الفصال غير الرضاعة!
بسم الله الرحمن الرحيم.
نظرا لما رأيت من أهمية في موضوع الفصال في تحديد مفاهيم أخرى عن العام والحول والشهر وغيرهما فاني حرصت على كتابة موضوع يبين المعنى الحقيقي للفصال.
1- الفصال لغة في المعاجم وللأسف سيطر عليه المعنى الاصطلاحي للمفسرين على اللغويين فساد عليه معنى الفطام أي قطع الرضاعة. رغم ذلك فهناك معنى أوسع وهو قطع الشيئ عن بعضه...لكننا وبتمعن في كتاب الله نجد أن كلمة فصال ذكرت ثلاث مرات في القرءان. تشابه ورودها في كونها تكون دائما بين طرفين اثنين يستقل بموجبه الواحد عن الأخر وينفصل عنه.
يقول ربي: (وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌۭ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓا۟ أَوْلَـٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ).
هذه الأية جاءت لتبين رخصة اضافية أعطاها الله للمطلقات من أولات الأحمال أن يبقين حولين كاملين لرضاعة أولادهن من أزواجهن الذين طلقوهن. لكن الله أبقى الأمر بيد المطلقين أن يتشاورا عن رضا فلا يستكملا هذه الرخصة ان أرادا فصالا بينهما. فلا علاقة للجنين بكلمة فصال انما هو يخص المطلقين. فكيف اذن يكون هناك فصال بمعنى قطع للرضاعة لو أن الأم أخذت كفالة نفس المولود وهو الشائع؟؟ اذن فالفصال هنا بين الزوجين المطلقين أصلا واللذان ما زال يجمعهما عدة الحمل ورخصة الرضاعة.
2- نأتي الى الفصال في ءاية اخرى حيث يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰنًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ كُرْهًۭا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًۭا ۖ وَحَمْلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةًۭ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًۭا تَرْضَىٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ ۖ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ).
نلاحظ أيضا هنا أن الفصال جاء بين طرفين اثنين وهما الأم وجنينها. ولاحظ دقة التعبير اللامتناهية عند المولى فهو يتكلم بصيغة الفعل لما تكون الأم مقصودة بالكلام فيقول -وضعته- وهذا الفعل حقيقة لما بعد الفصال. لكنه عندما يريد التكلم عن الحدث الواقع عند نهاية الحمل والذي يخص الأم وجنينها معا فانه يقول عنه فصالا. فهو استقلال الجنين عن بطن أمه بعيدا دائما عن الرضاعة التي أوقعنا التراثيون في فهمهم الخاطئ لأية الطلاق.
3-أما في الأية الثالثة والتي تتطلب تركيزا كبيرا فان الفصال يدل على نفس حدث انفصال الجنين عن بطن أمه لكن بتغيير وحدة قياس الزمن.
فيقول ربي: (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ وَ فصاله في عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ). هنا يبين الله أن فصال الجنين عن أمه يكون بعد مدة عامين ولاحظ جيدا عزيزي القارئ حرف -في- فالله لم يستعمل التعبير الاول - حمله وفصاله ثلاثون شهرا- فلم يقل مثلا وفصاله عامين أي أن مدة الفصال عامين بل قال بدقة وفصاله في عامين.أي أنه يكون بعد عامين وهي مدة الحمل طبعا.من هنا نستنتج شيئا مهما وهي أن العامين غير الحولين فهما مفهومان متباينان ومختلفان تماما. فالحولين هما السنتين الشمسيتين كما نحسبهما والعامين يدلان من خلال الأية على موسمين مقدارهما 9 أشهر من حسابنا. وجب أن أنوه أخيرا الى أن مدة فصال الجنين عن أمه لا تكاد تقاس فما دام داخل بطنها فهو حمل وما ان خرج فقد وقع الفصال.
كل هذا الخلط بين المفاهيم أوقعنا فيه التراث لأنهم لا يدققون في كلام الله ولا مشكلة لديهم في الترادف. فما قدروا الله حق قدره. فأصبحت الشهور هي الأشهر والحول هو العام وهو السنة في نفس الوقت فضاع التقويم وضاعت الأشهر الحرم وضاع توقيت رمضان وعدته. ولسنا الأن إلا نحاول فرز المفاهيم عن بعضها مخلصين لله هذا العمل. عسى ربي أن يتقبله منا فنكون من المفلحين.
والحمد لله رب العالمين
التعليقات على الموضوع (97)