الفرق بين العام والسنة في القرءان الكريم
من المؤكد ورود مفردة عام فى النص القرءانى بالإضافة لمفردة سنة وجمعها سنين، وكنت أعتقد مثل الكثيرين أنهما تشيران إلى نفس وحدة قياس الزمن ومقدارها إثنا عشر شهرا. ولكن لماذا يوجد إسمين لنفس وحدة قياس الزمن؟ فهل يوجد بينهما فروق؟ وهل هناك فى نصوص القرءان الكريم مفتاحًا لمعرفة هذا الفرق؟
منازل القمر وعدد السنين
يرتبط قياس الزمن بحركة الأجرام السماوية التى يستطيع الإنسان رؤيتها من على كوكب الأرض. وبالآيات التى يراها الجميع بالعين المجردة يوميًا مثل الشمس والقمر. وهنا نبدأ بالقمر الذي يدور حول الأرض فى دورة كاملة 360 درجة تستغرق مقدار 27,32 يومًا.
هذا لو كانت هذه هى الحركة الوحيدة للقمر. ولكنه يتحرك تابعًا للأرض معًا فى دورة آخرى حول الشمس. ودورة القمر والأرض هذه حول الشمس تكلف القمر حوالي يومين حتى نراه على الأرض فى شكل قمر مولود. فتكون بذلك الفترة الزمنية لدورة القمر حول الأرض الظاهرة لنا كسكان للأرض هى فى المتوسط 29,53 يومًا.
وذلك هو المهم لنا فى حساب الزمن أن دورة القمر حول الأرض المرئية لسكانها تستغرق فى المتوسط 29 ونصف يوم، وهى المدة بين إكتمال صورة القمر (البدر) والبدر الذى يليه. وهذا هو ما يستطيع أغلب الناس رؤيته بالعين، وليس ميلاد القمر الذى لا يراه أحد حيث يتم الحساب به الأن.
ويبدو لى أن هذه الآية الكونية هى التى يتحدث عنها هذا النص القرءانى (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءً وَٱلۡقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٥) سورة يونس
والنص يقول بوضوح أن الله تعالى قد قدر حركة القمر لنتعلم منها عدد السنين. إذن وحدة قياس الزمن التى ربطها النص القرءانى بدورة القمر سماها بوضوح السنين ومفردها سنة. ودورة القمر حول الأرض لا نتعلم منها سوى أنها تستمر 29 ونصف يوم. فهذه هى الوحدة الزمنية التى سماها القرءان سنة.
السنة = 29,53 يومًا = دورة كاملة للقمر حول الأرض
وهذه الدورة هى وحدة الزمن التى تحدث عنها النص القرءانى، فدوران القمر مرتين حول الأرض هما وحدتين أى سنتين ودورانه ثلاث مرات تسمى ثلاث سنين وهكذا.
السنين فى القرءان الكريم
وقد يبدو من النص التالي تأييدًا لهذه المفهوم (قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ٤٧ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ٤٨ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ٤٩) سورة يوسف
فالمقصود من سبع سنين هنا ليست سبعة أعوام، بل سبعة دورات قمرية وهي متوسط فترة زراعة القمح وحصاده التى تتراوح بين 6 سنين للقمح الصيفى و 8 سنين للقمح الشتوى. والنص القرءانى يتحدث عن موسم زرعة قمح واحدة، بعدها ستمر نفس الفترة الزمنية كوقت جفاف، أما العام الذي يليه سيكون عامًا مثمرًا. وهذا سبب ورود مصطلحي سنين وعام فى هذا النص لإنهما وحدتي زمن مختلفتين وغير متشابهتين، والسنه وحدة أقل من العام ويستغرق موسم القمح فى المتوسط 7 سنين حتى الحصاد.
أما ما ورد فى النص التالي فقد يكون دليلًا آخر واضحًا (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ ١٤ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةً لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٥) سورة العنكبوت
فهنا يتحدث النص عن عمر نوح عليه السلام أو فترة دعوته لقومه وهى 1000 سنة وليس عامًا، أى 1000 دورة قمرية. إلا خمسين عامًا.
