الصيام 2
تقدم معنا في البحث السابق، أن عدة الصيام تؤخذ من حاصل مجموع الآيتين ( الأيام بإضافة شهر رمضان ثلاثون يوماً تامة ). وقد تركنا سؤالاً معلقاً، يستوجب البحث والإجابة، لتجلية ما يحمله النص من معنى، وكيف شُرع الصيام على المؤمنين.
والمؤكد أن عدة الأيام في الآية كانت معلومة زمن نزولها. وأن تحريفها لعاشوراء كما سيأتي معنا أو إسقاطها كما تقدم، إنما طرأ لاحقاً إما تفريطاً أو تمالُاءً. وهذا الزعم إن صح لنا وصفه بذلك، ليس زعماً مجرداً فهناك الكثير من الأدلة والشواهد تبرهن له.
ربما يظن القارئ أن ثمة عناء في الاستدلال وجهد بالغ، وهذا الظن وهم سببه ركام الموروث والتحريف، الذي لحق النص في معناه، لا أنه حقيقة ثمة عناء.
إن مقارنة النصوص من مصدر واحد، بعضها ببعض للبحث عن معقولية المعنى، هي الطريق الأسلم لفهم مراد قائل ذلك النص. وإذا عُد هذا النوع من الاستدلال من أبجديات فهم وتفسير النصوص التشريعية في أي فن. فإن ما لدينا من آيات كريمات، متحقق فيها شرط الاستدلال والمقارنة، و يشير لتلك الأيام بطريقة أو أخرى. ومن هذه الآيات ما يلي:
1- فيما يجبر النسك لغير الواجد : (تلك عشرة كاملة) وهي آية جاءت بعد آيات تشريع الصيام بعشر آيات. والآية وإن لم تكن تعني تلك الأيام تحديداً، إلا أنها تعطي قدسية للعدد عشرة في الصيام. حيث قضت بجعل صيام الأيام العشرة في إزاء النسك لغير الواجد، ومجيئها بعد آيات الصيام بعشر آيات. ومع استبعاده كدليل على فهم عدة تلك الأيام، يبقى باعث ألآنسة فيه محفزاً لطرح افتراض مبدئي، أن تكون تلك الأيام عشرة.
2- بالآية السابقة سنفترض أن قوله : (وليالٍ عشر) هي ذاتها ليالي الأيام العشر المذكورة في آية الصيام، وذلك لما يلي:
أ- ثباتها في الإخبار بالعشرية دون زيادة أو نقصان في ليالي الأيام العشر.
ب- عجز مفسري المسلمين عن تقديم قراءة صحيحة تتماشى مع خبرية النص. فعلى قولهم أنها عشر ذي الحجة لا نجد عشراً ولكن تسع. وعلى تفسيرها بعشر رمضان الأواخر، لا نجد عشراً أيضاً، لكون الشهر القمري يعتريه النقص عاماً بعد عام. وإذا كان كذلك فإن حمل قصد القائل فيها على ليالي الأيام العشر، سائغ وأقرب للصواب.
3- دليل في ميقات موسى {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} .لا يشك مؤمن بالكتابين، أن زمن الأربعين الذي أنزلت فيه التوراة هو ذاته الزمن الذي أنزل فيه القرآن. وهذا التوافق الزمني يعطي اتحاداً في القدسية. إذاً كيف صارت أربعين موسى شهراً زمن محمد رغم اتحاد الزمن؟!
إن العشر المفقودة في تشريع القرآن والمشار إليها بلفظ الأيام، هي ذاتها العشر المنشودة في تشريع موسى بنص القرآن، وشهادة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}
وحتى يستقيم لنا هذا الاستدلال، يلزمنا الإجابة على اعتراضين مقدرين:
الأول: لِمَ جاءت العشر اللاحقة زمن موسى، سابقة زمن محمد؟
الثاني: لِمَ جاء النص في شريعة محمد بلفظ "الأيام"، وفي موسى بلفظ "الليالي"؟
في الثاني، اختلاف اللفظ (الليالي، الأيام) في الآيتين، راجع إلى قصد القائل من وراء النص في كل آية. ففي آية الأيام كان المقام مقام تشريع لذلك جاء اللفظ بزمن ما تقع فيه عبادة الصيام (اليوم=أيام). أما في آية ميقات موسى، فالمقام إخبار بمناجاة الرب سبحانه وتعالى، وذلك متعين ليلاً (فتم ميقات ربه) وعلى هذا المعنى جاءت (وليالي عشر).
أما الاعتراض الأول، وسبب مجيء العشر لاحقة في تشريع موسى، سابقة في تشريع القرآن. فالأصل، أن تكون العشر سابقة على الشهر وليست لاحقة، لأن آية الشهر ختمت بقوله { لِتُكْمِلُوا} والإكمال غير الإتمام. ولأن آية الأيام تشريعية والليالي خبرية.
أما عن مجيئها لاحقة في شريعة موسى، فإن الظاهر من النص أنه وقومه، كانوا على سفر قاصدين الميقات المكاني الذي ضربه الرحمن لموسى، عند جبل الطور (جبل شدا الأعلى حالياً) وكان أن فاتهم صيام العشر السابقة نظراً لكونهم على سفر، فرحلت لما بعد الشهر، يشهد لذلك قوله {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} فالإتمام يكون لما اعتراه النقص ابتداءً والإكمال لما كان على أصله. وهذه الحال بهذا التصور مغايرة لما كان عليه محمد وأتباعه، حيث كانوا مقيمين {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ}.
4- ومما يشير لوجود علاقة بين التشريعين، تعظيم المسلمين ليوم عاشوراء والحث على صيامه وربطه بالنبي موسى (الصيام، تقديس العدد عشرة، موسى، محمد) هذه كلها مؤشرات تبرهن على وجود علاقة تلازمية بين التشريعيين، ويلمس في الكثير منها بقايا نبوة، وإن أخذت منحى أخر فيما بعد.
مسائل على جنبات البحث:
1- من به مرض مزمن يمنعه من الصيام، فلا صيام عليه ولا إطعام، وإنما جعل الإطعام في إزاء العشرة أيام دون غيرها، للقادر على الصيام، الراغب عنه.
2- المرأة الحائض والنفساء والمرضعة تصوم إلا أن تجد في نفسها ضعفاً أو أن يترتب على ذلك إلحاق ضرر بها أو بصغيرها. فتأخذ حكم المريض. فتترك الصيام وتقضيه من أيام أخر. وما يقوله علماء المسلمين، من أن صيام الحائض باطل، هو الباطل، لعدم وجود الدليل من القرآن. وقد تناوله الأخ الفاضل بدر مشكوراً في موضوعه أحكام المرأة في فترة الحيض.
الخلاصة:
ونخلص مما تقدم، إلى أن عدة الصيام التي كتبها المولى سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين، هي أربعين (40) يوماً، (10) عشرة سابقة على رمضان، ورمضان ثلاثون (30) يوماً تامة لا عبرة فيها بالشهر القمري .
للقادر على الصيام أن يفطر في العشر السابقة ويطعم عن كل يوم مسكين، مع أفضلية الصيام. ولا يباح ذلك في صيام شهر رمضان.
يتساوى في أحكام الصيام الرجل والمرأة، إلا أن تجد المرأة في نفسها ضعفاً زمن ما يعتري النساء، مما هو من طبيعة خلقتها.
من به مرض مزمن يمنعه من الصيام ،فلا صيام عليه ولا إطعام.
والرحمن مولانا أعلى و أعلم والهادي إلى سواء السبيل
التعليقات على الموضوع (12)