في البحث عن مكان المسجد الحرام
مكان البيت
تقديم: يكاد يجمع المتدبرون لكتاب الله أن بيت الله لا يمت بصلة للبيت الموجود بالحجاز، بالنظر للجذور الوثنية لبيت الحجاز والطقوس الوثنية التي لا تزال تمارس هناك تحت مسمى مناسك الحج. وبالنظر أيضا لغياب أدنى معالم وآثار تثبت بعثة النبي في ذلك المكان.
ومن هنا بات البحث عن مكان المسجد الحرام ضرورة ملحة بل واجبا على كل مسلم موحد..
وفي هذا الصدد لجأ بعض الإخوان مشكورين إلى الاجتهاد اعتمادا على مصادر تاريخية غير إسلامية وخرائط قديمة وأمكنة تقترب أسماؤها و جغرافياها من تلك المذكورة في القرءان. وبالرغم من جدية هذه البحوث إلا أنني أرى بأنها لن تؤدي الغرض المطلوب. فمن السهل على من حرف معاني كلمات كتاب الله ونسب الزور للنبي تحت مسمى الحديث، أن يغير أسماء الأماكن يمنة ويسرة ليضلل الناس أكثر. لذا فالاعتماد على أسماء أماكن تشبه تلك المذكورة في القرءان يبدو لي هشا لما قد يطرأ من تغيير على هذه الأسماء عبر العصور. كما أن جغرافيا مكانين مختلفين قد تكون متشابهة. ففي أماكن عديدة يمكننا إيجاد هضاب وأشجار وأنهار وبحار. لست بهذا أنتقص من هذه الأبحاث إلا أنني أطرح فقط إمكانية أن تسلك بنا هذه النتائج المسلك الخطأ. لذا فقد اعتمدت في تحديد مكان المسجد الحرام في هذا البحث على كتاب الله وحده دون اللجوء لغيره من المصادر لعدم ثقتي بها كلية.
الإسراء هو المفتاح
مفتاح التوصل لمكان المسجد الحرام هو قصة الإسراء التي ذكرت في سورة الإسراء. لماذا ؟؟ لأنه كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
يقول عز وجل: "سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًۭا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَـٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَـٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ"
أولًا في هذا المقام يكفيني سياق الآية الدال على موسى والخرافات التي حيكت حول الاسراء والمعراج بحيث لا يقبلها عقل سليم للقول بأن المسرى به هو موسى عليه السلام. لكن حتى وإن سلمنا بأن موسى هو المسرى به يبقى أهم سؤال مطروح هو متى كان هذا الإسراء بنبي الله موسى؟؟
في ما أعتقد أن الإسراء هو خروج موسى بقومه ليلة إغراق فرعون، وإليك الدلائل:
"لَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًۭا فِى ٱلْبَحْرِ يَبَسًۭا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكًۭا وَلَا تَخْشَىٰ"
"وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِىٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ"
"فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿٢٣﴾ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌۭ مُّغْرَقُونَ"
كلمة "أسر" هي صيغة الأمر في ضمير الغائب للفعل "أسرى". وهي كما ترى خروج موسى بقومه بوحي من الله ليقضي الله أمرا كان مفعولًا بإغراق فرعون وقومه ونصرة نبيه موسى وقومه. إذن فالإسراء هو هذا وليس خروج موسى بأهله لأن هذا الأخيــــر عبرت عنه الآيات ب "سار بأهله" وسار غير أسرى والقرءان دقيق المعاني فلا يجوز خلط مفاهيم العبارات وإن اقتربت من بعضها رسما.
إذن فالقول الأصوب هو بأن الاسراء هو خروج موسى ليلا ببني اسرائيل وهل ءاية هناك أعظم من إهلاك عدوه ووراثة الأرض المقدسة.
المسجد الحرام في أرض فرعون
لنعد إلى قضيتنا الأولى: الإسراء كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وهنا ستتضح الصورة بأن المسجد الحرام هو في مصر فرعون التي خرج منها موسى إلى المسجد الأقصى الموجود بمحاذاة طور سيناء. يقول عز وجل "يَـٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَـٰكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَٰعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ" ألا ترى واضحا أخي أن الله واعد بني اسرائيل الاستقرار بالمسجد الأقصى لدى نجاتهم من فرعون وعبر عنه بجانب الطور الأيمن. وهذا يحقق الانسجام بين ءاية النجاة هذه والآية موضوعنا: "من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".
وما يؤكد أن مصر فرعون أرض مباركة أن في نهاية سورة الاسراء نجد أن الله تعالى قد أخبرنا أن فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض.
"فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعًۭا".. والمقصود بالأرض هنا الأرض المقدسة لا أرضا مجهولة و الدليل بقية الآية " َقُلْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ لِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱسْكُنُوا۟ ٱلْأَرْضَ" فنحن نعلم أن الله بعد هلاك فرعون طلب من بني إسرائيل الدخول إلى الأرض المقدسة لا غيرها "يَـٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْأَرْضَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِى كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا۟ عَلَىٰٓ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِينَ" وهتين الآيتين متكاملتين في المعنى وتدلان على نفس القضية وهي مطالبة الله بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة بعد هلاك فرعون، أي العودة إلى مصر التي خافوا أن يعودوا إليها لأن بها كما قالوا قوما جبارين.