والمعلوم أن نوح قضى هذه الفترة مع نفس الناس يدعوهم، ولم يتعاقب عليه أجيالًا من الناس كما توارثنا. لإن من بُعث فيهم هم بعينهم الأشخاص الذين عذبهم الله بالغرق بسبب كفرهم، ولو فُرض أن نوحًا كان معمرًا فوق العادة وعاش 950 عامًا فلابد أن قومه يكونوا قد عاشوا معه أيضًا نفس المدة الزمنية. فما الحكمة فى مد أعمارهم لهذه الدرجة أو أن يبقي نبي يدعو قومه (كم كان عددهم ياترى!) كل هذه المدة ومعلوم أنهم لن يستجيبوا؟
كما أن النص التالى يوضح انهم كان بالتقريب جيلًا واحدًا وتمنى نبى الله أن لا يبقوا حتى يتكاثر عددهم (إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ٢٧) سورة نوح
وأحب أن أضيف هنا أنه لو كان نوح وأيضًا قومه قد عاشوا 950 عامًا كما يعتقد الكثيرين، فإن هذه ءاية عظيمة تفوق ما جاء به الكثير من الأنبياء من ءايات. ولسوف تكون هذه هى حجة نوح عند دعوته لقومه أن الله تعالى قد غير في خلقتهم الجسمانية من عظام وأجهزة ومفاصل لتتحمل هذه العمر الهائل. ولكن القرءان لم يتحدث بالمرة أن نوح قد ذكر لقومه أن يتقوا الله الذي أمد في أعمارهم بهذه الطريقة المعجزة وهم يرون غيرهم من أهل القرى المجاورة لهم يتساقطون موتى على مدى 9 قرون ونصف.
كما أنه ليس هناك دليل فى القرءان الكريم يذكر أن هناك نوع من الناس قد منحهم الله هذه الأعمار الطويلة، كما أن دراسة حفريات عظام البشر التى عمرها ملايين السنين حتى الآن لم تثبت وجود بشر قد عاشوا هذه الأعمار الطويلة.
سورة الأحقاف والأربعين سنة
لإننا نؤمن بأن القرءان الكريم قد حفظه الله تعالى من التحريف، وأنه نصوصه لا تناقض بعضها البعض. فيجب أن نتدبر نص سورة الأحقاف بعناية ومن جميع الأوجه والإحتمالات (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًا حَمَلَتۡهُ أُمُّهُ كُرۡهًا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهًا وَحَمۡلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًا حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحًا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٥) سورة الأحقاف
ومن جهتي فقد رأيت أن هذا النص قد لا يتعارض مع ما ورد فيما سبق من مفهوم السنة. فبعد فصال الطفل خلال 30 شهرًا أي 2,5 عامًا فهو لم يبلغ أشده بعد، وإنما يبلغ أشده عند 40 سنة أي 3 أعوام.
والنص يتحدث عن نمو الرضيع وإنتقاله من مرحلة الرضاعة إلى مرحلة آخرى وهى إعتماده الكامل على الحركة الذاتية.
وهذا يبدو لي أقرب لمفهوم أن الإنسان يبلغ أشده عند أربعين سنة. والجميع يعرف أن الإنسان يبلغ أشده إن كان المقصود قوته فى مرحلة شبابه على سبيل المثال عند حوالى 20 عامًا. أما أربعين عامًا فهو عند أغلب سكان الأرض وعلى مر العصور فهو عمر شيخوخة الإنسان وليس شدته. فالنص يبدو لي يتحدث عن إنتقال بين مراحل الرضاعة والطفولة.
والمُتحدث في النص الذي يدعو ربه ويشكر نعمته ليس الطفل فى عمر 30 سنه (حوالى 3 أعوام) ولكن هو الإنسان الذي يوصيه الله تعالى في بداية النص بوالدية إحسانًا فيقوم بإجابة ربه بالدعاء لاحقًا عند تقدمه في العمر وليس في طفولته.
كما يجب أن نضع في الإعتبار النقطة الهامة التالية:
نص سورة الأحقاف الذي ورد فيه تعبير أربعين سنة، لا يتحدث عن شخص بعينه بل يتحدث عن كل إنسان فقد بدأ (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًا)، أي أنه يتحدث عن جموع من الإنسان لا حصر لها على مر العصور ولا يتحدث عن إنسان واحد.
وعليه فكل هذا الجموع التي لا حصر لها لن تتفق على وقت محدد وبعد أربعين سنة مباشرة وتقوم معًا بشكر ربها. إذًا فالنص ليس بالترتيب الزمنى الذي يبدو عليه في الوهلة الأولى.
فشكر الرب على نعمته لا يحدث بعد بلوغ الإنسان أشده مباشرًة، بل في أوقات مستقبلية متفاوته بين جموع بني الإنسان.
