هل قضى الرسول عليه السلام حياته في يثرب؟
ورد في كتب التأريخ أن الرسول الكريم قد هاجر من مكة إلى يثرب، وهناك عاش حتى توفاه الله تعالى وتم دفنه في ما يُسمى بالمدينة المنورة. فدعونا نعود إلى كتاب الله العزيز للتأكد من هذه الأحداث بسبب عدم الثقة في كتب التراث لما ورد فيها من التحريف والمبالغة وتدخل أهواء البشر.
لم ترد قصة حياة الرسول عليه السلام متسلسلة أو كاملة في القرءان الكريم، ولكن هناك بعض الأحداث في القصص القرءاني التي يمكن الإستنتاج منها ومقارنتها مع ماورد في كتب التأريخ للتأكد من بعض الأحداث.
وما يعنينا هنا هو موضوع هجرة الرسول الكريم إلى يثرب كما جاء في كتب التأريخ، وأول ما يلفت النظر هنا هو إستعمال لفظ الهجرة الذي لم يرد في كتاب الله العزيز بل جاء لفظ الإخراج، وهو يدل على الإكراه على ترك الديار أي الطرد منها (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٤٠﴾) سورة البقرة
وعلى مايبدو من النص السابق أن الرسول عليه السلام قد تم إخراجه من داره مع صاحب له دون أمر من الله أو إعداد مسبق ونية في هذه الهجرة، أي لم يخرج مهاجراً كما يهاجر بعض الناس بإختيارهم.
وقد عاش الرسول عليه السلام في مكان إسمه يثرب فترة من الزمن وتعرض في هذه الفترة ومن كان معه من المؤمنين إلى حرب الأحزاب، وهذا ما يمكن إستنتاجه من نصوص القرءان الكريم حيث ورد إسم يثرب في القرءان الكريم وأن أهلها من المؤمنين قد كانوا مع الرسول عليه السلام أثناء مهاجمة جيش الأحزاب لهم (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿١٣﴾) سورة الأحزاب
ثم كان هناك وعد من الله تعالى لرسوله والمؤمنين بالعودة إلى البيت الحرام وهو ما سماه القرءان الكريم بالفتح (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿١٨﴾) سورة الفتح
(لَّقَدْ صَدَقَ اللَّـهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿٢٧﴾) سورة الفتح
ثم جاء يوم الفتح وعودة الرسول عليه السلام إلى أم القرى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾) سورة النصر
فكان بذلك هناك فترة ما قبل الفتح وما بعد الفتح (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١٠﴾) سورة الحديد
أين ذهب الرسول بعد فتح مكة؟
ومايهمنا هنا هو فترة ما بعد الفتح فأين قضاها الرسول الكريم حتى توفاه الله تعالى؟
فأما كتب التراث فتقول أن الرسول الكريم بعد الفتح وعودته إلى أم القرى فقد تركها عائداً إلى يثرب وعاش هناك حتى الوفاة وتم دفنه هناك. وهذه القصة لا يوجد ما يؤيدها من أدلة النص القرءاني.
فماذا كان في يثرب حتى يعود إليها الرسول الكريم ويترك موطنه أم القرى بعد نصر الله وعودته إليها؟
والنص القرءاني يذكر أن الله تعالى قد أرسل محمد عليه السلام لينذر أثناء حياته أم القرى ومن حولها (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴿٧﴾) سورة الشورى
وما يُفهم من النص السابق أن حياة الرسول عليه السلام لابد وأن تكون في أم القرى ويكون هناك مركزاً لدعوته، وقد كان إقامته خارجها أمراً إستثنائياً بسبب إرغام المشركين له على الخروج منها في بداية دعوته وقلة من آمن معه. أما بعد أن أنعم الله تعالى عليه بالفتح والعودة إلى مركز دعوته فلا يوجد دليل قرءاني أنه ترك قد أم القرى بإختياره وعاد ليعيش في يثرب بعيداً عن البيت الحرام حتى الوفاة.
ويؤيد ذلك نصوص سورة التوبة التي على ما يبدو انه قد دارت أحداثها بعد الفتح، ووجود الرسول عليه السلام ومن معه من المؤمنين في أم القرى بجوار المسجد الحرام، فيحثهم الله تعالى على مقاومة المشركين ومن حالفهم من أهل الكتاب الذين نقضوا عهدهم مع المؤمنين وهاجموهم برغم المعاهدة في محاولة لإخراج الرسول الكريم من أم القرى كما أخرجوه أول مرة
(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١٣﴾) سورة التوبة
ويؤيد باقي سياق السورة أنهم كانوا يعيشون في هذه الفترة في أم القرى يقومون على رعاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام وليس في يثرب (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٩﴾) سورة التوبة
الخلاصة
من خلال نصوص القرءان الكريم يتبين أن الله تعالى قد أرسل رسوله الكريم لينذز أم القرى ومن حولها، وقد قام مشركي أم القرى بطرد الرسول عليه السلام منها ولم يكن الأمر هجرة قد انتظر الرسول إذن بها من الله تعالى كما ورد في بعض كتب التراث.
ويتبين من النصوص أيضاً أن الرسول الكريم بعد أن أعاده الله تعالى بنصر منه إلى مركز الدعوة أم القرى لم يغادرها بعد الفتح ويعود للعيش في مكان آخر بعيداً عن المسجد الحرام.
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (12)