مضادات النجم الناري ليلة الإسراء
(سبحان)(الذي)(أسرى)(بعبده)(ليلا)(من)(المسجد الحرام)(إلى)(المسجد الأقصى)(الذي)(باركنا)(حوله)
توقف إخواننا المتدبرون على طرفين: أحدهما قال أن المسرى به هو: (محمد) وهو ما عليه عموم الناس فيما يظهر لي. والطرف الآخر يقول إنه (موسى) وعلى الرغم أن فيه خروج عن المألوف إلا أنه لا شك فيه تجديد.
قبل الدخول في مسألة الإسراء، هنا أسئلة أتناول من خلالها أسلوب الإسراء الوارد في الءاية يتعين الإجابة عليها قبل كل شيء:
1- من الساري؟
2- من المسرى به؟
3- ما وقت الإسراء !؟
4- على من تعود كلمة (الذي) الأولى وعلى من تعود كلمة (الذي) الثانية؟
للجواب على هذه التساؤلات لا بد لنا من وقفة تأملية في الفعل (أسرى). فالفعل هنا أصله (سرى) والفاعل منه: ساري. والمفعول به: سري. والحالة العامة هي: سـر!
سرى. ساري. سري.
ولكي يقوم الفرد منا بهذا الفعل (سرى) فهو لا يحتاج إلى من يعينه على القيام به، أقصد أنه نشاط فردي يقوم به الشخص ذاتيًا دون مساعدة من طرف آخر، بينما لو دققنا جيدا لوجدنا أن الفعل (سرى) في الءاية قد دخل في بدايته حرف (الألف) وأرى أن دخول حرف الألف هنا فيه قيادة بمجئ ترتيبه الأول وفيه دلالة على الألفة والتآلف بين الساري والسري، وفيه كذلك إشارة إلى أن هذا الوسيط أو الأليف المألوف: هو من قام بإنجاز ما أمر به بين المسجدين. هذا ما فهمته من التركيبة الحرفية للفعل (أسرى).
نبني على ما تقدم فنقول أن أسلوب الإسراء الوارد في الءاية فيه أطراف ثلاثة: (1) الساري. (2) السري (3) السر.
وقت الإسراء:
حينما نقرأ الجملة التالية: سرى زيد إلى منزله. فإن ذلك حسب لساننا أقصد فهمنا الأعجمي يعني: ذهب زيد إلى منزله بالليل، لأنه لا يمكننا أن نقول: سرى زيد إلى منزله ليلًا، إلا إذا كان هناك سريان آخر يكون في النهار، حينها تكون كلمة ليلًا هنا ضرورية لغرض التمييز بين وقتي السرى.
الله سبحانه أشار إلى كلمة (أسرى بعبده ليلا) هل يفهم من ذلك أن هناك سريان نهاري وسريان ليلي وبالتالي تم تمييزه بكلمة ليلًا؟ وإذا لم يكن هناك نوعان من السرى، إذن فمالسر في ورود كلمة (ليلًا). دعونا نتدبر بصوت عال ونقرأ الآيات التالية من القرءان العظيم حيث يقول تعالى:
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ ٢٦) محمد
(وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَٰجِهِ حَدِيثًا) ءاية: 3 التحريم
(وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِٓ إِنَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ١٣) الملك
(ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارًا ٩) نوح
(نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا ٢٨) الإنسان.
والآن لنتمعن في هذه الءاية لعلاقتها المباشرة بموضوعنا هنا:
(سَوَآءٞ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۢ بِٱلَّيۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ ١٠) الرعد
نلاحظ أن الأية فصلت ما بين شيئين هما: (قول) و (فعل): فالقول إرتبط بالسر وعكسه الجهر ودخل حرف (الألف) على الفعل (أسر) لأنه من غير الممكن أن يسر الإنسان لنفسه بشيء فذاك وصفه (نجوى) أو (ما تخفي الصدور) بمعنى أن دخول حرف الألف على الفعل يفيد بأن هناك أكثر من طرف دار السر بينهما!
أما الفعل وهو الحركة بالليل فقد أشارت إليه بالتخفي، والإختفاء كما يكون بفعل الليل (جنح الظلام) فقد يكون بالنهار أيضًا وهو طلب الإستخفاء كي لا يرى، وعكسه الحركة بالنهار وأشار إليه بـ (سارب) إذ لا يمكن للفرد أن يكون سارب بالليل. ولو أمعنا النظر لوجدنا أن حرفي (السين) و (الراء) الذين يفيدان بالسرية، لم يرتبط أي منهما بشيء يتعلق بالليل لا قول ليلي ولا فعل ليلي وإنما بالنهار (س)(ا)(ر)(ب) ،حيث جاء حرف (الألف) متوسطًا للفعل (سر) مشيرًا إلى إختلاط الفرد مع بقية الناس أثناء النهار ولا مكان للسرية هنا، فالله سبحانه يقول (سبحان الذي أسرى) ولم يقل سبحان الذي أخفى بعبده!! إذن متى وقع السر؟
عائدية كلمة (الذي) الأولى والثانية:
إذا قلنا أن كلمة (الذي باركنا حوله) تعود على كلمة (المسجد الأقصى) فمن باب المثل نقول أن كلمة (الذي أسرى) تعود على كلمة (سبحان) وهنا نتساءل: هل كلمة سبحان هنا تعني صفة من صفات الله أم إسم من أسماء الله؟ أم أن (سبحان) هذا خلق من خلق الله كلفه الله تعالى للقيام بعملية الإسرار.
