مفهوم للزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿حم ﴿1﴾ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿2﴾ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿3﴾ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿4﴾ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴿5﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ﴿6﴾ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿7﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿8﴾﴾ سورة فصلت
يتبادر الى ذهن القاريء كيف تقول الآية ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون، فاذا كانوا مشركين وكافرين كيف يؤمنون بإيتاء الزكاة؟
ويتبادر هذا التساؤل إذا حصرنا مفهوم الزكاة بالانفاق والصدقات
إلا أن آيات الكتاب لا تقف عند هذا المعنى المحدود فإذا قال الله عمل صالح أو يعملون الصالحات فان هذا لا يعني أن يقتصر العمل الصالح على عمل واحد. فأيضاً الزكاة هي ليست فقط الإنفاق والصدقات فالإنفاق والصدقات هي جزء من الزكاة، والزكاة هي زكاة النفس وسموها والتطهر من كل ما علق فيها من رجس سواء كان إشراكاً أو ما تأمر به النفس الامارة بالسوء وجهادها والرقي بها الى ما يأمر الله به من إنسانية ورحمة وبالتالي رضا الله، فالله كل أوامره هي رحمة للناس وتخلص من كل ما يمكن أن يضر الناس والفساد في الارض وبالتالي خسارة الدنيا والاخرة.
إذن فالزكاة هي ليست إنفاق بل هي زكاة النفس وهناك كثير من الأعمال التي يعملها الانسان الذي يرجو أن يتزكى، وقد عَلَمنا الله في كتابه البين المُبين السبل التي تؤدي بنا من تحقيق الزكاة ولنكون من الذين يؤتون الزكاة.
فالانفاق هو يؤدي ويساهم في إيتاء الزكاة والإستماع إلى كلام الله والتذكر يقودنا إلى أن نكون مؤتين الزكاة وكل عمل صالح في الأرض أو في هذه الدنيا وما فيه رحمة للناس هو يجعلنا مؤتين الزكاة.
لذلك قال الله عن المشركين في زمن الرسول أن لهم الويل لأنهم لايؤتون الزكاة فهم معرضين عن ذكر الله الذي يبين لهم سبل إيتاء الزكاة والتطهر من الشرك والسوء والافساد في المجتمع وفي الارض.
فقد قال الله في آية آخرى
﴿حم ﴿1﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿2﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿3﴾ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿4﴾ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ ﴿5﴾ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ ﴿6﴾ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿7﴾ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ﴿8﴾﴾ سورة الزخرف
افنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوما مسرفين، فقد أفسدوا في الارض وفي المجتمع لذلك قدر الله مقدار ذلك الفساد فبعث رسول لهم لينذرهم أنهم مسرفين وأنه أنزل لهم حكما ليصلح الارض ويجب أن يسجدوا لله في هذه الأوامر والأحكام ليحق الحق ويذهب عنهم ما زين لهم الشيطان من أعمال سوء، وأن لا تشركوا مع الله في حكمه، فحكمه هو الحق وما دونه هو الباطل، وان لم يطيعوا الله وما أنزل لهم من كتابه فسيأتيهم ما قد أتى الذين من قبلهم من القرى فكانوا آية لمن يخشى.
﴿مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴿16﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿17﴾﴾ سورة الإسراء
الله لا يعذب قرية إلا بعد أن يبعث لهم رسولا يبلغهم وخاصة المترفين القائمين على الحكم ومن يمتلكون النفوذ، فهم ائمة الكفر والفساد فينذرهم أن ينتهوا وأن يطيعوا الله. وهذا ما ارسل الله به رسله الى القرى ومنهم موسى:
﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴿17﴾ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴿18﴾ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ ﴿19﴾ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ ﴿20﴾ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ﴿21﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ ﴿22﴾ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ﴿23﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ﴿24﴾ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ ﴿25﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴿26﴾﴾ سورة النازعات
فقد قال موسى لفرعون أن يتزكى وهذا يعني أنه يأمره برسالة من الله، بأن يطهر نفسه من الظلم الذي فيه والذي أوقعه على بني اسرائيل والإسراف والفساد الذي يقوم به وأن يسمو بنفسه. فقد أمر الله مترفي هذه القرية ومنهم قارون وملائيه ان ظلمهم وفسادهم قد طغى والله قادر كل شيء ويعلم متى يبعث رسول.
