مفهوم الأهلة وعلاقتها بالحج
من الأخطاء التي ورثناها عن الأجداد وكتب التراث أن كلمة (الْأَهِلَّةِ) الواردة في سورة البقرة هى جمع هلال، وهو منزل القمر الذي يحدد بداية شهر الصيام وبداية كل شهر قمري. أما ماورد في النص القرءاني فهو على ما يبدو يحمل معنى آخر لكلمة الأهلة.
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٨٩﴾) سورة البقرة
يتحدث نص سورة البقرة السابق بعد الإنتهاء من الحديث عن شهر الصوم عن الأهلة وأنها مواقيت (ميقات / وقت) تجمع الناس والحج فقط، ليؤرخ بها الناس وهى أوقات الحج. وليست ميقات لعبادات آخرى أو بداية للأشهر.
وهذا يدل على أن المعنى الموروث لكلمة الأهلة بأنها حالة من لأطوار القمر لا يستقيم هنا. فلم يُذكر القمر في هذا النص على أن له علاقة بالأهلة. فكلمة أهلة هنا جاءت بصيغة الجمع أي أنها عدد لشئ، وهذا المتعدد هو مواقيت لقيام الناس بالحج. وعلى ما يبدو من النص أن الأهلة هي عدد من الأيام وهى أوقات القيام بالحج، وجاءت الكلمة معرفة بالألف واللام أي أنها أيام معلومات (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ).
ومما يشكك أيضاً في قول التراث بخصوص كلمة الأهلة بأنها جمع لكلمة هلال، أن أهلة مفردها هليل، مثل أجنة - جنين، أحبة - حبيب.
وكلمة الأهلة تفيد البداية أي أن هذا العدد المعلوم من الأيام هو في بدايات الأشهر التي يُقام بها الحج وهى الأشهر الحُرم. أي أن الأهلة هي عدد من الأيام في بدايات الأشهر الحرم وهى مواقيت للحج ومفردها ميقات للحج. والميقات من الوقت وهو وقت لحدث معين، كما في النصوص التالية (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿٣٨﴾) سورة الشعراء ، (لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴿٥٠﴾) سورة الواقعة
وقد جاءت الكلمة في نص البقرة بصيغة الجمع (مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) لتؤيد وجود عدة أوقات متفرقة للحج وليس وقت واحد متصل مثل الأربعة أشهر الحُرم جميعها متصلة، بل هى عدة أوقات متفرقة أثناء الأشهر الحُرم.
وورد أيضاً في سورة البقرة (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿١٩٦﴾) سورة البقرة
فالنص يتناول تفاصيل عن الحج والعمرة، وما يعنينا في هذا المقام هو عدد أيام الحج المعلومات التي هي تأتي في أول كل شهر حرام، التي على مايبدو أنها عشرة أيام بسبب الإشارة لهذا العدد من الأيام ككفارة لصنف معين من الحجاج بصيام ثلاثة أيام أثناء الحج وإتمام العشرة أيام بعد العودة من الحج.
كما جاءت الإشارة لعشرة ليالي في سورة الفجر (وَالْفَجْرِ ﴿١﴾ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴿٢﴾ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴿٣﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴿٤﴾ هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴿٥﴾) سورة الفجر
فجاء القسم هنا بأربعة أشياء ثلاثة منها معرفة بالألف واللام ماعدا ليال عشر للدلالة انها تتكرر أربعة مرات أثناء الأشهر الحرم وليست الليالي العشرة الواحدة المُعرفة.
وفي النهاية يؤيد النص التالي أن الحج لا يشمل كل الأشهر الحرام بل أيام معدودات منها فقط (وَاذْكُرُوا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٢٠٣﴾) سورة البقرة
وأن هذا الأيام أيضاً معلومات كما علمنا من معنى كلمة الأهلة (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾) سورة البقرة
الخلاصة
كلمة الأهلة التي وردت في القرءان ليس لها علاقة بمنزل القمر الذي يحدد بداية شهر الصيام وباقي الشهور القمرية. بل تعني كلمة الأهلة في القرءان الكريم أوقات الحج في كل من الأشهر الحرم الأربعة.
وكما أستنتجنا أيضاً أن مدة مواقيت الحج (الْأَهِلَّةِ) هي عشرة أيام في بداية كل من الأشهر الحرم الأربعة.
لمزيد من التفاصيل عن الحج يمكنك متابعة موضوعنا (حقائق عن الحج من القرءان الكريم)
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (46)