هل كان آدم أول خلق الإنسان
من الحقائق التاريخية الثابته عند الكثيرين أن آدم هو أول إنسان خلقه الله تعالى، وهذا ما يبدو من أول وهلة عند قراءة نصوص القرآن الكريم مع الخلفية الموروثه عبر السنين، ولكن يبدو أن هناك سوء لفهم وعدم العناية بتدبر القصص القرآني الوارد في هذه المسألة.
فهناك هذا الدليل القوي على وجود آخرين من أطوار الإنسان البدائي قبل وجود آدم. وكما ما ورد في نهاية المقال السابق كيف كانت بداية خلق الإنسان، حيث جاء في القرءان: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)﴾ سورة البقرة
آدم خليفة في الأرض
ومن هنا نبدأ هذه المرة حيث يدلنا النص القرآني السابق أن الملائكة يخبرون أن هناك خلق يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، ويبدون تعجبهم في أن من بين هؤلاء الخلق سوف يجعل الله خليفة في الأرض، والخليفة في الأرض أتت في القرآن بمعنى الحاكم ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)﴾ سورة ص
فالنص يبين أن الله قد جعل داود عليه السلام خليفة في الأرض وأمره أن يحكم بين الناس بالعدل، إذن فالخليفة في الأرض قد تعني تولى الحكم والسلطة.
أو بصيغة خلائف وهم من يخلف بعضهم بعضاً في ما آتاهم رب العالمين ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(165)﴾ سورة الأنعام
وعلى ما يبدو لي أن المراد من خليفة في الأرض، هو أن آدم وذريته سيكونون قابلين للتطور وسيقومون بدورٍ جديد على الأرض لم يمارسه أطوار الإنسان البدائي من قبل. وهذا أمر لم يتهيأ له الإنسان الأول من قبل وجود آدم.
آدم قد تلقى معرفة لم تكن متوفرة من قبله
فعلى مايبدو من نصوص القرآن الكريم أن الله تعالى قد خلق الإنسان قبل ظهور آدم (تابع مقال كيف كانت بداية خلق الإنسان) وكانوا يعيشون على الأرض كما في نص سورة البقرة الوارد سابقاً، ولكن آدم كان أول البشر المتطور، وكان أول البشر الذي سيستقبل وذريته تعاليم وأوامر من الله تعالى ويتعرضون للحساب يوم القيامة، بعكس أطوار الإنسان الأول قبل آدم الذين لم يكن على مايبدو لديهم العلم الذي تلقاه آدم، ولم تأتي لهم رسالة من قِبل الله تعالى، فكانوا يعيشون حياة بدائية كسائر الدواب.
ولو نظرنا إلى القصص الذي يتحدث عن سجود الملائكة لآدم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)) سورة الحجر
فهذا لا يتعارض مع مفهوم نبات الإنسان الأول من طين الأرض قبل وجود آدم، وعلى ما يبدو أن هذا الحوار في سورة الحجر قد دار قبل خلق الإنسان الأول. ثم جاء تعبير فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي وهنا يكون الحديث عن عملية تسوية ونفخ ستتم لأحد اطوار الإنسان الأول وظهور آدم، وعندها كان أمر الملائكة بالسجود بعد التسوية.
ومما يؤيد من النصوص أن آدم وبالتالي ذريته كانوا أول من تلقى رسالة السماء، والتعرض للثواب والعقاب الإلهى.
يقول الله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)﴾ سورة البقرة
وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)﴾ سورة الأعراف
إختيار آدم وزوجه من بين آخرين من الخلق
فقد جاء في سورة البقرة ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) ، وكلمة جاعل في الأرض التي جاءت هنا تختلف عن خالق في الأرض، حيث يبدو أن هذا البشر كان موجوداً ولكن تمت له عملية التسوية والنفخ ليكون خليفة في الأرض كما ورد سابقاً.
يبدو من النصوص أن الله تعالى عندما أسكن آدم وزوجه في الجنه فقد إختارهما من بين مثلهم من الخلق الآخرين أي أنهما لم يكونا الوحيدين من نفس النوع ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥)﴾ سورة البقرة
فتعبير (أَنتَ) الوارد في النص السابق يعني أن الله تعالى يخص آدم بالإشارة بكلمة أنت ليعلمه بأنه المقصود من بين آخرين من الموجودين من نفس النوع، وإلا لما كان هناك معنى للنداء أنت إن كان هما الوحيدين الموجودين فقط من البشر. فعلى سبيل المثال إن تواجدت في غرفة وناديت إذهب يا أحمد أنت إفتح الباب، فهذا يدل أن هناك أشخاص آخرين في الغرفة وقد تم تخصيص أحمد بالنداء. وإن كان أحمد الوحيد هناك فسيكون النداء إذهب ياأحمد إفتح الباب.