الا انهم لم يؤتوا الزكاة وجحدوا وكفروا فاخذهم الله نكال الاخرة والاولى
لذلك نرى ان الله يكرر في كتابه ويُذكر دائما بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. فإقامة الصلاة أيضاً ليست بهذا المعنى الضيق. كما أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هما أهم ما جاء في كتاب الله. وتلك بعض الايات التي اخترتها من بين كثير من الآيات التي تصادق على معنى الزكاة الواسع:
﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿1﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿2﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ ﴿3﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ ﴿4﴾﴾ سورة عبس
فقد جائه ليسمع كلام الله، فانت لا تعلم الغيب لعل هذا الشخص يريد ان يزكى ويخرج من الظلمات الى النور ويطهر نفسه أو يذكر ولا يكون من الغافلين. فالرسول هو الذي يصلي عليهم فهو الذي يتلو الآيات ويعلمهم الكتاب وما نزل من الحق من الله فآيات الله هي الرحمة للناس.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿41﴾ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿42﴾ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿43﴾﴾ سورة الأحزاب
فهي رحمة من الله أن أنزل علينا كتاب نهتدي به ونخرج من الظلمات ونفوز في الدنيا والاخرة، فإذا سمعنا وتذكرنا كلام الله في حياتنا اليومية وتركنا الغفلة فسنؤتي الزكاة ونعمل بما قدرنا الله عليه من أعمال نسمو بها الى مرضاة الله ونُصلح مجتمعاتنا ونطهر انفسنا من السوء. فالعبرة من الصلاة هو التذكر.
اقرأوا هذه الآيات الى نهايتها لنعلم العبرة والمقصد من الصلاة:
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴿114﴾ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿115﴾ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿116﴾ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿117﴾﴾ سورة هود
فالصلاة هي التذكير بآيات الله لكي لا نغفل وننسى ما أمرنا الله به من هدى وخروج من الظلمات. فبعد أن نتذكر يجب أن نعمل بما ذكرنا الله به ونجاهد أنفسنا لنكون من المحسنين. والاحسان قد علمنا الله ما هو والحقيقة أني أجد صعوبة في البقاء على موضوع واحد فايات الله مترابطة وصعب أن تذكر موضوع دون آخر.
على كل حال نكمل الآيات ونرى أن فالذين كانوا ينهون عن الفساد كانوا مقيمين الصلاة فقد كانوا من المتذكرين ومُفَعّلين لهذه التذكرة في اصلاح مجتمعاتهم، فقد أتوا الزكاة بعد أن أقاموا الصلاة والرحمة والتذكير والاحسان في مجتمعاتهم. إلا ان المترفين كانوا هم المُعرضين. لان ما يأمر به الله لا يتماشى مع ظلمهم وإفسادهم. لذلك ماكان الله ليظلمهم بل بعث لهم من يُذكرهم وأمرهم أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ليصلح الارض من بعد ما طغوا في افسادها.