إعادة قراءة سورة الإسراء:
إن من يتدبر سورة الإسراء يجد أن هناك حديثا مطولا قوامه (111) ءاية. وأن هذا الحديث قد تم بين طرفين هما: الساري والسري. وأن الساري هو الطرف المتحدث بينما الطرف السامع هو السري.
ولعل القاريء أيضا يلاحظ أنه مع بداية الأية (2) شرع الساري في الحديث عن موسى مباشرة، ثم إستمر في سرد الأحداث تباعا على السري إلى الأية رقم (100) ثم ظهر إسم موسى من بعد في الأية رقم (101) ثم اختفي.
الأية الثانية إستهلت بفعل قد حدث وانتهى في الزمن الماضي (ولقد آتينا موسى) مما يشير إلى أن السري كان يستمع إلى حادثة قد تمت من قبل فهو لم يحضرها وبذلك فمن المستحيل أن يكون موسى هو السري (فكيف يمكن أن يدور الحديث السري بين طرفين أحدهما موسى ويقول له ولقد آتينا موسى!!)،
بناء على ذلك ..فإما أن يكون السري (عيسى) أو يكون (محمد) لمجيئهما من بعد موسى أليس كذلك؟
ثم لم يلبث الساري أن تناول قضية الإحسان للوالدين بلسان المخاطب، وحسب القرءان العظيم أن عيسى ولد إعجازيا من غير أب!! فبالتالي كيف يمكن للساري أن يأمر عيسى ببر الوالدين وهو يعلم أن عيسى لم يولد لأب؟
وبذلك لا يبقى أمامنا إلا المرشح الوحيد الذي قدمته لنا كتب الموروث الديني ألا وهو محمد عليه السلام، ولكن لحظة...... فهذه الكتب ذكرت لنا أن محمد هو أيضا قد توفي أبوه قبل ولادته وأمه من بعد ولادتة إذن ليس أمامنا هنا إلا أحد إحتمالين:
الإحتمال الأول:
أن ما وصل إلينا في موروثنا الديني: خبر صحيح وأن محمد كان يتيما. ولكن هذا التصديق يوقعهم في حرج أمام دعواهم بأنه السري لأن الأية تتحدث عن الإحسان عن الوالدين بصيغة المخاطب (جبريل يحدث محمد بالإحسان لوالديه). فكيف يمكنه أن يوصي محمد والله يعلم أن أبوه سيموت قبل وفاته وأمه قبل بلوغه سن الرشد!! والأخذ بهذا الإحتمال يترتب عليه الإعتراف بعدم صدق ما ورد في الأية؟ إحتمال يصدق البشر ويكذب القرءان.
الإحتمال الثاني:
أن ما ورد في الموروث الديني ليس صحيحًا. ويبنى عليه أن محمدًا ما كان يتيمًا بل عاش وعاصر والديه (أمه وأبوه) وبر بهما وأحسن إليهما وخفض لهما جناح الذل والرحمة وقال ربي ارحمهما كما ربياني صغيرًا. والأخذ بهذا الإحتمال يترتب عليه الإعتراف بعدم صدق الموروث الديني. إحتمال يكذب البشر ويصدق القرءان.
نتيجة الإحتمالين 1 = 1
الإحتمال الثالث (المرجح):
إن إحتمالنا الثالث هذا لايغفل جانب الموروث – حرام - بل يمنحه مصداقيته ولو لمرة واحدة كما في المقابل ليس بوسعنا تكذيب ما ورد في القرءان لذا فالإحتمال هو: أن ما ورد في القرءان صحيحًا (السري ليس يتيم) وأن ما ورد في الموروث صحيحًا (السري يتيم): ففي كلا الفرضين ينتج عنهما أن السري ليس محمد. ما لكم كيف تحكمون!!
إذن من هو السري؟
كما ظهر لنا ..من مواصفات السري أنه (يتيم) ليس له أم ولا أب أو على الأقل ليس له أب، وهو أيضا (ليس يتيم) أي له أم وأب أو على الأقل ليس له أم. ولننظر في تصنيف من أتى بعد موسى:
تعريف اليتيم: هو من مات أبوه وأمه جميعًا أو على الأقل أبوه.
عيسى عليه السلام: له أم وليس له أب (الطبيعة الإعجازية) لذا يستثنى من الإحتساب وإلا كان هو الأولى باليتم من محمد وبالتالي كونه هو (السري) بدون جدال.
محمد عليه السلام: له أم وليس له أب (بالوفاة) لذا يدخل ضمن المرشحين للسرى.
وبهذا التعريف يدخل ضمن القائمة مرشح آخر تنطبق عليه المواصفات ولكنه الى لحظة تدبرنا هذه فهو غير معروف الأب والأم. ألا وهو أحمد عليه السلام (ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد): له أم وله أب ولكنه ينفرد عن عيسى وعن محمد بأنه مجهول الأم والأب ولننظر إلى الجدول التالي ولنحكم بناء عليه من هو السري؟
المخلوق | الأم | الأب | حالة الوالدين | النتيجة | |
1 | عيسى | نعم | لا | معروف الأم | مستبعد (للإعجاز الخلقي) |
2 | محمد | نعم | نعم | معروفة | إحتمال |
3 | أحمد | نعم | نعم | غير معروفة | أشد احتمالًا |
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات على الموضوع (13)