لفهم هذه القضية بالذات علينا التوفيق بين ءايتين:
"كمْ تَرَكُوا۟ مِن جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿٢٥﴾ وَزُرُوعٍۢ وَمَقَامٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿٢٦﴾ وَنَعْمَةٍۢ كَانُوا۟ فِيهَا فَـٰكِهِينَ ﴿٢٧﴾ كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَـٰهَا قَوْمًا ءَاخَرِينَ"
"فَأَخْرَجْنَـٰهُم مِّن جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿٥٧﴾ وَكُنُوزٍۢ وَمَقَامٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿٥٨﴾ كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ"
بعد هلاك فرعون يقول عز وجل أن أرض فرعون:
في الآية الأولى: أورثناها قوما آخرين والثانية: أورثناها بني إسرائيل. كيف ذلك؟؟؟ هل هناك تناقض؟؟؟ كلا..
المنطقي أن الأرض المقدسة أرض فرعون ورثها قوم آخرون في بادئ الأمر قبل أن يرثها بنو إسرائيل فيما بعد بعد تيه دام أربعين سنة حين رفضوا قتال هؤلاء القوم.
ماذا عن المسجد الأقصى؟
قد يسأل سائل لماذا لا يكون القتال الذي طلب من بني إسرائيل في المسجد الأقصى؟؟؟؟؟؟
وكيف كان المسجد الأقصى في هذه الفترة؟؟؟؟
الجواب: المسجد الأقصى لم يكن حينذاك آهلا بالسكان والدليل أن موسى حين مر بجانب الطور وآنس النار كان بمفرده ومن سياق القصص القرءاني يبدو أنه كان واديا خاليا لا وجود فيه لأحد.. ثم فيما بعد حين خرج موسى بقومه وأسرى بهم، وصل بهم إلى المسجد الأقصى "يَـٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَـٰكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَٰعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ"..
أي أن بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر مع موسى استقروا بجانب الطور الأيمن الذي هو المسجد الأقصى وتضجروا من الطعام الواحد، المن والسلوى، وواضح أنه لم يكن يعرفه أو يسكنه غيرهم.
تحديد المسجد الحرام
فإذا كان المسجد الحرام بمصر فأين هو؟؟؟ أقول هي ربما الأهرامات وكمـــــــا قال صاحب موضوع الهرم هو الحرم الضائع الذي أرى أنه لم يأخذ حقه من الدراسة، والذي ركز صاحبه على ضرورة وجود آيات حسية ظاهرة للعيان لا يمكن أن تكون من إنجاز البشر ظاهرة واضحة "ِإنَّ أَوَّلَ بَيْتٍۢ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًۭا وَهُدًۭى لِّلْعَـٰلَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ ءَايَـٰتٌۢ بَيِّنَـٰتٌۭ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًۭا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًۭا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِين". لقد حار فيها العلماء عبر العصور وما زالت النظريات التي تعرض عن مدة بنائها وكيفيته غير مقنعة.
البحر الذي انفلق كالطود
أما السؤال عن البحر الذي انفلق كالطود وغرق فيه فرعون فهو حتما البحر الأحمر. والمسجد الأقصى أبعد من الضفة الأخرى التي وصل موسى وقومه إليها ، فهم لم يصلوه مباشرة كما يمكنك أن ترى في الخريطة بل يجب المرور بقرى أخرى وهذا ما يشير إليه القرءان صراحة "وَجَـٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْا۟ عَلَىٰ قَوْمٍۢ يَعْكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصْنَامٍۢ لَّهُمْ ۚ قَالُوا۟ يَـٰمُوسَى ٱجْعَل لَّنَآ إِلَـٰهًۭا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌۭ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌۭ تَجْهَلُونَ" ..
إذن فكما ترى أخي فهم قد مروا على أقوام مما يدل على أنهم واصلوا السير قبل الوصــول إلى ميعاد ربهم "أَنجَيْنَـٰكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَٰعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلْأَيْمَنَ". إذن فهلاك فرعون كان في ليلة الاسراء بينما الوصول إلى المسجد الأقصى تحقق فيما بعد نظرا للمسافة التي تفصله عن البحر .
قبلة بني إسرائيل
"أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًۭا وَٱجْعَلُوا۟ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةًۭ وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ"
لماذا يأمرهم الله أن يتخذوا بيوتا للعبادة؟ حتما لأنه لم يكن المسجد الحرام متاحا لهم نظرا لطغيان فرعون وسيطرته على المسجد الحرام، فأجاز لهم الله مؤقتا أن يتخذوا بيــــوتا للصلاة.
لماذا يبعث الله يوسف في مصر ويجلب إليها ءال يعقوب؟
لا يعقل أن يبعث الله يوسف في مصر ويمكن له في الارض التي لا أرى إلا أنها الارض المباركة المسجد الحرام، ثم يجلب آل يعقوب برمتهم من أجل عرض من أعراض الدنيا أو رغد العيش في مصر، بل أرى أنه دخول للمسجد الحرام وعودة إليه. ولهذا قال ادخلوا مصر آمنين. لأنهم دخولهم لم يكن ليكون آمنا لولا يوسف.
خاتمة
أرجو من أخي القارئ أن يتجرد من كل مفهوم مسبق، أو استغراب الأمر، فما الأمر بعجاب، بل موثق بالدلائل القرءانية الواضحة بالنسبة لي وضوح الشمس في وضح النهار. ومسك الختام أن نحيل العلم لله بقولنا الله أعلم، وندعوه بالإذن أن يعرف بيته.
والسلام عليكم ورحمة الله
التعليقات على الموضوع (82)