وآية اخرى في الزكاة:
﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴿17﴾ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴿18﴾ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ ﴿19﴾ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ ﴿20﴾ وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ﴿21﴾﴾ سورة الليل
الاتقى هو الذي سيُجنبها، بمعني سيكون مُبعداً عنها وهو الذي كان يُؤتي ماله يتزكى فالإنفاق وإيتاء الأموال في سبيل الله هو تزكية للنفس ونعمة من الله أن جعله يُوق شح نفسه وكان من المُنفقين ليجزيه الله خير الجزاء في الاخرة، فأي هداية عظيمة هذه من الله الذي يزيد لعبده من حرث الاخرة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿14﴾ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿15﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿16﴾ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴿17﴾ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿18﴾﴾ سورة التغابن
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾﴾ سورة الحشر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿267﴾ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿268﴾ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿269﴾ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿270﴾ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿271﴾ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿272﴾﴾ سورة البقرة
تبين الآيات أن الإنفاق في سبيل الله هو هدى منه لعباده، فالذي يؤتيه الله الحكمة وهى الحكم في أمور الحياة والتفكر في الآخرة وحسن التصرف (هذا موضوع آخر يحتاج الى مقال منفصل) ولكن بصورة مختصرة وفي هذه الاية تحديداً فإن الحكمة في الإنفاق، وأن يكون الانسان من ذوي الايدي والأبصار من يعلمون أن هذه الدنيا متاع منتهي، وأن الآخرة لهي الحيوان، وأن الشيطان عدو للإنسان وأنه يدعو الى الفقر والفحشاء، وأن الله يعد بالمغفرة والرزق وهو الذي بيده ملكوت كل شيء فالدنيا وقت يجب ان يُستغل في جمع أكبر عدد من الحسنات ويعلم ان الله يضاعف لمن يشاء فالذي ينفق وهو على يقين وايمان بالله وحسابه يكون له أكثر ممن هو كاره وفي ريب والله عزيز حكيم.
إذن يبين الله أن الإنفاق هدى منه حيث جعل قلوب المؤمنين وجلة ومُحبة للتقرب منه وزين ذلك في قلوبهم. ما هو مقدار الإنفاق ولا أقول ما هو مقدار الزكاة فالمعنيين مختلفين في كتاب الله. ذكر الله في آيتان تبين لنا ما هو المقدار ولمن يكون الانفاق ولا نزيد على ماذكر الله تعالى.
فلا يوجد حول ونصاب وغير ذلك من تلك التشريعات التي لم ينزل الله بها من سلطان فلا نقول على الله ما لا نعلم، وإن فعلنا فإن هذا يعني أننا إتبعنا الشيطان لانه يأمرنا بأن نقول على الله ما لا نعلم.
﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿169﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴿170﴾﴾ سورة البقرة
اأما آيات الانفاق بعد أن سأل المؤمنين الرسول وجاء الجواب من الله العزيز الحكيم الملك القدوس المهيمن الجبار ونعوذ به مما يشركون:
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴿215﴾﴾ سورة البقرة
لا زيادة على ما ذكر الله
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿219﴾﴾ سورة البقرة
قال العفو يعني ما تراه بحكمة وتعقل ولتتفكر في الدنيا والاخرة وتقيم ذلك بناءً على ما علمنا الله من الحكمة.
﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴿29﴾ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿30﴾﴾ سورة الإسراء
وأيضاً قال:
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿77﴾﴾ سورة القصص
فالعبرة من هذه الآية هو التفكر أولاً بالآخرة فهي الأهم بل هي أهم من المهم وهي الخلود والتزحزح عن النار. ولكن نأخذ نصيبنا ولا نكون من المفسدين والطغاة، وأن ننفق من طيبات ما رزقنا الله وان يكون قرضاً حسناً لان الله غني عن العالمين ولا نحسب أن ما نعطيه للفقراء والمساكين أنه منة منا، بل هو حق لهم فالله وضع الميزان وابتلانا بالأموال والفقر ليرى كيف نعمل هل نحن قد حملنا الأمانة في أن نحكم بالحق ولا نطغي بهذا الميزان، أم نكون من المسرفين ومن الطاغين وبالتالي يكون الفساد في الارض. فإيتاء الزكاة ليس الإنفاق بل هو كل عمل نتزكى به انفسنا، والصلاة ليست بذلك المعنى المحدود فهى الذكرى والرسول كان يتلو عليهم ويذكرهم ويستغفر لهم ويأمرهم بالمعروف والصدقات. وهناك كان من الناس سماهم الله المؤمنين الذين يؤتون الزكاة ويريدون التذكر ويعملوا صالحاً ليكونوا بمفازة من العذاب والى الله المصير. ولنا تكملة في هذا الموضوع الواسع والمترابط.
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿190﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿191﴾ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿192﴾ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴿193﴾﴾ سورة آل عمران
والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (5)