وهذا ما أيده النص التالي أيضاً أن الله إصطفى آدم، أي أنه كان بين آخرين من نفس جنسه (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾) سورة آل عمران
تطور خلق الإنسان
يقول تعالى: ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)﴾ سورة نوح
أي أن الله تعالى قد خلق البشر على عدة أطوار، فقد بدأ خلق الإنسان بالنمو من الطين كالنبات فيقول تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)﴾ سورة نوح، (تابع مقال كيف كانت بداية خلق الإنسان)، ثم بعدها بدأت عملية الخلق عن طريق التناسل.
يقول تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)﴾ سورة فاطر
والنص التالي دليل واضح على تسلسل أطوار خلق الإنسان حتى جاء آدم وهو أول من تمت له التسوية (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿7﴾ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿8﴾ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿9﴾) سورة السجدة
فالبداية كانت من الإنبات من الطين، ثم بعد فترة من الزمن جَعَلَ نَسْلَهُ عن طريق التكاثر ولاحظ ورود لفظ نسل وسلالة للإنسان قبل وجود آدم الذي تم تسويته بعد مرور فترة من الزمن ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وكان آدم أول من تمتع بإمكانات جديدة وهى السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ، والتي هى إمكانات غير خواص أعضاء الإنسان الاذنين والعينين من تمييز الصوت والنظر.
وقد سكن الإنسان الأرض وعاشوا غير مُطالبين بطاعات معينة من الله تعالى محدودي المعرفة كغيرهم من الوحوش، حتى اصطفى الله تعالى آدم وعلمه فكان أول بشراً ذو إمكانيات وعقل قابل للإبداع وخلافة الأرض ومهيأ لإستقبال الرسالة الإلهية.
فيقول تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)﴾ سورة الشعراء
وقد يؤيد هذا النص أن الله تعالى يُحدث بني آدم المُطالبين بأن يتقوه فهو الذي خلقهم وخلق الجبلة الأولين وهم النوع الذي سبقهم من الإنسان.
وقد يكون ذلك أيضاً ما أثبتته علوم الحفريات من وجود الإنسان غير المتطور (هوموهابيليس) ثم بعده (هومو ايراكتيس) ختاماً بنوع (نياندرتال) الذي عاش بطريقة متوحشة على الصيد حياة يقدرها العلم الحالى بفترة 250 ألف عاماً على حسب أقدم الحفريات المعروفة الآن، وقد بقى حياته طوال هذه الفترة معتمداً على الصيد ولم يطور أو يجدد فيها الكثير، حتى ظهور الإنسان الحديث (هومو سابيانس) الذي قد يكون أولهم هو آدم، وقد جاء هذا الإنسان بمعارف جديدة وقدرة على الإبتكار وبناء المجتمعات الزراعية.
ويقدر العلم الحالى بداية ظهوره من حوالى 50 إلى 80 ألف عام، وهي بداية إنقراض نياندرتال.
وقد تم الحصول على العوامل الوراثية للإنسان غير المتطور (نياندرتال) من بقايا عظام مُكتشفة، وحاول بعدها بعض العلماء البحث في جينات الإنسان الحالى عن وجود إختلاط قد حدث بين هذين النوعين من، فلم يتم العثور في إنسان عصرنا الحالى على وجود آثار لهذا الإختلاط، ويعيد البعض هذا إلى أنه قد وجد إختلاط بالفعل بين النوعين ولكن هذا الإنسان المختلط لم يكن له القدرة على التناسل والبقاء، بينما يقول بعض العلماء بوجود بقايا لهذا الإنسان المختلط إلى عصرنا هذا ولكن عمليات البحث لم تكن كافية على مستوى الكرة الأرضية.
إلا أن دراسة مؤخرة في العام 2011 أثبتت وجود بعض كرموزم إكس في الإنسان الحديث أصلها يأتي من بشر نياندرتال، وذلك بين سكان الأرض خارج قارة افريقيا، وأنه قد حدث إختلاط بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط من حوالى 60 إلى 80 ألف عاماً.
التعليقات على الموضوع (74)