي، فمصدر الكلمة نقب معناه ثقب كما جاء في النص القرءاني التالي (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴿٩٧﴾) سورة الكهف
كما جاء تعبير التنقيب في البلاد بمعنى البحث كما في النص التالي (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴿٣٦﴾) سورة ق
ومن هنا يبدو أن النقاب كزي إسلامي للمرأة جاء به كتاب الله تعالى غير صحيح، بل أن إستعمال هذه الكلمة التي يدور معناها حول الثقب أو البحث كإسم لنوع من الثياب يبدو غريباً ولم يرد ذكره في كتاب الله تعالى.
الزي الإسلامي في القرءان الكريم
لم يذكر النص القرءاني أن الله تعالى قد كتب على المؤمنين إرتداء جلباباً أو سروالاً بشكل أو لون معين. وقد ترك الله تعالى للبشر حرية إرتداء ما يشاؤن من الثياب، ولم يكتب على المؤمنين زياً موحداً. بشرط واحد وهو عدم التعري (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿٢٦﴾) سورة الأعراف
وقد تناول النص القرءاني في موضع آخر موضوع الزي (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿٥٨﴾ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥٩﴾) سورة الأحزاب
وهذا النص هو من القصص في عهد الرسول الكريم، ويتناول حادثة بعينها وليس من الأحكام والرسالة، وإنما هو للتعلم وأخذ العبرة من القصص.
ويذكر النص في بدايته أن هناك من يفتري على بعض المؤمنين والمؤمنات ويؤذيهم، وذلك بإتهامهم بشئ لم يفعلوه (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا)، حيث يبدو لي أن هذا الإيذاء الذي يتحدث عنه النص وتعرض له الرجال والنساء بصفة مشتركة هو الإفتراء عليهم بوجود مقابلات أوعلاقات في الخفاء، فأخبر الله تعالى النبي أن ينصح زوجاته وبناته ونساء من عاصره من المؤمنين بأن يقوموا بأحد هذين المفهومين:
- إدناء جزء من جلابيبهن التي يبدو أنها كانت مفتوحة، فيتم تقريب الطرفين لإغلاق الجلباب. وهذا هو اقرب أن يُعرفن في الأماكن العامة انهن من نساء المؤمنين، فلا يتعاملون بالعلاقات المباحة في ذلك الوقت التي لا يقبلها دين الإسلام.
- بكشف حد أدنى من جلابيبهن حتى يتيسر التعرف على شخصياتهن أثناء إصطحاب أقاربهن من الرجال في الأماكن العامة ولا يتعرضن للأذى والإفتراء الذي تم ذكره في بداية النص إن كانت متخفية مجهولة الهوية وراء الثياب.
أما ما ذكر في التراث وما يُسمى بكتب التفسير بأن النص السابق يشير إلى التفرقة بين الأحرار والعبيد من النساء في اللباس، فهذا من الضلال وإتهام القرءان الكريم بالعنصرية، حيث ان الله تعالى لا يفرق بين الناس على أساس مكانتهم الإجتماعية بل أن ميزان القرءان هو (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ).
تغطية رأس المرأة
من الموروث أن الله تعالى قد كتب على النساء تغطية الرأس، وعند البحث في كتاب الله لا تجد نصاً واضحاً يأمر بهذا، ويتم أحياناً الإستدلال على ذلك بالنص التالي (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٣١﴾) سورة النور
فلم يرد في النص سوى تغطية الجيوب بالخُمُر، ولم يتحدث النص صراحة عن الرأس، وعلى ما يبدو أن الرأس ليست هى الجيوب الواردة هنا، حيث ورد تعبير الرأس وهو تعبير قرءاني في نصوص آخرى ويقصد به ما يسميه الناس الآن الشعر، إذن فما يُغطى هو الجيب وعلى ما أعتقد المقصود به هنا منطقة الصدر.
كما يلاحظ في النص السابق أن المرأة تُبدي من زينتها ما ظهر. وعلى ما يبدو من جملة (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) هي عدم التحرج في إظهار الزينة المصاحبة لما ظهر من البدن كالرأس واليدين والقدمين أو الثياب الخارجية للعامة من الناس. أما ما خفي من زينة البدن والثياب فقد قيد الله تعالى إظهارها فقط للمذكورين في النص السابق.
ومما يؤيد أيضاً عدم تغطية وجه المرأة أو رأسها، حث الله تعالى المؤمنين والمؤمنات على سواء بغض البصر، فإن كان رأس المرأة مغطى ولا يبدو لها معالم، فلا معنى إذن لغض بصر المؤمنين، ولكن ماورد في النص يخاطب المؤمنين والمؤمنات بنفس الدرجة، فالمرآة تسير مساوية للرجل مكشوفة الرأس، ولذا جاء غض البصر أيضاً بنفس المساواة، وهذا لايمنع من يردن تغطية رؤوسهن، ولكن ليس هناك دليل على أن ذلك أمر إلهي مُلزم للجميع.
الخلاصة
لم يرد في كتاب الله العزيز نصاً يحدد نوعاً معيناً من الثياب للمرأة فيما يُسمى بالحجاب أو النقاب، فقد ترك الله تعالى الحرية للناس في إرتداء الثياب وقيدها بعدم التعري تغطية الصدر بالنسبة للنساء. وإن أراد الله تعالى تغطية رأس المرأة لذكر هذا صراحةً، ولاسيما أن تعبير الرأس ورد في مواضع آخرى من القرءان الكريم.
أما إلزام النساء بنوع معين من الزي أو الألوان أو بتغطية الرأس فهذا لم يرد في كتاب الله تعالى وهو من عادات المجتمعات، ومن الإفتراء نسبته إلى الرسالة السماوية، أو إستخدام عبارة الزي الإسلامي. فدين الله هو عالمي جاء لكل البشر وليس له زي معين للنساء أو الرجال.
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (29)