وأضيف هنا أنه إن لم يكن فهم هذا النص بهذه الطريقة مقنعًا، فلابد أن نبحث عن مفهوم آخر لمفردة السنة يجيب على جميع التساؤلات ومنها عمر نوح عليه السلام.
العام فى القرءان الكريم
ورد تعبير عام عدة مرات فى القرءان الكريم وهو يدل بلا شك على أنه وحدة لقياس الزمن. ولو نظرنا فى النص التالي (إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرًا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةً وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٣٦ إِنَّمَا ٱلنَّسِيٓءُ زِيَادَةٞ فِي ٱلۡكُفۡرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطُِٔواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمۡ سُوٓءُ أَعۡمَٰلِهِمۡ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٧) سورة التوبة
يتحدث النص السابق بوضوح عن وحدة زمنية إسمها شهر وجمعها شهور، وتم تحديد عددها اثنا عشر شهرا منذ بداية الخلق. وهذا العدد 12 هو تقسيم لوحدة زمنية أكبر وهى العام كما ورد فى النص السابق. حيث يتحدث النص عن الذين كانوا يقومون بإجراء تغيير على الأشهر الحرم من عام لآخر. وما يهمنا الآن هو أن فى النص دليل واضح على صحة ما تعارف عليه الناس إلى الآن بأن العام مُقسم إلى 12 شهرًا.
الشمس وحساب الأعوام
والسؤال هنا هو كيف نتمكن من حساب الأعوام وعدد أيامها؟ ومتى يبدأ العام؟
بعد أن تعلمنا من النص القرءانى أن فى ءايتي الشمس والقمر هناك نوع من الحساب (فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنًا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانًا ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ٩٦) سورة الأنعام
وعلمنا أنه عن طريق دورة القمر حول الأرض يتم حساب السنين، فالسنة هى دورة قمرية واحدة. ولا يمكن حساب الأعوام عن طريق القمر. ولا يمكن أن نعتمد مسبقًا على أن العام يساوي 12 شهرًا ونقول أن كل دورة قمرية تساوي شهرًا، وبذلك فكل 12 دورة قمرية تساوي عام، كما يحدث الآن فيما يسمى بالتقويم الهجري.
فالدورة القمرية حول الأرض قد سماها القرءان سنة وليس شهرًا. وقد أوضح النص القرءانى أن العام = 12 شهرًا وليس سنةً. وهذا أعتبره دليل على أن دورة القمر حول الأرض لا يتم بها حساب الأعوام. كما أنه لا يوجد عن طريق القمر ءاية فلكية يمكن أن نحدد بها بداية العام أو نهايته. فكل دورات القمر بالتقريب متشابهة ولا ينتج عنها ءاية معينة يراها كل البشر فى كل العصور ليمكن إعتبارها بداية للعام.
والأمر يختلف مع دورة الأرض حول الشمس، وعلى ما يبدو أنها هى الآية الكونية الخاصة بحساب الأعوام.
فالدورة الشمسية تدور فيها الأرض دورة واحدة حول الشمس تستغرق بالتقريب 365 وربع اليوم. كما أن الدورة الشمسية بها ءايتين تحدثان مرة كل عام وهى تساوي الليل مع النهار تقريبًا فى أى مكان على الكرة الأرضية. وهى ءاية كونية يمكن بها تحديد بداية العام لكل بقاع الأرض.
وأخيرًا فدورة الأرض حول الشمس هى التى يمكن تقسيمها إلى الإثنا عشر شهرًا التى ورد ذكرها فى سورة التوبة. فهذه الدورة يبدو لى بلا شك أنها هى الوحدة الزمنية التى أسماها القرءان عامًا.
الخلاصة
مفهوم تعبير السنة القرءانى ورد على أنه وحدة لقياس الزمن مرتبطة بدورة القمر حول الأرض. وهذه الوحدة الزمنية سماها القرءان الكريم السنة. وهذه الدورة يراها سكان الأرض كفترة زمنية بين ميلاد قمر وآخر ومقدارها 29 ونصف يوم.
السنة = 29,53 يوم
أما مفهوم تعبير العام فى القرءان فهو مطابق لما هو معروف لدى الجميع بأن العام هو وحدة زمنية تنقسم إلى إثنا عشر شهرًا. والعام هو دورة الأرض حول الشمس وليس للقمر هنا علاقة بهذه الوحدة الزمنية.
العام = 365 وربع اليوم
والله تعالى أعلم
التعليقات على الموضوع (52)